نصف سنة على الانتخابات البرلمانية المبكرة التي شهدها العراق، والبلاد تقف على عتبة انسداد سياسي، بعد فشل جهود انتخاب رئيس جديد، ومن ثم رئيس للحكومة.
ولا أحد يعرف إلى الآن كيفية الخروج من هذا الانسداد، وكأن الانتخابات التي جرت، لم تكن لها قيمة قانونية، أو دستورية، أو سياسية، في مفارقة سياسية تفرَّد بها العراق، إذ جرت العادة في كل دول العالم بعد كل انتخابات أن تذهب القوى الفائزة إلى تشكيل حكومة جديدة، فيما تذهب القوى الخاسرة إلى المعارضة في البرلمان، إلا في العراق، حيث تصر القوى الخاسرة على البقاء في السلطة، من أجل استغلالها المصالح الشخصية، والحزبية، والطائفية الضيقة، على حساب المصالح الوطنية والعامة.
منذ اليوم الأول لإعلان النتائج الأولية للانتخابات، أشهرت القوى الموالية لإيران رفضها هذه النتائج، معلنة شعار تشكيل حكومة توافقية للبقاء في السلطة، وفي سبيل ذلك، طعنت في النتائج، ونزلت إلى الشارع، واستهدفت رئيس الحكومة، وقصفت منزل رئيس البرلمان، وقصفت مطار أربيل، قبل أن تتمكن من إفشال جلسات البرلمان، عبر تأمين ما أسمته بالثلث الضامن لعدم اكتمال النصاب القانوني للجلسات، الذي هو في الحقيقة الثلث المعطل الذي أوصل البلاد إلى حالة الشلل.
تتذرع هذه القوى بتمثيلها لما يسمى "المكون الشيعي"، وكأن رئيس كتلة التيار الصدري، مقتدى الصدر، الذي فاز بأكبر عدد من الأصوات "73 مقعدا"، ليس شيعيا.
تتحجج هذه القوى المسلحة بولاء طائفي للخارج، بوجود مؤامرة إقليمية، وأخرى أمريكية لتدمير العراق، في حين كل هدفها هو البقاء في السلطة، بل هي من تتحمل مسؤولية وصول العراق إلى حافة الانهيار، بعد أن جعلت من البقاء في السلطة هدفا وحيدا لها، ولعل نوري المالكي، الذي يقود هذه الأحزاب من قصره في المنطقة الخضراء "كان أحد القصور الرئاسية السابقة" يريد تكرار سيناريو عام 2010، عندما نجح بدعم إيراني في تشكيل حكومة جديدة، بعد أن قلب الطاولة على القائمة العراقية بزعامة إياد علاوي، رغم أنها "القائمة" كانت الفائز الأكبر في الانتخابات وقتها، وهو "المالكي" هنا يراهن على الوقت لإقناع "الصدر" بالتخلي عن تشكيل حكومة أغلبية، أو ربما يعد لسيناريو مرحلة ما بعد تعطيل العملية السياسية.
في الواقع، الحقيقة التي يجب أن تقال، هي أن أصحاب الولاء لإيران برعوا في معادلة التعطيل بهدف البقاء في السلطة، وما الخطة التي طرحوها مؤخرا بهذا الخصوص سوى محاولة للالتفاف على مساعي "الصدر" لتشكيل حكومة أغلبية، خاصة أن تحالف "إنقاذ وطن"، المؤلف من الصدر والبرزاني والحلبوسي، أنتج تفاهمات بين أطرافه الثلاثة لترتيب المشهد العراقي في مرحلة ما بعد الانتخابات، ولعل ما شجع أصحاب الولاء لإيران على السير في نهج التعطيل حتى النهاية، هو امتلاك أطرافه السلاح خارج إطار مؤسسات الدولة وداخلها، وحجم الولاء والتبعية لإيران، وإثارتهم شعارات طائفية خطرة، والتحذير الدائم من أن مخاطر كبرى قادمة إذا لم يتم مشاركتهم في السلطة، والأسوأ حديثهم عن حرب شيعية-شيعية.
وعليه لا يرى هؤلاء أي مشكلة في إطالة أمد تعطيل العملية السياسية حتى لو اقتضى ذلك مخالفة المُهل الدستورية، ما دام عدم انتخاب رئيس جديد حتى السادس من الشهر الجاري يشكل مخالفة دستورية، فيما المحكمة العليا ليست بيدها صلاحية سوى القول إن البرلمان ارتكب مثل هذه المخالفة، وهكذا يصبح الانسداد سيد الموقف، ولن يبقى أمام الجميع للخروج من هذا الانسداد سوى العمل من داخل البرلمان لدفع الأخير إلى حل نفسه عبر مقترح يحصل على أصوات النصف زائد واحد، وهو ما يعني الذهاب إلى انتخابات مبكرة جديدة، رغم أن الدرس الذي ينبغي استخلاصه من الانتخابات العراقية السابقة، هو أن العملية السياسية لا تسير وفق نتائج الانتخابات دستوريا وقانونيا، هذا إن كان العراق، المثقل بالجراح والخوف من موجة فوضى أمنية غير مسبوقة، مستعدا لإجراء انتخابات مبكرة جديدة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة