الخليج 2021.. طي صفحة الخلاف وتعزيز التضامن
تودع دول مجلس التعاون الخليجي عام 2021، بعد طي صفحة الخلاف بينها، ووضع قواعد وأسس لتعزيز التضامن وتحقيق التكامل.
تلك القواعد والأسس وضعت خلال قمتين خليجيتين عقدتا في مستهل وختام العام، وبينهما بذلت جهود حثيثة لتعزيز التضامن الخليجي، كان أبرزها المبادرات الإماراتية الصادقة لطي صفحة الخلاف مع قطر، والجهود السعودية الرائدة لتعزيز الوحدة الخليجية.
- من قمة أبوظبي لإكسبو دبي.. الإمارات تعزز التضامن الخليجي
- الإمارات والسعودية.. تعاون لتعزيز التضامن الخليجي
وعلى صعيد جهود تعزيز التعاون الثنائي، شهد عام 2021 التوسع في إنشاء مجالس تنسيق مشتركة لتعزيز التعاون الثنائي، والشراكة الاستراتيجية بين دول مجلس التعاون، أو الاتفاق على تطوير التعاون في إطار تلك المجالس.
وفي التقرير التالي تستعرض "العين الإخبارية" جهود ومبادرات تعزيز التضامن الخليجي خلال عام 2021.
قمة العلا
واستهل عام 2021 بعقد قمة خليجية في مدينة العلا شمال غرب السعودية 5 يناير/كانون الثاني الماضي، عقدت بعد أزمة استمرت أكثر من 3 سنوات، بين قطر من جانب ودول الرباعي العربي (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) من جانب آخر، وتم خلالها الاتفاق على قواعد وأسس لطي صفحة الخلاف.
وتطلب التنفيذ الصادق والجاد لبيان العلا الصادر عن القمة، بالضرورة بعض الوقت، لذا سارت الأمور بوتيرة متأنية خلال النصف الأول من عام 2021.
لكن مسيرة تعزيز التضامن الخليجي تسارعت في النصف الثاني من العام، خصوصا في شهوره الأخيرة بمبادرة إماراتية لطي صفحة الخلاف مع قطر.
مبادرات إماراتية
والتزاما منها بتنفيذ ما تم في إعلان العلا، وثقة بالدور القيادي الحكيم للسعودية ودعما للجهود الدبلوماسية التي تبذلها في تعزيز وحدة وتماسك مجلس التعاون الخليجي، بادرت الإمارات بطي صفحة الخلاف.
وأجرى الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان مستشار الأمن الوطني الإماراتي زيارة إلى قطر في 26 أغسطس/آب الماضي، هي الأولى من نوعها لمسؤول إماراتي رفيع منذ بدء الأزمة مع قطر، كما أنها الأولى من نوعها بعد اتفاق العلا.
هذه الزيارة، أكدت خلالها الإمارات أنها تمد أيادي السلام والتسامح لطي صفحة الخلافات، حرصا على إعادة العلاقات الأخوية إلى سابق عهدها من جانب، وتحقيق التضامن الخليجي، ونزع فتيل أية توترات بالمنطقة.
كما بينت خلالها رغبتها في التفرغ لمعركة البناء والتنمية، مع تعزيز التعاون والتكامل انطلاقا "من واقع أن المصير واحد والنجاح مشترك"، وأن التعاون والتكامل كفيل بتحقيق الاستقرار والأمن والازدهار لدول وشعوب مجلس التعاون الخليجي والمنطقة بأسرها.
واستقبل الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر الوفد الإماراتي، وبحث الجانبان -خلال اللقاء- العلاقات الثنائية وتعزيز التعاون بين البلدين.
وعقب اللقاء بيومين، التقى الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني على هامش "مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة"، في العاصمة العراقية بغداد 28 أغسطس/آب.
وبحث الجانبان تعزيز العلاقات الثنائية التي تخدم عملية البناء والتنمية والتقدم، وتحقيق المصالح المشتركة للبلدين الشقيقين.
وفي لفتة تعبر عن العلاقات الأخوية، نشر الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم صورا للقاء عبر حسابه في "تويتر"، قائلا: "الأمير تميم شقيق وصديق.. والشعب القطري قرابة وصهر.. والمصير الخليجي واحد.. كان وسيبقى.. حفظ الله شعوبنا وأدام أمنها واستقرارها ورخاءها".
رسائل إماراتية صادقة، سرعان ما بادلتها قطر، برسائل مماثلة، الأمر الذي يمثل حرص قيادتي البلدين على العلاقات بينهما.
واستقبل الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في 6 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني نائب رئيس مجلس الوزراء وزير خارجية دولة قطر.
وجرى خلال اللقاء الذي عقد في قصر الشاطئ بالعاصمة أبوظبي، بحث العلاقات الأخوية وسبل تعزيزها بما يخدم مصالح البلدين.
وبعدها بأسبوعين، التقى الشيخ شخبوط بن نهيان بن مبارك آل نهيان وزير الدولة الإماراتي، الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني نائب رئيس مجلس الوزراء وزير خارجية قطر، في الدوحة 19 أكتوبر/تشرين الأول من الشهر نفسه.
وجرى خلال اللقاء استعراض العلاقات الأخوية بين البلدين، وسبل تعزيز التعاون بما يخدم المصالح المشتركة.
إكسبو.. تعزيز التضامن
واستمرارا لسعيها الدؤوب في تعزيز التعاون، وظفت الإمارات إكسبو 2020 دبي"، أول إكسبو دولي يقام في العالم العربي، وأكبر حدث ثقافي في العالم لتعزيز هذا النهج، إما من خلال حرص قادة ومسؤولي الإمارات على زيارة أجنحة دول مجلس التعاون الخليجي، ونقل رسائل تعزز الترابط والأخوة، أو من خلال استقبال مسؤولي دول الخليج بالمعرض وعقد مباحثات أو مناسبات وطنية تعزز التعاون الثنائي وتصب في دعم مسيرة التعاون الخليجي.
ويكاد لا يمر يوم منذ انطلاق إكسبو دبي مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلا ويشهد حدثا أو رسالة أو لقاء يصب في مسار تعزيز مسيرة التضامن الخليجي.
فقد زار الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي جناحي السعودية والإمارات في إكسبو 2020 دبي في 8 ديسمبر/كانون الأول الجاري.
وقبلها بأيام أجرى الفريق الشيخ سيف بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الإماراتي، مباحثات لتعزيز التعاون مع الفريق أول الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة وزير الداخلية البحريني، وذلك في إكسبو 2020 دبي.
وفي 25 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، زار الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد البحريني إكسبو 2020 دبي وشهد الاحتفال باليوم الوطني لبلاده.
أيضا زار الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في 28 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي جناحي دولة الكويت ودولة قطر المشاركين في معرض "إكسبو 2020 دبي".
وأعرب عن سعادته بزيارة جناحي الكويت وقطر والاطلاع على أهم مبادراتهما في مشاريع المستقبل وموروثهما التراثي والتاريخي والثقافي والاجتماعي.
وقبلها بأسبوع، استقبل الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، أسعد بن طارق آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشؤون العلاقات والتعاون الدولي والممثل الخاص لسلطان عمان الشقيقة، الذي كان يزور البلاد لرعاية احتفالات الجناح العماني في معرض "إكسبو 2020 دبي " بمناسبة اليوم الوطني الـ51 للسلطنة.
وخلال زيارته لأجنحة قطر والكويت والبحرين في معرض دبي إكسبو 2020، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أكد الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم أن قطر والبحرين والكويت "إخوة يجمعهم النسب والقرابة والمصير الواحد، وتجمعهم الإمارات على المحبة والسلام".
كما سبق أن زار الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم جناح السعودية، وأثنى على ما شاهده من خلال الجناح والذي وظف أحدث التقنيات الرقمية في جنباته لإبراز تاريخ المملكة العريق.
وأشاد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بالجناح، مؤكدا أنه "إضافة قيمة ومتميزة لمعرض إكسبو تجسد تاريخ المملكة العريق ومسيرتها ورؤيتها الطموحة للمستقبل".
وفي تصريحات سابقة له، أكد الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي أن "إكسبو 2020 دبي" يجسد تطلعات دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية نحو مستقبل واعد ومزدهر، كما يعكس تاريخا من العمل الخليجي المشترك ومسيرة ملهمة وثرية قادتنا إلى تحقيق إنجازات نوعية في المجالات كافة.
تصريحات ولقاءات ومباحثات شهدها إكسبو 2020 دبي استبقت القمة الخليجية الـ42، ودعمتها في تحقيق أهدافها في تعزيز ودعم مسيرة التعاون الخليجي وتوحيد الصف الخليجي.
كما تؤكد أن الإمارات توظف كل إنجازاتها لصالح تحقيق الأخوة الخليجية والدفع قدما نحو تحقيق التكامل بين أعضائه.
جولة ولي العهد السعودي
على صعيد الجهود السعودية لتعزيز التضامن الخليجي، برزت الجولة الخليجية لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان آل سعود، التي زار خلالها سلطنة عمان والإمارات وقطر والبحرين والكويت، على التوالي، خلال الفترة من 6 إلى 10 ديسمبر/كانون الأول الجاري، والتي كان لها دور بارز في بلورة رؤية خليجية موحدة تجاه مختلف القضايا.
وأجرى ولي العهد السعودي خلال جولته مباحثات مع كل من سلطان عُمان، هيثم بن طارق بن تيمور آل سعيد، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وعاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وأمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح والشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح ولي عهد الكويت.
مباحثات كان عنوانها الأبرز تعزيز التعاون الثنائي ودعم مسيرة التعاون الخليجي ودعم الأمن والاستقرار في المنطقة، وتنسيق المواقف والرؤى تجاه مختلف قضايا المنطقة والأمة والعالم، وتوحيد الصف الخليجي.
وأثمرت تلك المباحثات عن عشرات الاتفاقيات ومذكرات التفاهم لتعزيز التعاون بين السعودية ومختلف دول الخليج في المجالات شتى.
مباحثات واتفاقيات ومبادرات تعبر عن مفهوم الخليج الواحد، والمصير المشترك، وتعزز مسيرة العمل الخليجي والدفع به نحو آفاق أرحب.
وأكدت السعودية وبقية دول الخليج الخمس في البيانات الصادرة عنها على مضامين إعلان العُلا الصادر في 5 يناير/كانون الثاني 2021، الذي نص على التنفيذ الكامل والدقيق لرؤية خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، التي أقرها المجلس الأعلى في دورته 36 في ديسمبر/كانون الأول 2015 وفق جدول زمني محدد ومتابعة دقيقة.
إضافة إلى استكمال مقومات الوحدة الاقتصادية والمنظومتين الدفاعية والأمنية المشتركة وتنسيق المواقف بما يعزز من تضامن واستقرار دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وتعزيز الدور الإقليمي لها من خلال توحيد المواقف السياسية وتطوير الشراكات السياسية مع المجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية والدولية وقوة وتماسك دول المجلس ووحدة الصف بين أعضائه.
مجالس التنسيق
على صعيد جهود تعزيز التضامن الخليجي، توسعت دول الخليج في إنشاء مجالس التنسيق لتطوير التعاون بينها.
وشهد يونيو/ حزيران الماضي، عقد الدورة الأولى من مجلس التنسيق الكويتي السعودي، كما وقعت السعودية وعُمان خلال الزيارة التاريخية لسلطان عُمان هيثم بن طارق للمملكة في 11 يوليو/تموز الماضي على مذكرة تفاهم بشأن إنشاء مجلس تنسيق بين البلدين.
وتم رفع مستوى رئاسة مجلس التنسيق القطري السعودي إلى مستوى الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير قطر، والأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي خلال اجتماعه الأخير 8 ديسمبر/كانون الأول الجاري.
بالإضافة إلى إشادات الإمارات والسعودية في بيان صادر في ختام زيارة ولي العهد السعودي بالمستوى المتميز للتعاون بينهما في المجالات السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية والتنموية، وبما تحقّق من تعاون وتكامل تحت مظلة مجلس التنسيق السعودي الإماراتي.
وأكدا عزمهما على تعزيز وتطوير دور المجلس في المرحلة المقبلة في المجالات كافة.
كما ترأس ولي عهد السعودية والأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد البحريني، اجتماع مجلس التنسيق السعودي-البحريني الثاني خلال زيارة الأمير محمد بن سلمان للمنامة.
وتم خلال الاجتماع بحث حزمة من المشاريع الاستثمارية الكبرى بمملكة البحرين، وتم استعراض 65 مبادرة لتعزيز التعاون في مختلف المجالات.
قمة الرياض.. تآلف خليجي
وعلى وقع تلك الأجواء الإيجابية التي شهدها عام 2021، عقدت القمة الخليجية الـ42 في ختام العام وتحديدا في 14 ديسمبر/كانون الأول الجاري في مدينة الرياض، ليصدر عنها بيان ختامي وإعلان حمل اسم "إعلان الرياض رسما خارطة طريق شاملة لتحقيق التكامل وتوحيد صف دول المجلس".
خارطة طريق تتعزز فرص تطبيقها ونجاحها في تحقيق أهدافها، بدعم من أجواء التآلف والتوافق والانسجام والترابط التي تسود بين دول مجلس التعاون الخليجي، في الفترة الحالية.
وجاء "إعلان الرياض" متضمنا ما يحصن دول مجلس التعاون من أي خلافات مستقبلية، بتأكيد قادة الخليج على الالتزام بالمادة الثانية من اتفاقية الدفاع المشترك، التي تنص على "أن أي اعتداء على أي منها هو اعتداء عليها كلها، وأي خطر يتهدد إحداها إنما يتهددها جميعًا".
فضلا عن ما نصت عليه الاتفاقية من "التزام الدول الأعضاء بالعمل الجماعي لمواجهة جميع التهديدات والتحديات".
وأكد قادة الخليج في البيان الختامي للقمة حرصهم "على قوة وتماسك مجلس التعاون، ووحدة الصف بين أعضائه، ورغبته في تحقيق المزيد من التنسيق والتكامل والترابط في جميع الميادين، ووقوف دوله صفا واحدا في مواجهة أي تهديد تتعرض له أي من دول المجلس".
وشدد البيان أيضا على مضامين إعلان العُلا الصادر في 5 يناير/كانون الثاني 2021، والتنفيذ الكامل والدقيق والمستمر لرؤية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود التي أقرتها القمة الخليجية الـ36 ديسمبر/كانون الأول 2015 بما في ذلك استكمال مقومات الوحدة الاقتصادية والمنظومتين الدفاعية والأمنية المشتركة.
كما وجه قادة الخليج "بالاستمرار في مواصلة الجهود للانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد"، واستكمال ما تبقى من خطوات لقيام الاتحاد الجمركي، والتنفيذ الكامل لمسارات السوق الخليجية المشتركة، وصولاً إلى الوحدة الاقتصادية بين دول المجلس بحلول عام 2025، كما وافق قادة الخليج "على إنشاء الهيئة الخليجية للسكك الحديدية".
ويودع شعوب الخليج عام 2021 وسط آمال بأن تتكلل جهود قادتهم قريبا وتنتقل دولهم من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد.