يقع ما يقارب 30 مليون إيراني من إجمالي 80 مليون تحت خط الفقر، والذين وصل بهم الأمر لبيع أطفالهم لتجار البشر بما يعادل 120 دولاراً للطفل
في صيف 1977 حاول شاه إيران إزالة أكواخ الفقراء من بعض جوانب طهران، ما أشعل ثورة عارمة ومواجهات دامية استمرت شهرين انتهت بإلغاء مخطط الإزالة، ولكن كانت تلك الشرارة التي يحتاجها الشعب للثورة على أكبر حكم استبدادي في الشرق الأوسط، وحدث تسارع كبير في تشكيل نقابات وجمعيات للمهنيين والحرفيين والأكاديميين يُحرّكها اليسار واليسار الإسلامي تحديداً تقوم بتجييش قطاعات الشعب للثورة التي أذكتها إجراءات التقشف القاسية التي استخدمتها الحكومة عام 1978.
في الجمعة السوداء من سبتمبر 1978 ارتكب الشاه مجازر بحق المتظاهرين الذين لم يكن منهم الملالي الراديكاليون ولا الخميني المختبئ في باريس، وهاج الشعب والتهبت التظاهرات وتسبب إضراب عمال النفط في شلل الاقتصاد وتكبيده خسائر غير مسبوقة، بينما نجحت «فدائيو خلق» اليسارية و«مجاهدو خلق» اليسارية الإسلامية في إشعال انشقاقات هائلة داخل الجيش الإيراني، وبدت الكفّة تميل للشعب الغاضب وهرب الشاه، بينما كان مُنظّر الشر الخميني ينزل من سلمّ الطائرة الفرنسية وسط ترحيب برمزٍ للثورة على الظلم لا قائد لها!
تلا ذلك تأسيس العديد من اللجان المحلية والمجالس المصنعية من الثوار الذين كانوا يمثلون كافة أطياف المجتمع، وتشكّلت حكومة مؤقتة بقيادة الإسلامي المعتدل مهدي بزركان، بينما لم يكن لـ«حزب الجمهورية الإسلامية» الذي يقوده الخميني كبير وزن سياسياً لكنه عرف كيف يقفز على المسرح الكبير ويسرق الثورة بافتعال الهجوم على السفارة الأميركية ورفع شعار مواجهة قوى الاستكبار التي تآمرت مع الشاه، وهو شعار ألّب الجماهير الحاشدة وجعلها تلتف حول الخميني ليبدأ بعدها في تصفية خصومه الواحد تلو الآخر في حفلات إعدام لم يسلم منها أحد، خاصة أولئك الذين خطّطوا وقادوا الثورة ضد الشاه!
سرقة الثورة هو ما يحاول الملالي التهرّب من الحديث عنه دوماً، وما يتهربون منه أن «الشيطان الأكبر» كما يدّعون -وهو أميركا- هي من خططت لتحويل الثورة من «الثورة الإيرانية» إلى «الثورة الخمينية» خلال مؤتمر جزيرة Guadeloupe الفرنسية ومباركة بريطانيا وفرنسا وألمانيا بعد تعهد الخميني واتفاقه مع السفارة الأميركية بباريس، لتتحوّل ثورة شعب طامح للحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية إلى ثورة رجال دين يسوسون الناس بالنار ويلزمونهم بعقيدة «الولي الفقيه» أو المتحدث نيابة عن الرب، تعالى الله عما يقولون!
في البداية تم انتخاب أبو الحسن بني صدر رئيساً للجمهورية، الذي رغم قُربه من الخميني إلا أنه كان أبعد من أن يكون رجل دين، لكن الخميني بذكائه أدرك أن المرحلة انتقالية وتحتاج لشخصية ليبرالية لإسكات الجماهير التي ما زالت مشحونة بالانفعال الثوري، وهو ما حدث فعلاً، ثم عاد الخميني ومارس سياسة الملالي التي لا تتغيّر بالهرب للأمام لإشغال الشعب عن مشاكل الداخل وعدم وجود برامج إصلاحية عملية لدى أصحاب العمائم من خلال الحرب مع العراق، وخلالها أقيل بني صدر بعد سنة من ولايته وتم تصفية أغلب مساعديه وفريق حكومته قبل أن يهرب لفرنسا بعد أن بلغه أن التعليمات تقضي بقتله لا حبسه!
ولأن القتلة لا يعرفون صوت العقل ولا يرون الدنيا إلا مواطن خطر لا بد من تدميرها تم تنصيب «عرّاب الموت» صادق خلخالي ليجوب أراضي إيران لمحاكمة المعارضين كما زعموا، وتم إعدام الآلاف من خلال محاكمات هزلية لا تحتوي على الحد الأدنى من المتطلبات، وتم التركيز حينها على كل من يعترض على عقيدة «الولي الفقيه»، وهم أغلب النخب المثقفة من المفكرين والكتّاب والأكاديميين والسياسيين، ليتم إعدام صادق قطب زاده أول وزير خارجية في بداية الثورة «المسروقة» إلى جانب كبار المفكرين أمثال مهدي برزكان ومحمود طالقاني ويد الله سحابي ومصطفى جرمان وعلي شريعتي وغيرهم كثير!
إن الداخل الإيراني مازال يحمل ذات البذور الثورية التي تريد من يشعلها من جديد، فحالياً لا تُزال أكواخ للفقراء بل تُزال بجرّة قلمِ صاحبِ عمامةٍ موتورٍ أرواحُ أبرياء دون سبب سوى ترسيخ ثقافة الخوف لدى من تحدثه نفسه بانتقاد نظام الملالي، فجمهورية الشر تحتل المرتبة الأولى في الإعدامات بحسب عدد سكان البلد وفق تقرير الأمم المتحدة، والمرتبة الأولى في إعدام الأطفال وفق تقرير منظمة العفو الدولية، وتستخدم فرق الإعدام الحكومية الرافعات لشنق المعارضين أمام الجميع، والتي تعتبر من أكثر أساليب الإعدام بطئاً وإيلاماً وإرهاباً، ويقع ما يقارب الثلاثين مليون إيراني من إجمالي 80 مليون تحت خط الفقر، والذين وصل بهم الأمر لبيع أطفالهم لتجار البشر بما يعادل 120 دولاراً للطفل، وهو ما أكدته صحيفة «اعتماد» الإيرانية العام الماضي في تقريرها عن ازدهار هذه التجارة، بل تشير رئيسة اللجنة الاجتماعية بالبرلمان الإيراني عن مدينة طهران فاطمة دانشور أن أطفال «الخطيئة» يُباعون في المستشفيات بما يعادل سبعة دولارات لا أكثر!
إنّ الملالي في وضعٍ هش داخلياً، وهو ما يحاولون إسكاته بأي طريقة، فالإعدامات لا تتوقف ووصلت العام الماضي إلى ثلاث إعدامات يومياً، والدعارة ودور البغاء تنتشر وسط سكوت «مريب» من «المتحدثين باسم الرب»، وكشفت تسريبات ويكيليكس فضيحة من العيار الثقيل عن كون جمهورية إيران «الإسلامية» تُعتبر من أكبر مهربي ومروجي المخدرات في العالم، وأنّ مسؤولين في الحرس الثوري الإيراني متورطون في التهريب المنظم لها لدول الجوار العربية وأوروبا، وفي الداخل يوجد قرابة 7 ملايين مدمن وينضم للإدمان سنوياً 160 ألف شاب وشابة إيرانيين وسط سكوت «راضي» آخر من أصحاب العمائم!
كتب صن تسو في القرن الرابع قبل الميلاد: «إنّ القائد الخبير يُخضع قوّات عدوه من دون خوض معركة ويسيطر على مدينته المسوَّرة دون القيام بالهجوم»، فالداخل ينتظر الشرارة فقط لكسر الخوف، وما ذلك التشنج الذي أصاب ساسة إيران إثر مؤتمر المعارضة في باريس واستدعاؤهم عدداً من السفراء للاعتراض إلا خوفاً أن تكون هذه هي أكواخ الضواحي الجديدة!
Awad621@hotmail.com
* نقلا عن صحيفة البيان الإماراتية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة