«2017... عام الخير» مبادرة دعت الإمارات الجميع إلى الإسهام فيها.
عوّدتنا دولة الإمارات العربية المتحدة أن تطلق كل عام مبادرة تتخذ منها منطلقاً لخطوات تنموية جديدة، تعزز بها مكانتها على سلم التنمية البشرية التي تحرز فيها سنوياً مراتب متقدمة. وبعد أن كانت سنة 2016 مخصصة للقراءة، وبعد عام حافل من النشاطات والفعاليات حقق فيه عام القراءة نجاحاً كبيراً، اختارت دولة الإمارات لعام 2017 مبادرة جميلة أطلقتها مع تباشير السنة الجديدة، وهي: «2017... عام الخير».
في كل عام نمنّي النفس بأن يكون المقبل أجمل وأحلى، لأن التفاؤل بالخير يكون مدعاة لجلبه، ولأن الإنسان محكوم بالأمل. ولكنّ مثل هذه المبادرات هي التي يعول عليها؛ لأن الأماني وحدها لا تكفي، فهي لا تصنع الحدث ولا تؤسس لمستقبل مختلف، ونحن في حاجة ماسة لمبادرات خلاقة تترجم الآمال واقعاً ملموساً، وتؤطر الجهود التي تبذلها المؤسسات الحكومية والأهلية والأفراد حتى يتم استثمارها على أكمل وجه، من دون هدر لأي طاقة بشرية أو مادية.
«2017... عام الخير» مبادرة دعت الإمارات الجميع إلى الإسهام فيها، سواء من حيث تقديم الأفكار أم المساعدة في ترجمتها وتطبيقها. ولعلي في هذه الفسحة أقدم بعض الأمنيات للعام المقبل، والتي تندرج ضمن الخير الذي نطمح جميعاً لأن يعم الدنيا.
إن أولى أمنياتنا تخص أطفال العالم العربي، لا سيما أولئك الذين شردتهم الحروب فدمرت بيوتهم، ويتَّمت بعضهم، فغدوا بلا أهل ولا مأوى، فضلاً عن أنهم حرموا أدنى حقوق الطفل، وباتوا عرضة لسوء المعاملة والإهمال والأمراض، وعدم توفير فرص التعليم. ولا شك في أن الخير كله يكمن في مد يد العون إلى هؤلاء الأطفال، وفي تضافر الجهود بين المنظمات الدولية، والمؤسسات الحكومية والأهلية للتخفيف من معاناتهم وتأمين سبل العيش الكريم لهم؛ لأن إهمالهم والتغاضي عن مأساتهم ستكون لهما تداعياتهما وآثارهما السلبية لاحقاً على مجتمعنا العربي خصوصاً، والعالم كله عموماً، فإهمال هؤلاء سيجعلهم يمثلون وقوداً إضافياً للإرهاب والتطرف إن لم يتم احتواء مشكلاتهم وحلها بشكل نهائي.
ويتعلق بهذه الأمنية أيضاً ما نطمح إليه جميعاً من الوصول إلى نهضة علمية وتقنية شاملة، تنهض بالمجتمع العربي ليلحق بالركب الحضاري والتقني، والإفادة من الطاقات والقدرات لبناء مجتمع صاعد وقادر على الخروج من دوامة تعصف بالمنطقة وتحاول إبقاءها ضمن دائرة من التخلف الحضاري والإنساني. وكذلك التأسيس الفردي أو الجمعي لنهضة تربوية وعلمية شاملة؛ لأنها الكفيلة بتحقيق مجتمع مختلف في الرؤية المستقبلية، مجتمع قادر على الخروج من شرنقة التقليد والاتباع إلى عالم الابتكار والإبداع.
أما الأمنية الثانية فهي تصحيح ما علق بالإسلام من شوائب، إذ أسست السنوات الماضية لفهم خاطئ بكل المعايير للإسلام خصوصاً والفكر الديني عموماً. وصارت مجمل الممارسات السياسية المؤدلجة تحمل لبوساً دينياً، ما جعل المسافة تزداد بين الفكر والنص والممارسات التي تحمل صبغة دينية لخدمة السياسة. ولعل من المفيد للمجتمعات العربية والإسلامية أن يتم التمييز الدقيق بين ما هو ديني وما هو سياسي؛ وأن نكون حذرين من استثمار الدين وتوظيفه لأغراض سياسية، لأن هذه الممارسات باسم الدين أو المذهب لا يقتصر أثرها على تدمير البلدان وطاقاتها وثرواتها، بل تحول دون تفاعلها مع المجتمعات المتقدمة. وأعتقد أن الوقت حان لدعم المؤسسات الدينية التنويرية التي لا تزج نفسها في أتون الصراعات السياسية أو الطائفية المذهبية، بل تسعى إلى نشر قيم المحبة والتسامح والاعتدال، وتنبذ التطرف والإرهاب والعبث بأمن الأوطان والتحريض الطائفي والمذهبي.
إن دور هذه المؤسسات لن يقتصر على العمل داخل المجتمعات الإسلامية، بل لا بد من أن تصل جهودها إلى مختلف بقاع العالم، لا سيما في البلدان التي تقيم فيها جاليات مسلمة، والتي تأثرت كثيراً بالأفعال الهوجاء لبعض المتطرفين ممن يدعون تمثيل الإسلام، والدين منهم براء، والذين جعلوا كثيراً من الغربيين ينقلبون على المسلمين المقيمين على أراضيهم، بل يحرضون عليهم ويدعون إلى طردهم من بلادهم بحجة أنهم رعاة للإرهاب ومعقل للتطرف.
وأمنيتي الثالثة أن يعي العرب جميعاً أنهم كانوا خلال السنوات الماضية ضحايا مشاريع كبيرة، وتنافس حادٍ بين القوى الدولية على التمدد والنفوذ، وأن كثيراً مما يجري على الأراضي العربية إنما يهدف إلى القضاء على الدولة الوطنية فيه، وإنهاك المنطقة بشرياً واقتصادياً، وحسبنا هنا أن نقارن بين حال المنطقة اليوم وحالها قبل موجة «الربيع العربي الزائف» لندرك ما خسرناه على صعيد الأمن والاستقرار والصحة والتعليم. إن هذه المقارنة ستكشف لنا ما خسرناه، الأمر الذي يحتم علينا أن نسأل: لماذا، ولأجل من خسرنا كل ذلك؟
إن ما حدث لدول العالم العربي في السنوات الماضية مؤسف ومحزن، ولا شك في أن ذلك ما كان ليحدث لولا أن هناك من جعل بلادنا أرضاً خصبة للعبث فيها، فبعض الحكومات كانت تتحمل وزر كثير مما حدث، لأن جيل الشباب الذي يتطلع إلى مستقبل أفضل يضمن له حياة كريمة آمنة، عانى تباطؤ التحرك نحو إيجاد حلول لمشكلاته، بل وجد أن الفساد والتخبط في الأداء يزدادان حدة كل يوم، كما وجد أن دعواته وصرخاته التي أطلقها لا يستجاب لها، وأنه مهمش إلى أبعد الحدود، الأمر الذي أفقده الثقة بحكوماته وجعله قنبلة موقوتة لم تلبث أن انفجرت مع الشرارة الأولى التي انطلقت في تونس نهاية عام 2010.
والمأمول الآن أن يتم تدارك ما فات، وأن تكون هناك حلول جذرية، تمنع الخطر الذي لا يزال يرفرف بأجنحته فوق دول كثيرة من دول المنطقة. إن التنمية الشاملة هي السبيل الوحيد الذي يشكل السياج الحامي لنا جميعاً، وإعلاء قيمة الإنسان في عملية التنمية هو الذي يمنح المواطن العربي ثقته بنفسه وبحكومته، فيصبح في منأى عن الوقوع في براثن أي مخطط أو فتنة تسعى كثير من التنظيمات المتطرفة والعابرة للأوطان إلى إيقاعه بها.
إن هذه الأمنيات ليست بالشيء المستحيل، ولا تحتاج إلى معجزات حتى تتحقق، إنها فقط تحتاج إلى قرار وإرادة، ثم تصميم وعزم، ثم عمل جاد ودؤوب. ولعل الاقتداء بمبادرة «2017 عام الخير» التي أطلقتها دولة الإمارات العربية المتحدة، والاستفادة من نموذج الإمارات في تعزيز مفهوم العطاء والبذل وثقافة التطوع وخدمة الوطن، وتعزيز مبدأ مد أيادي الخير لمن يحتاج في أي مكان، كل ذلك كفيل بأن يجعل أمنياتنا قابلة للتحقيق، وأن يكون عام 2017 عاماً للخير في جميع أنحاء العالم العربي.
جعلنا الله جميعاً من الساعين للخير، وسنة مباركة عليكم جميعاً.
*نقلا عن الحياة
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة