لم تقتصر رؤية الإمارات في البناء والتنمية على تمكين الشباب وحدهم، بل جلعت لكافة الفئات الأخرى نصيبا مشابها من التمكين
في عالم عربي مضطرب لم تعد للدولة الوطنية فيه هما سوى كيفية الإبقاء على وجودها ووحدتها وحدودها، أو كيفية إدارة مشكلاتها، السياسية والاقتصادية والاجتماعية العميقة، تبدو دولة الإمارات العربية المتحدة وكأنها تغرد وحدها خارج هذا السرب، عبر تبني قيادتها فلسفة سياسية في بناء الدولة لا تقوم على منطق "إدارة المشاكل اليومية"، ولكن في "الاستثمار في المستقبل"، ومن ثم تبنت منظومة تنموية متكاملة تقوم على رؤية قوامها الرئيسي هو "بناء الإنسان"، باعتباره اللبنة الأولى في بناء الدولة، واللبنة الأهم في بناء المجتمع، ما يميز الرؤية الإماراتية هنا في نظرتها إلى الإنسان عما عداها هو أنها لا تنظر إلى هذا الإنسان نظرة برجماتية تحصره فقط في فئة الشاب الذي يعول عليه في بناء وطنه نظرا لما يمتكله من طاقة وقدرات وطموح وعمر مديد منتظر، بل نظرت إلى الإنسان بمفهوم أكثر اتساعا وأوسع أفقا ورحابة وأكثر إنسانية، بما يتناسب مع المعنى الحرفي للكلمة، فكبير السن هو أيضا إنسان يستحق من التقدير والاهتمام ما يستحقه الشاب، وصاحب الإعاقة هو أيضا إنسان يستحق من الدولة المتابعة ما يستحقه السليم والمعافى، والطفل أيضا إنسان يستحق من الرعاية ما يمكنه من بلوغ مرحلة الشباب وهو يمتلك ناصية العلم والصحة والانتماء للوطن.
ما يميز الرؤية الإماراتية هنا في نظرتها إلى الإنسان عما عداها هو أنها لا تنظر إلى هذا الإنسان نظرة برجماتية تحصره فقط في فئة الشاب الذي يعول عليه في بناء وطنه نظرا لما يمتكله من طاقة وقدرات وطموح وعمر مديد منتظر، بل نظرت إلى الإنسان بمفهوم أكثر اتساعا وأوسع أفقا ورحابة وأكثر إنسانية.
وبالتالي لم تقتصر رؤية الإمارات في البناء والتنمية على تمكين الشباب وحدهم، بل جعلت لكافة الفئات الأخرى نصيبا مشابها من التمكين، عبر تبني سياسات وطنية تستحق التقدير والاحترام لتمكين كافة الفئات، كان آخرها قرار الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، قبل أيام بتسمية كبار السن في الإمارات بـ"كبار المواطنين"، نظرا لما يتمتعون به من خبرة في خدمة البلاد، مؤكدا أنه لا يمكن تحقيق التماسك الأسري والتلاحم المجتمعي إلا بضمان الحياة الكريمة لهم.
المميز في هذا القرار غير المسبوق عربيا ولا شرق أوسطيا هو أنه لم يكن مجرد تغيير للمسمى بلا مضمون حقيقي، أو دعاية سياسية لن تجد لها فرصا من الترجمة إلى قرارات على أرض الواقع، بل كان ضمن سياسة وطنية متكاملة أقرها مجلس الوزراء للارتقاء بجودة حياة هذه الفئة، و ضمان مشاركتها الفاعلة والمستمرة ضمن النسيج المجتمعي في الإمارات، سياسة جديدة ستضم تأمينا صحيا خاصا بهم، ومراكز لتزويدهم بمهارات عصرية، ومناشط رياضية، وبرامج خصومات خاصة بهم، والاستفادة من المتقاعدين في سوق العمل، وتصميم بيوت تناسب احتياجاتهم، وبرامج لحمايتهم من الإساءة والعنف.
ما جاء في قرار مجلس الوزراء يعكس نظرة تتبناها الإمارات تجاه فئة مهمة في المجتمع، نظرة لا ترى أن كبار السن انتهى دورهم في المجتمع ببلوغهم سن التقاعد، وأن عليهم قضاء ما تبقى من عمرهم على المقاهي أو في كتابة مذكراتهم؛ أو في قص حكاياتهم على أحفادهم، أو بالجلوس في المنازل لتتبع أخبار بلادهم على التلفاز، بل ترى أنهم يمتلكون من الخبرة ما يعادل طموح الشباب، وما زال في جعبتهم رصيد من الطاقة التي تجعلهم عنصرا مهما في استراتيجية بناء الوطن، لذا سيظلون "كبارا في الخدمة لهذا الوطن.. وكبارا في النفوس .. وكبارا في العيون والقلوب".
ما فعلته الإمارات هذا العام تجاه "كبار الوطن"، فعلته العام الماضي تجاه "أصحاب الهمم"، عندما أمر الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، بتغيير مسمى "ذوي الإعاقة" إلى "أصحاب الهمم" بشكل رسمي لتمكين هذه الفئة في المجتمع، وهنا لم يكن الأمر أيضا مجرد تغيير للمسمى بلا مضمون، بل جاء هذا المصطلح الجديد وجلب معه الكثير من التغييرات التي جعلت هذه الفئة من المجتمع أكثر سعادة وراحة، مثلها مثل أي فئة أخرى، حيث ساهم هذا القرار في إخراج أصحاب الهمم من دائرة الاعتماد إلى التمكين والمشاركة جنبا إلى جنب مع أقرانهم في المجتمع، وهو ما تجسد في السعي المتواصل لتحسين كافة الخدمات المقدمة لهم، والتركيز على تنمية وتطوير قدراتهم، ودمجهم في المجتمع لإشراكهم في مسيرة البناء، في ظل رؤية إماراتية تقوم على توفير كل المقومات لنجاح أصحاب الهمم، لتصبح الإمارات في طريقها الصحيح إلى أن تكون الدولة الأولى على مستوى العالم في مجالات دمج "أصحاب الهمم".
الإمارات بقرارها الأخير تثبت أنها أصبحت تعيش في "عالم موازي" لا يمت للواقع العربي بأمراضه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بأي صلة، هذا العالم الذي باتت الإمارات تعيش بداخله أصبح يُترجم شعبيا في مصطلح بدأ ينتشر بسرعة في وسائل التواصل الاجتماعي، ألا وهو "كوكب الإمارات"، وهو مصطلح ذو دلالات عميقة، ليس فقط على المكانة التي وصلت إليها الإمارات، ولكن أيضا على كيفية النظر إليها وإلى منجزاتها عربيا، حيث أصبح هذا المصطلح هو التعبير المفضل لرواد مواقع التواصل الاجتماعي للتعليق على هذه النوعية من الأخبار التي تتضمن مبادرات فريدة لا تأتي سوى من الإمارات، مثل تدشين وزارة خاصة بالتسامح وأخرى خاصة بالسعادة، أو تغيير مسمى ذوي الإعاقة إلى أصحاب الهمم أو القرار الأخير بتغيير مسمى كبار السن إلى كبار المواطنين، أو مبادرة التعليم الذكي أو منصة "مدرسة" للتعليم الإلكتروني، وغيرها من المبادرات التي تستهدف بناء الإنسان؛ والتي لن تتوقف بكل تأكيد..
تحية إلى "كوكب الإمارات" الذي لن يتوقف عن إبهارنا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة