"ظهر الإسلام".. تاريخ الحياة العقلية للمسلمين في 4 قرون

ضمن سلسلة "الكلاسيكيات" صدر المجلد الأول من كتاب (ظهر الإسلام) للمفكر والرائد التنويري الراحل أحمد أمين
عن الدار المصرية اللبنانية بالقاهرة، وضمن سلسلة "الكلاسيكيات" صدر المجلد الأول من كتاب (ظهر الإسلام) للمفكر والرائد التنويري الراحل أحمد أمين (1886-1954)، في طبعة جديدة حققها وعلق عليها محمد فتحي أبو بكر، وقدم لها الأكاديمي والناقد المصري د. صلاح فضل.
(ظهر الإسلام) الذي نُشر في طبعته الأولى قبل ما يزيد على نصف قرن في أربعة مجلدات، هو الحلقة الثالثة من مشروع ضخم للتأريخ للحياة العقلية والفكرية للمسلمين منذ ظهور الإسلام وحتى نهاية القرن الرابع الهجري. سبقه (فجر الإسلام) في مجلد واحد، وهو أشهر هذه الحلقات، ثم (ضحى الإسلام) في ثلاث مجلدات.
في (ظهر الإسلام) يتابع أحمد أمين الحديث الذي توقف عنه في (ضحى الإسلام)، فيتناول الحياة الاجتماعية والعقلية، والحركات العلمية والأدبية والفرق الدينية في العصر العباسي الثاني، واتبع فيه نفس التقسيم المنهجي الذي اتبعه في (الضحى)، فخصص الجزء الأول للحالة الاجتماعية والثقافية ومراكز الحياة العقلية منذ خلافة المتوكل إلى نهاية القرن الرابع الهجري.
وقد عُني المؤلف في هذا الجزء بناحيتين؛ أولاً وصف الحياة الاجتماعية في هذا العصر، فليس يمكن فهم الحياة العقلية إلا بفهم بيئتها التي نشأت فيها، والعوامل التي ساعدت عليها، وطبيعة الناس الذين أنتجوها ونحو ذلك. وثانيا، وصفٌ لمراكز الحياة العقلية، ونوع الحركات العلمية والأدبية التي ظهرت في كل إقليم وخصائصها، وأشهر رجالها، وهو وصف موجز ونظرة خاطفة، أرادها المؤلف أن تكون نقطة ارتكاز يعقبها تفصيلها والتوسع فيها فيما يأتي بعد.
أما الجزء الثاني من الكتاب فيخصصه للحركة العلمية والأدبية والفنية في القرن الرابع الهجري، وجاء على نمط (ضحى الإسلام)، بحث فيه المؤلف تاريخ العلوم والآداب والفنون في القرن الرابع الهجري، وتناول كلا من العلوم التالية: التفسير والحديث، وعلم الكلام، الفقه والتصوف، اللغة والأدب، النحو والصرف والبلاغة، الفلسفة، الأخلاق، العلوم، التاريخ والجغرافيا، وسائل العلوم، الفن، التجارة والصناعة والزراعة، القضاء والإدارة.
أما الجزء الثالث، فقد بحث فيه المؤلف الحياة العقلية في الأندلس، منذ الفتح الإسلامي لها إلى خروجهم منها في القرن الثامن الهجري، وتكلم في الحركات الدينية واللغوية والنحوية والأدبية والفلسفية والتاريخية والفنية. ولم يكتف أحمد أمين في كتابه هذا بالتأريخ للحركة العقلية للأندلس في القرن الرابع الهجري وحده، بل أرخ لحياتها العقلية متسلسلة من وقت فتح المسلمين لها إلى وقت خروجهم منها، أي نحو ثمانية قرون، حتى تكون كلها مربوطة برباط واحد، معروضة عرضاً واحداً. وأرخ لكل علم من مبدأ ظهوره في الأندلس وكيف تدرج، حتى آخر أمره فيها، وتجدر الإشارة إلى أن المؤلف لم يتعرض لشرح الحياة السياسية والاجتماعية إلا بالقدر الذي يلقي الضوء على الحياة العقلية.
وفي الجزء الرابع والأخير من الكتاب، يبحث المؤلف في الحركات والمذاهب الدينية المختلفة والعقائد وتطورها وفي الصراع بينها، وفي المرحلة الأخيرة من تدوينها في متون، ثم شرح هذه الملخصات، مع نظرات في مستقبل المذاهب الإسلامية. ولهذا الجزء منزلة خاصة؛ لأنه تم نشره بعد وفاة مؤلفه "أحمد أمين"، وذلك من قبل تلميذه الدكتور "أحمد فؤاد الأهواني"، حيث حرص على الاحتفاظ ما أمكن بالأصل، خشية التزييف على التاريخ، اللهم ما لم يكن له بدّ.
قصد أحمد أمين بهذه الموسوعة الضخمة التي تعد من أهم وأفضل المداخل لدراسة الحضارة العربية الإسلامية، وإسهاماتها العقلية والفكرية في ركاب الحضارات الإنسانية، أن يكون مقدمة لدراسة واسعة وتفصيلية للحركة العقلية في النصف الأخير من القرن الثالث عشر، وفي القرن الرابع، وهي أوسع حركة، وأخصبها وأعمقها في تاريخ المسلمين إلى اليوم، واتفق معظم المثقفين والباحثين الكبار بالإضافة إلى الدوائر الثقافية الاستشراقية على أن عمله الموسوعي هذا لا يضاهيه عملٌ آخر في تاريخ الثقافة الإسلامية الحديثة حتى زمنه.
في مقدمته للكتاب، اعتذر أحمد أمين لقارئه عن طول الفترة التي استغرقها بين ظهور هذا الجزء، وآخر جزء من (ضحى الإسلام)، فإن "ما كُلِّفته من عمادة كلية الآداب لم يترك لي زمنًا صالحًا للسير في هذه السلسلة، فلما تخلَّيْت عنها احتجت إلى زمن آخر أروِّضُ فيه عقلي ونفسي على العودة إلى معاناة البحث، والصبر على الدرس".
يذكر أن فكرة تأليف هذه الموسوعة الضخمة (الفجر) و(الضحى) و(الظهر) بمجلداتها الثمانية الكبار، تعود إلى العام 1926 حينما دعاه الدكتور طه حسين صديقه أحمد أمين إلى التدريس في الجامعة المصرية، واتفقا معا وصديقهما المشترك عبد الحميد العبادي على وضع وتنفيذ مشروع طموح يسعى إلى دراسة الحياة الإسلامية من نواحٍ ثلاث: الناحية العقلية، والناحية الأدبية، والناحية التاريخية في عصور الإسلام المتعاقبة منذ ظهوره وحتى نهاية أفول هذه الحضارة نهاية العصور الوسطى، يختص طه حسين بالحياة الأدبية، وأحمد أمين بالحياة العقلية والثقافية، وعبد الحميد العبادي بالحياة التاريخية..
ولكن تشاء الأقدار أن ينجز أحمد أمين -وحده- مشروعه كاملاً دون زميليه اللذين حالت الظروف الخاصة بهما دون الوفاء بما وعدا به. وتجدر الإشارة إلى أن أحمد أمين كان ينوي أن يصل بالسلسلة إلى العصر الحديث بإصدار (عصر الإسلام)، ثم (الإسلام في عصر النهضة الحديثة).. لكن الأجل لم يمهله كي يتم ما كان ينويه.
aXA6IDMuMjEuMzQuMTAwIA== جزيرة ام اند امز