ليبيا في 2021.. عجلة المصالحة تدهس أشواك الإخوان
في مستويات عدة، سار موكب المصالحة الليبية في عام 2021 على أشواك الإخوان الإرهابية، محققا نجاحات تمهد الطريق نحو الاستقرار والسلام.
فمنذ بداية العام، يسعى الليبيون برعاية أممية في مسارات أربعة؛ عسكرية وسياسية واقتصادية ودستورية، من أجل حل الأزمة وتوحيد المؤسسات وتشكيل سلطة تنفيذية موحدة بعد سنوات من الحرب والانقسام.
الجهود العسكرية
وكان على رأس هذه الجهود، تحركات اللجنة العسكرية المشتركة "لجنة 5+5"، التي قادت جهود المصالحة العسكرية بتشكيل لجان أمنية مشتركة تتولى تأمين مدينة سرت "غرب"، وفتح الطريق الساحلي بين الشرق والغرب.
كما عملت اللجنة على بناء الثقة بين الأطراف الليبية المختلفة وتهيئة المناخ للمصالحة عبر 8 عمليات تبادل للمحتجزين من مختلف المناطق في مدينتي سرت والشويرف.
ولاقت جهود اللجنة العسكرية المشتركة، دعما من القيادة العامة للجيش الليبي، بل وفي خطوة مهمة لبناء الثقة، قبلت القيادة العام استقبال الوفود العسكرية من المناطق الغربية في مناطقها.
كما شكلت قيادة الجيش الليبي، بالتعاون مع اللجنة العسكرية المشتركة، قوة مشتركة من الجيش وقوات المنطقة الغربية، لتأمين ما يعرف بالنهر الصناعي العظيم انطلاقا من مدينة الشويرف إلى سرت، في خطوة نحو توحيد المؤسسات.
والتزم كل طرف من الأطراف الليبية، باتفاق وقف إطلاق النار طول العام الحالي، ما مهد في الـ 12 من ديسمبر/ كانون الثاني الجاري، للقاء التاريخي بين القائد العام المكلف للجيش الفريق أول عبدالرزاق الناظوري ورئيس أركان القوات بالمنطقة الغربية الفريق محمد الحداد، في مدينة سرت، والذي أسفر عن اتفاق على أهمية توحيد المؤسسة العسكرية ودعم جهود المصالحة.
المجلس الرئاسي
ولم يتوقف الأمر عند ذلك، حيث ساهمت لقاءات وتحركات مكوكية أجراها المجلس الرئاسي الليبي مع كافة الأطراف، في دعم جهود المصالحة الوطنية في البلاد.
وتوجت هذه الجهود بإعلان الرئاسي الليبي في 5 أبريل/نيسان الماضي، تأسيس المفوضية العليا للمصالحة الوطنية، وتخصيص ميزانية لها.
كما أطلق المجلس الرئاسي في مايو/أيار 2021، الملتقى التأسيسي لمفوضية المصالحة، من أجل وضع هيكلها بطريقة أفقية عوضًا عن الترشيح والتعيين المباشر، عبر عقد لقاءات مع الفاعلين في مجال المصالحة الوطنية.
وكان الإعلان الفعلي لعملية المصالحة في 6 سبتمبر/أيلول، بمثابة ركلة البداية في مسار المصالحة الوطنية الشاملة في ليبيا، وتبعه الإعلان عن إطلاق سراح عدد من الشخصيات المحتجزة من النظام السابق والموقوفين على ذمة قضايا مختلفة.
وأطلقت السلطات الليبية سراح عدد كبير من المحتجزين من كبار المسؤولين من نظام الرئيس الراحل معمر القذافي السابق ممن انتهت مدة محكوميتهم، أو لم تتم إدانتهم قضائيًا، بينهم العقيد أحمد رمضان السكرتير الخاص للرئيس الراحل، و"الساعدي" نجل القذافي الذي غادر مباشرة إلى تركيا.
مؤتمرات
بالإضافة إلى الجهود الداخلية، أدركت الدول الداعمة للاستقرار في ليبيا أهمية ملف المصالحة، ووضعته على رأس أجندة المؤتمرات المختلفة لدعم طرابلس من برلين إلى باريس، حيث تم التأكيد على أهمية الملف وتقديم مساعدة دولية لتحقيق نجاحات فيه.
وكان أهم هذه المؤتمرات مؤتمر دعم استقرار ليبيا في 21 أكتوبر/تشرين أول، وهو أول مؤتمر دولي بمشاركة ٣٠ دولة يجرى في العاصمة طرابلس منذ نحو 10 سنوات، وخلص إلى ضرورة منع التدخلات الأجنبية في الشأن الليبي، والعمل على إتمام عملية المصالحة الوطنية.
وكان لدولة الإمارات العربية المتحدة مشاركة قوية في هذا المؤتمر، حيث جددت تأكيدها على دعم العملية السياسية لتحقيق المصالحة بليبيا، وصولا لإجراء الاستحقاق الانتخابي في البلاد.
وأكد وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية خليفة شاهين، والقائم بأعمال سفارة دولة الإمارات لدى ليبيا عوض الكتبي، والوفد المرافق لهما في لقاء مع نائب رئيس المجلس الرئاسي الليبي عبدالله اللافي، دعم دولة الإمارات للعملية السياسية في ليبيا، وصولاً للاستحقاق الانتخابي المقبل، ودعم ملف المصالحة الوطنية.
مصالحات قبلية
وعلى المستوى الشعبي، كان شيوخ القبائل الليبية أكثر وعيا بأهمية ملف المصالحة ودعموا الملف ووقعوا عدة مواثيق للصلح فيما بينهم، أبرزها المصالحة بين قبائل أولاد سليمان والقذاذفة في 11 نوفمبر/تشرين ثاني 2021 والذي تضمن اتفاق مبدئي بين القبيلتين في مدينة سبها والمنطقة الجنوبية.
كما سعت القبائل الليبية خلال العام الجاري، إلى إيقاف الاقتتال الداخلي داخل قبيلة القذاذفة والمصالحة بين أبناء القبيلة الواحدة، حيث تمكن شيوخ القبائل الليبية في يناير/كانون أول الماضي من إجراء صلح تاريخي بين أبناء قبيلة القذاذفة بعد معارك طاحنة بين أبنائها في مدينة سبها جنوبي البلاد.
وظهرت بوادر هذه المصالحة في عمليات الجيش الليبي ضد الجماعات الإرهابية في مدينة سبها خاصة ضد تنظيم "داعش" في حي عبدالكافي في سبها، حيث ضمت العملية ضمت ضباطا من كافة مكونات الجنوب "التبو والطوارق وقبائل القذاذفة وأولاد سليمان" للمرة الأولى منذ 2011.
كما عملت الحكومة الليبية بالتعاون مع القبائل، لإعادة المهجرين قسريا من مدنهم خاصة تاورغاء ومرزق، وهو ما توج بإعلان عدد من أبناء مدينة مرزق نيتهم العودة الطواعية للمدينة بالتنسيق مع السلطات الليبية.
لقاءات نادرة
وشهد عام 2021، عدة لقاءات نادرة بين عدد من السياسيين والعسكريين الليبيين، والتي تعد جزءا من مساعي المصالحة الوطنية، أبرزها لقاء الناظوري والحداد، واستقبال المرشح الرئاسي خليفة حفتر للمرشحين فتحي باشاغا وأحمد معيتيق من مدينة مصراتة "غرب" في مدينة بنغازي، قبل أيام.
وتضمن الاجتماع، الإعلان عن مبادرة لتوحيد الجهود الوطنية للتعامل مع التحديات والمعطيات التي تمر بها ليبيا في هذا الأيام، كما شدد على أهمية المصالحة الوطنية، باعتبارها، خيار وطني جامع لا تراجع عنه.
عراقيل الإخوان
وفيما كانت جهود المصالحة تمضي بسرعة معقولة في مستويات عدة، كان تنظيم الإخوان الإرهابي يتفنن في وضع العصا في عجلة الاستقرار في ليبيا، وعرقلة أي تحركات إيجابية يمكن أن تنقل البلاد لمرحلة جديدة.
كما عمد تنظيم الإخوان الإرهابي إلى ممارسة خطاب الكراهية والتحريض على الأطراف الوطنية ورفض كافة المساعي للتقريب بين الفرقاء الليبيين.
وعقب كل لقاء أو مسعى باتجاه المصالحة، يخرج قيادات الإخوان وعلى رأسهم مفتي الجماعات الإرهابية الصادق الغرياني، بإعلان رفض هذه المساعي وحث المليشيات والمسلحين على رفضها بالسلاح.
وفي 21 ديسمبر/كانون الأول، أي عقب اللقاء الذي عقد بين المرشحين للانتخابات الرئاسية في مدينة بنغازي، توعد الإرهابي الليبي صلاح بادي المدرج على قوائم عقوبات دولية، المشاركين في اللقاء.
وحذر بادي خلال استعراض مسلح لمليشياته في مصراتة، المرشحين الذين التقوا حفتر في بنغازي من دفع الثمن، قائلا: "سنجعل كل خائن مثلكم يدفع الثمن، وهي أمور لن يرضى بها إلا ذليل مثلكم وخائن مثلكم".
وإثر هذا التهديد، اضطر المرشحون للرئاسة لتغيير خط سير طائراتهم بدلا من الهبوط في مصراتة او طرابلس، إلى تونس العاصمة لحين استتباب الأمور في الغرب الليبي.
aXA6IDMuMTUuMjE0LjE4NSA= جزيرة ام اند امز