كيف سيمضي بنا العامُ الجديد؟ تساؤلٌ يُطرَح عادةً في بدايات كلّ سنة.
ومع الآمال والأحلام بأن يكون عامًا للسلام، فإنّ الحقيقة التي يتهرَّب منها الجميع لدقائق مع رأس كل سنة، ثم لا يلبثون أن يكتشفوها صباح اليوم التالي، هي أنّ العام الجديد ليس إلا مجرد مساحة نفسية لا أكثر، في حين يرث كل الملفات الوِفاقية والفِراقية من سابقه.
حكمًا لن يكون حظ 2022 مغايرًا كثيرًا جدًّا لحظّ سلفه، وعليه فإننا نفتح أعيننا على ثُلّة من الصراعات والنزاعات التي ستحكم توجهات العام الجديد، ما بين نزاعات عسكرية وخلافات سياسية من شرق الأرض إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها.
أول تركة ثقيلة ورثها 2022 تتمثل، ولا شك، في الفيروس الشائه الذي لا يزال يتسبب في إقلاق البشرية وقضَّ مضاجع الإنسانية، وما من أحد قادر على القطع ما إذا كان العام الحالي سيشهد نهايته أم أن الأمر مجرد أمنية كما تمنَّينا في نهاية 2020، وإن كان المرء يأمل في حدوث ذلك، لا سيّما وأن البعض يتحدّث عن المتحوّر أوميكرون وكيف أنّه ضعيف رغم انتشاره، ما يبشر بنهايات قريبة.
من بين الملفات المهمة، والتي تؤثر على حياة الأمم والشعوب، التوقّعات بحدوث أزمة مالية وتضخم كبير يؤدّي إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات، ما يُلقي بأعباء جسيمة على كاهل الأسر رقيقة الحال، وبخاصة في بعض مناطق أمريكا اللاتينية وشرق آسيا وأفريقيا.
والتساؤل: هل يعيد 2022 سيرة 2008 أم يُقدّر له الخلاص من تلك النهاية المأساوية؟
تدخل الإنسانية العام الجديد، وفي الخلف منها قراءات استشرافية وتوقّعات حقيقيّة لواحدة من أهم العقبات التي تواجه البشرية، بل إنها ربما تكون أهمّها وأخطرها، وهي أزمة التغير المناخي العالمي، فقد شهد العالم أكبر وأهم مؤتمر في التاريخ المعاصر، مؤتمر غلاسكو للتغير المناخي قبل نحو شهرين. ومع ذلك لا تبدو في الأفق أيّ علامات لتغير حقيقي في سلوك البشرية بهدف استنقاذ الكوكب الأزرق من وهدته الآنية.
هل للمرء أن يتوقّف مع الشرق الأوسط ومنطقة الخليج العربي؟
نعم، لا بدّ من ذلك وإنْ طال السفر.
ومن أسفٍ، يهلّ العام وهناك لا تزال جروح ثخينة في الجسد العربي، وفي المقدمة منها الملف السوداني الذي يزداد شِقاقًا يومًا تلو الآخر، ولا يدري أحد إلى أين يمضي بعد استقالة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وما إذا كان الشارع السوداني سوف يلتزم السلمية، وإلى أي حد ومد يمكن للنزاع أن يتعمَّق ويتسبَّب في جراحات للشعب السوداني.
على الجانب الآخر من البحر الأحمر، ملف اليمن، و ما نراه من أعمال السلب والنهب وقطع الطرق في الممرَّات البحرية من قِبَل مليشيا الحوثي من جهة.. ومن جهة أخرى تهديد دول الجوار بالصواريخ الباليستية إيرانية الصنع، والتي تهدد الآمنين، ومن غير بادرة أمل في تعقُّل داخلي.
ولعل الحال في ليبيا يغني عن السؤال، فقد انقضى موعد 24 ديسمبر، والذي كان مرشّحًا لأن يكون علامة تصالحِيّة بين الليبيّين أنفسهم من خلال انعقاد الانتخابات، وما من دليل على أن الموعد الجديد في 25 يناير سيكون مؤكَّدًا حدوث الانتخابات فيه.
ولعله من نافلة القول إن الجسد الليبي لن يشفَى إلا إذا تحرَّرَ بالفعل من التدخلات الخارجية.
هل الوضع في العراق وسوريا ولبنان أفضل؟ العين تغنيك عن طلب الأثر أحيانًا، والحديث عن كل واحدة منها يحتاج إلى قراءات قائمة بذاتها.
على الصعيد الدولي، لا يبدو سلام العالم في وضع جيد من جرَّاء العديد من النزاعات القائمة والقادمة، وفي سُلّمها النزاع الأوكراني وما يمكن أن يتسبب فيه من مواجهات قد تتطوَّر إلى حرب عالمية ثالثة، لا سيَّما إذا مضتْ واشنطن في دفع حلف الناتو للتوسّع والتمدّد شرقًا، ورأت روسيا أن الأمر يستحق المواجهة العسكرية للدفاع عن مصالحها الاستراتيجية ووجودها بعد أن أخلف الناتو وعودَه بعدم التمدد جهتَها.
في الأجواء كذلك إرهاصات سباق تسلّح فاق بمراحل ما جرت به المقادير في زمن ما عُرِف بـ"الحرب الباردة"، فقد أضحت الأسلحة الفرط صوتية ذات الرؤوس النووية، وربما "الما بعد نووية"، تهديدًا خطيرًا بالفعل على كوكب الأرض.
ولعل ما يزيد الأمر تعقيدًا هو الإعلانات الصينية الرسمية الخاصة بزيادة ترسانتها النووية وبناء سور صيني جديد تحت الأرض وليس فوقها، سور مُكوَّن من عشرة آلاف رأس نووي، ذلك أن ما تملكه من رؤوس نووية، والتي لا تزيد على ثلاثمائة رأس نووي، كفيلٌ بردع أيّ معتدٍ، أمّا اقتصاديًّا فالصين لا تزال تتمَدّد ماليًّا عبر فوائضها الهائلة حول العالم، ولا تهمل الجانب العسكري، وقد بات لها قاعدتان عسكريتان: الأولى في جيبوتي على البحر الأحمر، والثانية في غينيا على ساحل المحيط الأطلنطي، ما يعني أنه إذا نصبت هناك صواريخها النووية، فإنها ستطال الولايات المتحدة الأمريكية.
تبدو القارة الأوروبية على موعد مع انتخابات رئاسية حاسمة في فرنسا، وبالأمس تغيرت الحكومة الألمانية، وفرنسا قلب أوروبا السياسي النابض، في حين تبقى ألمانيا قاطرتها الاقتصادية، كما أن حكومة بوريس جونسون غير مستقرة ومُعرَّضة للتغيير في بريطانيا، ما يعني الانكفاء الأوروبي على القضايا الداخلية وعدم وجود رفاهية لعبها دورًا سياسيًّا أشمل وأعم.
هل سيكون 2022 عامَ الخلاص من أزمة البرنامج النووي الإيراني من خلال اتفاق جديد؟
الشكوك كبيرة، كما أن أزمات إيران المتصاعدة لا تقف عند حد النووي، ذلك أنها بأسلحتها التقليدية تثير شغبًا وقلقًا كبيرَيْن من حولها، ولا تزال غير راغبة في تحديد هويتها كدولة.
القارة الأفريقية مرشّحة للمزيد من الاضطرابات السياسية، ما يعني أنَّ عملية التنمية الاقتصادية داخلها سوف تتعطّل، الأمر الذي يُلقِي بأثره على مستوى حياة البشر هناك.
وتبقى أفغانستان كذلك محطّة أخرى للحكم والتجربة، وما إذا كانت "طالبان" ستُفلح في تجاوز الماضي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة