لم تكن قمة نواكشوط هى أول قمة تؤجل فقد أُجلت قبلها قمتان ولم تكن أول قمة لا تعقد فى الدولة التى يحل الدور عليها وفقاً للترتيب الأبجدى
لم تكن قمة نواكشوط هى أول قمة دورية تؤجل فقد أُجلت قبلها قمتا تونس والعراق ، ولم تكن أول قمة لا تعقد فى الدولة التى يحل الدور عليها وفقاً للترتيب الأبجدى فقد سبق للإمارات أن أهدت قمتها للبنان تضامناً معه ورأست البحرين قمتها فى شرم الشيخ فى عام غزو العراق واستضافت قطر قمة الصومال،
لكن قمة نواكشوط تفردت بأمرين أولهما أنها القمة الأولى التى تعقد على الأرض الموريتانية، والثانى أنها سجلت نسبة قياسية لغياب الزعماء زادت قليلاً عن الثلثين بحيث بدت مع مستوى التمثيل المتدنى وكأنها مجلس وزارى تصادف حضور بعض الزعماء فيه.
وهو أمر مقلق بقدر ما يثير الخشية من أن يكون القادة العرب قد فقدوا إيمانهم بجدوى القمة أو غابت ثقتهم فى القدرة على إحداث النقلة النوعية المطلوبة فى ظل الاستقطاب السياسى العربى فى الوقت الراهن أم أن ثمة قوى عربية وغير عربية لا تريد للإطار العربى أن ينظم حياتنا بعد الآن والشواهد على ذلك كثيرة ؟.
صدر إعلان القمة على نحو تقليدى فمضمونه جيد إذ مازالت القضية الفلسطينية قضية العرب المركزية، والتأكيد على مرجعيات التسوية المنشودة لا يشوبه لبس والإرهاب واجب المقاومة لاستفحاله والصراعات العربية المحتدمة واجبة الحل حتى يمكن الحفاظ على الدولة الوطنية العربية والهوية العربية جديرة بأن تُحمى وتصان والتدخل الخارجى الفادح فى شئوننا آن أوان التصدى له، وليست هذه المواقف بجديدة فقد تكرر معظمها فى قمم سابقة، وهو أمر يثير القلق لأن معنى تكرارها أنها لم تنفذ أو أن المواقف العربية لا تنطلق من استجابة كافية للمتغيرات الجديدة، لذلك فإن المواقف الجيدة التى وردت فى إعلان نواكشوط تحتاج إلى قرارات تنفذها، فالاتفاق على أن القضية الفلسطينية قضية العرب المركزية لا يعنى شيئاً على أرض الواقع، لأن المطلوب قرارات تنفيذية تتعلق مثلا بالوحدة الغائبة بين أهم فصيلين فلسطينيين، أو بتطوير الدعاية العربية فى الساحة الدولية وتوظيفها لتعزيز الضغوط على إسرائيل استفادة من حركة المقاطعة الدولية المتزايدة.
والحديث عن حلول توافقية للصراعات العربية يتطلب تفعيل همة الدبلوماسية والجماعة الأكاديمية العربية من أجل تطوير حلول مقترحة للصراعات، ذلك أن أحد الأسباب المحتملة لفشل الأطراف الدولية فى التوصل إلى صيغ مقبولة للحلول أنها لا تدرى حقيقةً جوهر هذه الصراعات، ولعل ذلك يكون مناسبة لعودة العرب إلى الإمساك ببعض أوراقها بعد أن استُبعدوا من إدارتها، وضرورة التصدى للإرهاب تثير السؤال حول مصير القوة العربية المشتركة التى وافقت عليها قمة شرم الشيخ فى العام الماضى وكان الرئيس السيسى اقترح فكرة إنشاء هذه القوة فى سياق مواجهة الإرهاب، ونظراً لجدية الطرح وافقت عليها القمة لكنها دخلت النفق المظلم لآلية وأد التطوير فى الجامعة العربية، والتصدى للتدخلات الخارجية الصارخة فى شئوننا يقتضى ألا نكون نحن من يطلبه وهكذا.
قلبى مع أمين عام الجامعة الذى تولى مهمته فى ظروف بالغة الصعوبة وهو فى الوقت نفسه يملك مشروعاً طموحاً لتطوير الجامعة أدعو الله أن يمده بالقوة التى تعينه على الانتصار فى هذه المعركة التى يرتبط بها مصير العرب كجماعة قادرة على العيش المشترك وليس كدول منفردة كما يريد أعداؤنا، وأحذره مما أسميه بآليات وأد التطوير فى الجامعة، ومفاد هذه الآلية أن الدول العربية تُفاجأ بالأطروحات الجديدة وهى تتحصن فى مواجهتها بسيادتها الوطنية لكنها مع ذلك محرجة لوجاهة هذه الأطروحات من منظور العمل العربى المشترك فتُضطر إلى الموافقة عليها، غير أن ذلك لا يعنى الالتزام بالتنفيذ فتتآكل الفكرة بالتدريج، وقد تتحصن بآلية إدخال التعديلات قبل الموافقة وتظل تماطل فى هذا الصدد حتى ينفد الصبر وهى الآلية التى اتبعت فى وأد المشروع الطموح لإنشاء محكمة عدل عربية، بل إننى أزعم أن الميثاق الحالى للجامعة قادر لو نفذ على تحقيق إنجازات لو سلمت النوايا. وكل التقدير والاحترام لموريتانيا وشعبها العربى الأصيل شديد الإيمان بالعروبة الذى احتضن القمة رغم ظروف التوقيت الصعبة وبذل قصارى جهده لإنجاحها فلم يجد سوى نكران الجميل من بعض الدوائر التى نسبت لموريتانيا دوراً أساسياً فى سلبيات القمة وتحدثت عن الإرهاب الذى يملأ أرجاءها، وهو أمر عار عن الصحة، وتمنياتى لليمن بالتوفيق فى مهمة عقد القمة القادمة على أرضها وقد كانت لها دوماً مبادرات فى تطوير العمل العربى المشترك، وهى صاحبة الفضل فى المبادرة باقتراح بروتوكول دورية القمة الذى أقرته قمة القاهرة ٢٠٠٠ ومثل فى حينه نقلة نوعية تتكالب عليها الآن الأوضاع العربية الراهنة كى تفقدها أهميتها.
*نقلا عن جريدة "الأهرام"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة