حصاد 2022.. مبادرات إماراتية لتصفير أزمات المنطقة ودفع التعاون
جهود دبلوماسية إماراتية رائدة شهدها عام 2022 لتصفير الأزمات بالمنطقة وبناء جسور التعاون مع مختلف الدول.
وأثمرت تلك الجهود عودة العلاقات مع تركيا إلى مسارها الطبيعي، وتعزيز العلاقات الأخوية مع قطر، وتطوير العلاقات إيجابيا مع إيران بإعادة سفير دولة الإمارات إليها بعد 7 سنوات من سحبه، ودعم عودة سوريا لحاضنتها العربية.
ويتوقع أن تتضاعف وتتزايد ثمار تلك المبادرات بتعزيز آفاق التعاون مع تلك الدول وغيرها في عام 2023، بما يسهم في تحقيق الازدهار والاستقرار في المنطقة والعالم.
تأتي تلك الجهود في إطار دبلوماسية بناء الجسور الإماراتية الساعية لمد جسور الصداقة والتعاون والتسامح بين الشعوب وبناء علاقات متوازنة مع الدول الشقيقة والصديقة كافة.
كما تترجم تلك الجهود على أرض الواقع توجيهات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات ورؤيته الحكيمة لدعم الأمن والاستقرار بالمنطقة والعالم.
أيضا، تعد تطبيقا عمليا لمبادئ الخمسين التي اعتمدتها دولة الإمارات في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، لتكون خارطة استراتيجية تحدد توجهات البلاد في مختلف المجالات للخمسين عاما القادمة، والتي تكرس قيم التسامح والحوار والسلام وتؤكد أن "تطوير علاقات سياسية واقتصادية وشعبية مستقرة وإيجابية يعتبر إحدى أهم أولويات السياسة الخارجية للدولة".
الإمارات وقطر.. نقلة نوعية
وشهدت العلاقات الإماراتية القطرية نقلة نوعية خلال عام 2022، توجت بزيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات لقطر 5 ديسمبر/كانون الأول الجاري.
زيارة هامة في توقيت مهم، قوبل خلالها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بحفاوة بالغة وترحيب كبير من الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر، وأجرى الزعيمان مباحثات رسمية .
تركزت المباحثات حول سبل تعزيز العلاقات، وتعزيز التضامن الخليجي ودعم الأمن والاستقرار بالمنطقة، إضافة إلى تبادل التهاني بالمناسبات الوطنية وتحقيق الإنجازات في البلدين.
وجدد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان التهنئة لأخيه الشيخ تميم بن حمد آل ثاني والشعب القطري بنجاح استضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، والذي يعد نجاحاً وفخراً لجميع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والعالم العربي عامة.
ويعد اللقاء الذي جمع الزعيمين هو الثالث منذ تولي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان مقاليد الحكم في 14 مايو/أيار الماضي، بعد اللقاء الذي جمعهما خلال زيارة أمير قطر إلى دولة الإمارات مايو/أيار الماضي، لتقديم التعازي بوفاة رئيس دولة الإمارات الراحل الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان.
كما سبق أن جمعهما لقاء خلال مشاركتهما في قمة جدة "للأمن والتنمية" التي شارك فيها قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والولايات المتحدة الأمريكية والأردن ومصر والعراق في 16 يوليو/تموز الماضي.
وجاءت القمة الإماراتية القطرية بما تضمنته من مباحثات هامة، في ظل التحديات التي تشهدها المنطقة والعالم، وسط إيمان مشترك بأهمية بناء توافق إقليمي يضمن السلام والاستقرار في المنطقة ككل ويعود على دولها بالنفع والفائدة، خصوصا في ظل التغيرات الكبيرة التي يشهدها النظام الدولي، لا سيما بعد الأزمة الأوكرانية الروسية.
وتترجم الزيارة على أرض الواقع حرص دولة الإمارات على تعزيز التضامن بين دول مجلس التعاون الخليجي الذي تأسس بها قبل 41 عاما.
أيضا شكلت الزيارة رسالة دعم إماراتي ومساندة لجهود قطر في استضافة مونديال 2022، حيث تعد أول دولة عربية تستضيف هذا الحدث الكروي الكبير الذي اختتم 18 ديسمبر/كانون الأول الجاري.
وكان الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، قد حضر حفل افتتاح بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022 في قطر 20 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تلبية لدعوة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر وفي إطار العلاقات الأخوية بين الدولتين والروابط الوثيقة بين الشعبين الشقيقين.
وعلى المستوى الاقتصادي، نما التبادل التجاري غير النفطي بين دولة الإمارات وقطر خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري بنسبة 145% إلى 22.6 مليار درهم بنهاية سبتمبر/أيلول الماضي، مقابل 9 مليارات درهم لنفس الفترة من العام الماضي، بحسب بيانات المركز الاتحادي الإماراتي للتنافسية والإحصاء.
وتعد قطر الشريك الاستثماري السادس لدولة الإمارات على المستوى العربي والـ26 عالمياً بالنسبة للرصيد التراكمي للاستثمار الأجنبي المباشر الداخل إلى دولة الإمارات حتى مطلع 2021.
الإمارات وتركيا.. تطور تاريخي
أيضا شهدت العلاقات بين الإمارات وتركيا نقلة نوعية خلال العام الجاري بعد فترة فتور، توجت بزيارتين للرئيس التركي رجب طيب أردوغان للإمارات فبراير/شباط ومايو/ أيار، إضافة لتبادل الزيارات بين مسؤولي البلدين كان من أحدثها زيارة وزير الداخلية التركي سليمان صويلو للإمارات قبل 3 أسابيع.
والتقى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات في 29 نوفمبر/تشرين الثاني، سليمان صويلو وزير الداخلية التركي، وبحث معه علاقات التعاون بين دولة الإمارات وتركيا وسبل تعزيزها.
جاء اللقاء عقب مباحثات جمعت الفريق الشيخ سيف بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الإماراتي وصويلو تم خلالها إطلاق الحوار الاستراتيجي الشرطي بين وزارتي داخلية البلدين.
زيارة وزير الداخلية التركي للإمارات جاءت بعد أيام من زيارة وزير الخارجية التركي لأبوظبي في 5 من الشهر نفسه، حيث أجرى مباحثات مع الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي تناولت بحث آفاق التعاون الثنائي وعدد من الملفات ذات الاهتمام المشترك والمستجدات الإقليمية والدولية.
زيارتان تأتيان ضمن سلسلة زيارات متبادلة بين الجانبين كان من أبرزها زيارة الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، إلى تركيا 27 مايو/ أيار الماضي، ولقاؤه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وهذه الزيارة الأخيرة جاءت بعد نحو 10 أيام من قيام الرئيس التركي بزيارة لدولة الإمارات 17 مايو/أيار لتقديم التعازي للشيخ محمد بن زايد آل نهيان في وفاة فقيد الأمة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، وتهنئته بتولي رئاسة البلاد.
وكانت هذه ثاني زيارة لأردوغان لدولة الإمارات خلال 3 أشهر، بعد الزيارة التي أجراها منتصف فبراير/شباط الماضي، ووصفت بأنها "تاريخية"، وكانت الأولى له منذ نحو 9 أعوام، تعزيزا ودعما للعلاقات الاستراتيجية المتنامية بين البلدين.
وشهدت الزيارة توقيع نحو 12 اتفاقية تعاون ومذكرة تفاهم وبروتوكولات بين عدة جهات في دولة الإمارات ونظيراتها في تركيا تهدف إلى تعزيز التعاون وتوسيع الشراكات بين البلدين في مجالات الاستثمار والصحة والزراعة بجانب النقل والصناعات والتقنيات المتقدمة والعمل المناخي، إضافة إلى الثقافة والشباب وغيرهما.
زيارة الرئيس أردوغان جاءت بعد 3 شهور من زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى تركيا 24 نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، والتي كانت بمثابة محطة تاريخية ونقلة مهمة في مسار العلاقات بين البلدين، بعد فترة فتور.
ودشنت الزيارتان "التاريخيتان" صفحة جديدة في تاريخ العلاقات بين بلدين مهمين في المنطقة، تصب في صالح دعم الأمن والاستقرار وتحقيق الرخاء والازدهار.
وما بين الزيارتين وعقبهما شهد البلدان زيارات متبادلة ومباحثات متواصلة واتفاقيات مشتركة، ساهمت بشكل كبير في تسريع خطى التعاون.
يأتي هذا فيما تتواصل مباحثات الجانبين لتوقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين البلدين.
الإمارات وإيران.. عودة السفير
وفي إطار دبلوماسية بناء الجسور الإماراتية الساعية لتعزيز الاستقرار والازدهار في المنطقة، عبر مد جسور الصداقة والتعاون والتسامح بين الشعوب، أعادت دولة الإمارات في أغسطس/ آب الماضي سفيرها سيف محمد الزعابي إلى طهران بعد 7 سنوات من إعلانها تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي مع إيران وسحب سفيرها بطهران.
جاءت الخطوة متزامنة مع جولات من المباحثات بين الرياض وطهران تجرى منذ عدة شهور، لبحث قضايا عالقة بين الجانبين لتمهيد الأجواء لاستعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما.
خطوة إماراتية مهمة من شأنها تحسين العلاقات بين البلدين، الأمر الذي سيسهم في خفض أجواء التوتر في المنطقة وحل القضايات العالقة عبر الطرق الدبلوماسية، بما يسهم في دعم أمن واستقرار المنطقة.
أيضا تسهم تلك الخطوة في تقريب وجهات النظر في القضايا المتباينة، وترجيح الحلول الدبلوماسية السلمية لأزمات المنطقة.
سوريا.. دعم متواصل
الدعم الإماراتي المتواصل لسوريا على مختلف الأصعدة، توجته أبوظبي خلال عام 2022 باستقبال الرئيس السوري بشار الأسد، في أول زيارة لدولة عربية منذ 11 عاما.
استقبال يدعم عودة سوريا لحاضنتها العربية، بما يسهم في حل أزمة تجاوزت العقد من الزمان، وتسببت في تداعيات إنسانية وخيمة على الشعب السوري، وطالت الأمة العربية بأسرها.
وقام الرئيس السوري بزيارة لدولة الإمارات، 18 مارس/آذار، أجرى خلالها مباحثات منفصلة مع كل من الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي.
وحرص الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، خلال مباحثاتهما مع الأسد، على تأكيد رغبة دولة الإمارات في اكتشاف مسارات جديدة للتعاون البنّاء مع سوريا، ورصد الفرص التي يمكن من خلالها دفع أوجه التعاون المختلفة قُدماً بما يحقق مصالح الشعبين الشقيقين، ويخدم مستهدفات التنمية الشاملة لدى الطرفين، وبما يعزز من فرص السلم والاستقرار في سوريا والمنطقة على وجه العموم.
ويعد استقبال القيادة الإماراتية للرئيس السوري، أحدث محطة ضمن محطات الدعم المتواصل لسوريا ولشعبها.
وتؤمن دولة الإمارات بالحل السياسي كمخرج وحيد للأزمة السورية، ومرارا أكدت ذلك في كل المؤتمرات الدولية والمباحثات الثنائية.
وشددت دولة الإمارات على دعمها الكامل لجهود الأمم المتحدة، إلى جانب جهود الوساطة الدولية الأخرى الهادفة للتوصل إلى اتفاق سلام في سوريا بناء على مؤتمر جنيف وقرار مجلس الأمن رقم 2254.
كما أكدت مرارا وتكرارا رفضها للتدخل الأجنبي في الشأن السوري، والتشديد على أهمية وجود دور عربي فعال في سوريا، ومساعدة السوريين في العودة إلى محيطهم العربي.
وفي أكثر من محفل دولي، أكدت دولة الإمارات أن الحل السياسي هو الوحيد لإنهاء الأزمة السورية، وشددت على أهمية إيجاد دور عربي فاعل في جهود الحل السياسي ومساعدة سوريا في العودة إلى محيطها العربي.
وأكد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان خلال لقائه الأسد، أن سوريا تعد ركيزة أساسية من ركائز الأمن العربي وأن دولة الإمارات حريصة على تعزيز التعاون معها بما يحقق تطلعات الشعب السوري الشقيق نحو الاستقرار والتنمية.
وكانت دولة الإمارات ترجمت هذا التوجه بالفعل على أرض الواقع عبر أكثر من محطة، بدأتها دبلوماسيا بإعادة افتتاح سفارتها في دمشق ديسمبر/كانون الأول 2018.
وضمن أحدث جهود التواصل مع سوريا، التقى الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي في نيويورك في سبتمبر/ أيلول الماضي، فيصل المقداد وزير الخارجية والمغتربين في سوريا، وذلك على هامش أعمال الدورة الـ 77 للجمعية العامة للأمم المتحدة.
وجرى خلال اللقاء بحث مجالات التعاون وعدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك بالإضافة إلى الأوضاع في المنطقة والمستجدات الإقليمية والدولية.
إنسانيا، لم تتوقف قوافل الدعم الإماراتية لسوريا، منذ بدء الأزمة السورية وحتى اليوم، بل زادت خلال جائحة كورونا لدعم الشعب السوري في مواجهة تلك الأزمة.
مبادئ وتوجهات
تعد تلك الجهود والمبادرات تطبيقا عمليا لمبادئ الخمسين التي تحدد توجهات دولة الإمارات في مختلف المجالات للخمسين عاما القادمة، والتي تكرس قيم التسامح والحوار والسلام، وتؤكد أن "تطوير علاقات سياسية واقتصادية وشعبية مستقرة وإيجابية يعتبر إحدى أهم أولويات السياسة الخارجية للدولة".
وأكد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في وقت سابق أن "المبادئ العشرة لدولة الإمارات خلال الخمسين عاماً القادمة.. تشكل مرجعاً لجميع مؤسساتها لتعزيز أركان الاتحاد وبناء اقتصاد مستدام، وتسخير جميع الموارد لمجتمع أكثر ازدهاراً، وتطوير علاقات إقليمية ودولية لتحقيق مصالح الدولة العليا ودعم أسس السلام والاستقرار في العالم".
كما تترجم توجيهات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات التي أكد عليها أكثر من مرة منذ توليه مقاليد الحكم.
وخلال الكلمة التي ألقاها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في 13 يوليو/تموز الماضي والتي تعد أول خطاب شامل يتناول رؤيته لسياسة دولة الإمارات الداخلية والخارجية منذ توليه مقاليد الحكم في 14 مايو/أيار الماضي، أكد أن "سياسة دولة الإمارات ستظل داعمة للسلام والاستقرار في منطقتنا والعالم.. وعوناً للشقيق والصديق.. وداعية إلى الحكمة والتعاون من أجل خير البشرية وتقدمها".
كما أكد الاستمرار "في نهج دولة الإمارات الراسخ في تعزيز جسور الشراكة والحوار والعلاقات الفاعلة والمتوازنة القائمة على الثقة والمصداقية والاحترام المتبادل مع دول العالم لتحقيق الاستقرار والازدهار للجميع".
وأعاد التأكيد على تلك التوجهات في كلمته بمناسبة اليوم الوطني الـ 51 مطلع الشهر الجاري، مؤكدا أن الإمارات ستواصل دورها المستدام من أجل ترسيخ السلام والاستقرار في المنطقة والعالم، والعمل على حل النزاعات والصراعات، أياً كان نوعها ومكانها ودرجة تعقيدها، من خلال السبل الدبلوماسية.