منذ قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، والفكر المستقبلي محور رئيسي ومرتكز أساسي لاستراتيجية البناء
منذ قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، والفكر المستقبلي محور رئيسي ومرتكز أساسي لاستراتيجية البناء، ففكرة توحيد الإمارات فكرة مستقبلية في حد ذاتها، فكرة تعزّزت بالإرادة والإيمان بقدرة الإنسان على صنع المعجزات، فلا شيء مستحيل أمام أحلام الرجال القادة، ما دام أنه يتعلق ببناء نهضة شاملة تتمحور حول محاربة الظلام ونشر العلم وتوفير العلاج والرعاية الصحية وتشييد البنى التحتية وفق أحدث المعايير وأرقاها، وسن القوانين التي لا تفرق بين الرجل والمرأة، والتي تحفظ حق الطفل في الحياة والرعاية السليمة والصحيحة، إضافة إلى توفير البيت لكل مواطن، والأمن والأمان لكل من يقيم على أرض الإمارات المعطاءة.
بدأ المستقبل بالحلم والتحدي، وواصل بالعمل الدؤوب، واستمر بالابتكار والإبداع، فكانت دولة تضم شعباً لا يكتفي بالإنجاز، وإنما بتجاوز الإنجاز، ولا يكتفي بالكمية وإنما بنوعية الحياة، ولا يحتكر الرفاهية وإنما ينشرها خارج حدوده، ولا يحتكر العلوم وإنما يبحث عن شركاء فعليين لترجمة الابتكارات والمقترحات والأفكار إلى واقع ملموس، ولم يجمع الأموال ويكنزها في صناديق مقفلة، وإنما فتح الصناديق ليعمم الخير على الشعوب النامية ليفتتح مشاريع تقلل الفقر وتحارب الجهل وتؤمن متطلبات الحياة للمحتاجين، وتقدم لهم مشاريع مستدامة.
دولة الإمارات العربية المتحدة كانت سباقة في محيطها للمّ شمل أبناء المنطقة، فكان مجلس التعاون الخليجي، وكانت سباقة في مواقفها القومية، فلم يكن النفط العربي أغلى من الدم العربي، والآن هي سباقة في بذل أعز ما لديها للحفاظ على أمنها الوطني والإقليمي أمام أطماع وطموحات الآخرين. دولة الإمارات كانت سباقة في محيطها على الصعيد العلمي، وتأمين الطاقة النظيفة والمستدامة، ففازت باستضافة مكتب الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، وبنت مدينة مصدر المعتمدة كلياً على الطاقة النظيفة سعياً لتحقيق بيئة آمنة من التلوث، وتعميمها في المستقبل، ولم تتوقف عند ذاك الحد، وإنما واصلت مشوارها وحققت حلم الإنسان في وسيلة نقل لا تستخدم الوقود التقليدي، فرعت وساهمت في إطلاق أول طائرة تعمل بالطاقة الشمسية (سولار إمبلس 2 )، ونجح المشروع، وطارت الطائرة 42.11 ألف كم على مدار 545 ساعة، وخلال فترة زمنية دامت 16 شهراً، ودارت حول العالم عبر 17 محطة في تسع دول في قارات العالم، منها مسقط في سلطنة عُمان، وأحمد آباد وفاراناسي في الهند، وماندالاي في ميانمار، وتشونجتشينج ونانجينج في الصين، وهاواي وفينيكس ونيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة لمحطتين في جنوب أوروبا وشمال إفريقيا.
لقد انطلقت الطائرة في التاسع من مارس / آذار في العام 2015، وهو العام الذي انطلقت فيه مبادرة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة «حفظه الله»، ليكون عام الابتكار، وكان فعلاً كذلك، فالطائرة هي الأولى من نوعها في العالم التي تقطع عشرات الآلاف من الكيلومترات دون قطرة وقود واحدة، ولهذا كان من حق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، أن يعلن (أن رحلة طائرة سولار إمبلس 2 التي بدأت من العاصمة أبوظبي وانتهت فيها بعد أن قطعت 40 ألف كم حول العالم بدون قطرة وقود واحدة، تفتح آفاقاً جديدة للطاقة المتجددة واستخداماتها في جميع مناحي الحياة.. وأن أبوظبي أصبحت اليوم عنواناً عالمياً في مجال الطاقة المتجددة عبر استضافة الوكالة الدولية للطاقة المتجددة..). ومن حق صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة أن يقول، إن (صفحة مشرقة من الابتكار قد سطرت بنجاح رحلة سولار إمبلس 2 التاريخية حول العالم باعتماد الطاقة الشمسية، ووصولها إلى نقطة النهاية في أبوظبي هي البداية التي لن تتوقف أبداً على طريق الإنجاز..). لقد تم تنفيذ هذا المشروع الابتكاري النظيف بتعاون بين الإمارات وسويسرا، وهو نموذج للتعاون الدولي في مجال الطاقة المتجددة، وإذا تم تطوير المشروع ودخل الخدمة تجارياً، فسيساهم مساهمة عظيمة في تقليل نسبة انبعاث الغازات التي تضر بالغلاف الجوي للأرض، ويقلل من تداعيات ظاهرة الاحتباس الحراري، وسيحقق ثورة تكنولوجية هائلة في مجال النقل الجوي الآمن.
إن نجاح سولار إمبلس 2 من المفترض أن يشجع شركات الطاقة وصناعة الطيران على التفكير بشكل جاد للانتقال إلى الطاقة النظيفة، ولقد قدّمت الإمارات بالتعاون مع سويسرا خطوة عالمية تصب في الجهد العلمي نحو استخدام الطاقة النظيفة في النقل الجوي، وهذه الخطوة واعدة جداً، ستظهر نتائجها في المستقبل القريب، وستدخل حيز التطوير للوصول إلى نتائج أفضل، فمن يعلم، قد يتم التوصل إلى طائرة تطير بالطاقة الشمسية بسرعة 500 كم؛ إذ لا يوجد مستحيل أمام الإرادة.
نقلًا عن صحيفة الخليج
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة