2017.. عام التقارب السوداني الأمريكي
ترامب رفع العقوبات الأمريكية فاتحاً بذلك صفحة جديدة من العلاقات مع دولة درجت الإدارات السابقة على النظر إليها كجزء من "محور الشر".
من بين 28 عاماً قضاها في السلطة، ربما كان العام 2017 الأكثر محورية بالنسبة للرئيس السوداني، عمر البشير، إذ شهد تقاربا مع واشنطن، بعد عقود من العداوات والعقوبات التي أنهكت اقتصاد بلاده.
- ترامب يرفع عقوبات اقتصادية عن السودان.. والخرطوم ترحب
- السودان ينتقد "التناقض" الأمريكي بعد رفع العقوبات
إثر خطوات تصالحية متبادلة، أعلن الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، في يناير/ كانون الثاني الماضي، رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان، منذ 20 عاما.
لكن أوباما قيّد تنفيذ قراره الذي اتخذه في الأسبوع الأخير من ولايته، بمهلة 6 أشهر، تنفذ خلالها الخرطوم حزمة تعهدات، على رأسها التعاون في مكافحة الإرهاب.
وبذلك، أعطت المهلة الرئيس دونالد ترامب القرار النهائي، وفقا لتقييمه لمدى التزام حكومة البشير بتنفيذ الاشتراطات الأمريكية، التي تشمل أيضا وقف القتال في مناطق النزاعات.
ولم يشمل قرار أوباما شطب الخرطوم من قائمة الدول الراعية للإرهاب، المُدرجة فيها منذ 1993، فضلا عن الإبقاء على عقوبات عسكرية أخرى، مرتبطة بالحرب الأهلية في إقليم دارفور، غربي البلاد.
ولإثبات جديته، مدد مجلس الوزراء السوداني، في جلسة استثنائية ترأسها البشير، غداة القرار الأمريكي، وقفا لإطلاق النار، من جانب واحد، لمدة 6 أشهر.
ووافقت الخرطوم أيضا على مقترح أمريكي لإيصال المساعدات إلى المتضررين من الحرب الأهلية الممتدة في ثلاث جبهات، هي ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، الواقعتين جنوبي البلاد، بجانب دارفور.
ووسط شكوك في نوايا الإدارة الجديدة، أعلنت وسائل إعلام أمريكية، في أبريل/ نيسان الماضي، أن ترامب وعد محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، الذي توسطت بلاده في المحادثات السودانية الأمريكية، بإتمام رفع العقوبات، بحلول يوليو/ تموز.
وفي مايو/ أيار الماضي، ارتفعت آمال الخرطوم في موقف إيجابي من إدارة ترامب، إثر شهادة لصالحها، أدلى بها للكونجرس، مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية، دانيال كوتس.
وجاء في إفادة كوتس أن "النظام في السودان سيلتزم بشكل كبير بوقف العدائيات في مناطق النزاع، وهو أمر مطلوب لرفع العقوبات، رغم أن بعض الاحتكاكات بين الجيش السوداني والمتمردين ستؤدي إلى حالات عنف ونزوح منخفضة".
وأوضح أن "السودان يسعى غالبا، لاستمرار الحوار البناء مع واشنطن، بقرارها رفع بعض العقوبات في يناير 2017".
غير أن هذه الآمال انتكست، عندما عارضت واشنطن، بعد أسبوع من شهادة كوتس، مشاركة البشير في القمة الإسلامية الأمريكية، التي استضافتها الرياض، بحجة ملاحقته من المحكمة الجنائية الدولية.
ونهاية يونيو/ حزيران الماضي، وجدت الخرطوم نفسها أمام اختبار آخر، عندما عبرت السفارة الأمريكية عن "قلقها إزاء سجل حقوق الإنسان في السودان، بما في ذلك القيود المفروضة على الحرية الدينية، وحرية التعبير والصحافة".
وبالمقابل، انتقدت الخارجية السودانية موقف السفارة الأمريكية، لكن بصيغة تحاشت التصعيد الذي كان سمتها، طيلة العقود الثلاث الماضية، بقولها إن "قضايا حقوق الإنسان بالسودان شأن داخلي سيادي، ومع ذلك فإن الحكومة، وبكل ثقة، مستعدة للارتباط الإيجابي".
وفي 30 يونيو/ حزيران الماضي، انزلقت آمال الخرطوم إلى تحد أكبر، عندما وقع 53 عضوا في الكونجرس، من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، على مذكرة تطالب ترامب بتأجيل رفع العقوبات 12 شهرا، كفترة "مراقبة" إضافية.
ومن جانبه، مدد البشير، بعد يومين من رفع المذكرة، و12 يوما من نهاية المهلة، وقف إطلاق النار حتى أكتوبر/ تشرين الأول.
وتزامن ذلك مع تقليل وزير الخارجية السوداني، إبراهيم غندور، من شأن المذكرة، قائلا إن بلاده التزمت بكل تعهداتها.
وقبل أيام من انقضاء المهلة في 12 يوليو/ تموز، حظيت حكومة البشير بدعم من بعثة الأمم المتحدة، التي عبرت عن رغبتها في قرار "إيجابي" من واشنطن، بعدما شهدت الـ 6 أشهر الماضية، "تحسنا ملحوظا" في إيصال المساعدات الإنسانية.
إلا أن ترامب أعلن تمديد المهلة ثلاث أشهر إضافية، تنتهي في 12 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بحجة أن إدارته تحتاج مزيدا من الوقت، للتأكد من تنفيذ السودان للاشتراطات الأمريكية.
لكن الرئيس البشير انتقد القرار، معلنا تجميد عمل لجنة التفاوض مع واشنطن، قبل أن يعدِل عن خطوته، بوساطة من العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز آل سعود.
وقبيل انقضاء المهلة الجديدة بأسبوع، أعلن ترامب رفع العقوبات، فاتحا بذلك صفحة جديدة من العلاقات مع دولة درجت الإدارات السابقة على النظر إليها كجزء من "محور الشر".
ومقابل ترحيبها، شددت الخرطوم على استمرار المفاوضات، وصولا إلى شطب السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، بوصفه "يتناقض" مع اعتراف واشنطن بتعاونهما في مكافحته.
وإدراج السودان في القائمة الأمريكية السوداء، يقلل منافعه من رفع العقوبات، حيث يترتب عليه عدم الحصول على أي قروض أو منح تنموية من واشنطن، فضلا عن عدم المساندة في المنظمات الدولية.
ورسميا، أعلن الجانبان، البدء في المرحلة الثانية من التفاوض، لكن كما كانت المفاوضات السابقة مع إدارتي أوباما وترامب سرية، لم ترد حتى الآن تفاصيل جديدة، رغم الزيارات المتبادلة بمستوى أرفع مما كان عليه سابقا.
aXA6IDE4LjE5MS4xNjUuMTkyIA== جزيرة ام اند امز