ظلت التوازنات في الشرق الأوسط مرحلية ومؤقتة وقلما شهدت المنطقة مشاريع مستقبلية نوعية قادمة من داخلها.
يمكن اعتبار حديث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في كلمته في مبادرة مستقبل الاستثمار أكثر حديث إيجابي ومستقبلي تشهده المنطقة منذ أكثر من عشر سنوات.
ظل هذا الوصف (الشرق الأوسط الجديد) مخيفاً للغاية، حيث يمثل واحداً من أبرز المشاريع التي ارتبطت بالفوضى والتحالفات المدمرة والاتفاقيات الغريبة التي أضرت بالمنطقة وأثارت تداعيات ما زالت آثارها مستمرة إلى اليوم، كان العامل الأبرز في سوء تلك النظرية أنها بأكملها كانت قادمة من خارج الشرق الأوسط، وكان مجرد مستهدف بها وبكل ما تضمه من خطط وأهداف، ولم تلبث أن تحولت إلى فوضى عارمة كادت أن تودي بالمنطقة لولا تلك الأدوار والمواقف الجبارة التي اتخذتها دول الاستقرار في المنطقة.
لطالما مثلت الرياض وأبوظبي وغيرهما من عواصم الاستقرار منطلقاً لبناء الاستقرار في دول الجوار والحفاظ على الدولة الوطنية العربية، وعليها اليوم أن تخطو خطوة أخرى في السياق تخرج بها من الحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة إلى بناء وتنمية مستقبل المنطقة.
الكوارث الكبرى التي آلت إليها نظرية الشرق الأوسط الجديد لم يحد منها سوى دول الاستقرار والاعتدال في المنطقة؛ السعودية والإمارات كانتا على رأس تلك الكيانات التي اشتغلت مكانتها الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية بل والعسكرية أيضا؛ لوقف تقدم ذلك المخطط الشنيع في الشرق الأوسط، وساندت الدولة الوطنية العربية وواجهت كل تكتلات الفوضى وقاومت المليشياوية والحزبية والطائفية وقاومت كذلك التواطؤ الدولي الداعم والمتبني لتلك المخططات حتى عبرت المنطقة واحدة من أسوأ المراحل التي عرفتها في التاريخ الحديث.
ظلت التوازنات في الشرق الأوسط مرحلية ومؤقتة وقلما شهدت المنطقة مشاريع مستقبلية نوعية قادمة من داخلها، لكنها اليوم أحوج ما تكون لتلك المشاريع وأقدر من أي وقت مضى على الإيمان بها والانطلاق في تنفيذها واقعاً.
لسنوات طويلة ظل الشارع الشرق أوسطي محبطاً متراجعاً يعيش حالة من انسداد الآفاق وتهيمن عليه أنماط بدائية من الإدارة والتخطيط ويسيطر الفساد على مختلف أجهزته وتتراجع الطموحات عدا طموحات الهجرة والسفر. وعززت أحداث الفوضى التي شهدتها المنطقة منذ عام ٢٠١١ ذلك الواقع المتردي. كانت تلك الأحداث أسوأ وصفة للتغيير في العصر الحديث، والدليل الأبرز تلك النتائج الكارثية التي آلت إليها الأمور في كثير من العواصم العربية.
منذ أيام كان الشرق الأوسط على موعد مع أبرز وأهم خطة لمستقبله واستثمار مقدراته؛ كان منطلقها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في كلمته المهمة التي ألقاها في مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار، المؤتمر الدولي الذي يضم أبرز وأهم التكتلات الاقتصادية النشطة في العالم والمؤثرة في تشكيل اقتصاده ومستقبله.
لم يحدث أن سمع الشباب العربي ربما تخطيطاً ورؤية المستقبل بهذا التطلع وبهذه القوة وأيضاً بهذا المستوى من الطموح الواقعي لأن يكون الشرق الأوسط هو أوروبا المستقبل.
تقوم هذه الرؤية الجديدة للشرق الأوسط الجديد على عدة عناصر تجعلها مهيأة للنجاح والتطبيق:
أول هذه العناصر أنها رؤية قادمة من داخل الشرق الأوسط نفسه، وهذه ربما تكون المرة الأولى التي يشهد فيها الشرق الأوسط خطة لمستقبله من داخله تركز على استثمار كل عناصر القوة التي لديه وتستثمرها باتجاه المستقبل.
من عناصر القوة أيضاً أن في هذا الشرق نماذج واقعية وحقيقية أشار إليها سمو ولي العهد في حديثه تتلخص في نموذج عظيم كالتجربة التي مثلتها دبي كمدينة عربية شرق أوسطية استثمرت مقدراتها وأوجدت مناخاً جديداً وعظيماً للحداثة والمدنية والرقي والاقتصاد الجديد.
العامل الأبرز يتمثل كذلك في الاحتياج الكبير الذي يعيشه الشرق الأوسط نحو حياة جديدة وتطلع جديد.
لطالما مثلت الرياض وأبوظبي وغيرهما من عواصم الاستقرار منطلقاً لبناء الاستقرار في دول الجوار والحفاظ على الدولة الوطنية العربية، وعليها اليوم أن تخطو خطوة أخرى في السياق تخرج بها من الحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة إلى بناء وتنمية مستقبل المنطقة، وهو ما احتفى به الشارع العربي خاصة أنه قادم من نموذج لشاب عربي قيادي ومنطلق بشغف حقيقي نحو المستقبل وهو ولي العهد السعودي.
ظل التعاون الاقتصادي بين دول المنطقة متركزاً في أغلبه على المساعدات والمعونات التي تقدمها الدول الغنية للدول ذات المستوى الاقتصادي الأقل، لكن غياب الرؤية واستشراء الفساد والبيروقراطية كانت عوامل تحد من الاستفادة من تلك المعونات، ناهيك عن كونها إجراء مرحلياً.
يحمل سمو ولي العهد اليوم رؤية تعيد تشكيل تلك العلاقة لتخرج من الدعم والمساعدات إلى بناء الشراكات التنموية، واستثمار المقدرات الهائلة التي تمتلكها دول المنطقة لتكون قوة حقيقية لمستقبل نحو شرق أوسط جديد نصنعه بأيدينا.
نقلا عن "عكاظ"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة