فقدت مصر قامة علمية مصرية لها مكانتها المرموقة بين العلماء الدوليين وفى قلوب المصريين جميعًا؛ إنه العالم الجليل الدكتور أحمد زويل
فقدت مصر مساء الثلاثاء الثانى من أغسطس 2016م قامة علمية مصرية لها مكانتها المرموقة بين العلماء الدوليين وفى قلوب المصريين جميعًا؛ إنه العالم الجليل الدكتور أحمد زويل؛كاسر حدود الزمن والمتحكم فيه إلى الفيمتو ثانية. وواحد من الذين رفعوا اسم مصر عاليًا بحصوله على جائزة نوبل فى الكيمياء، لتصبح بذلك مصر هى الأولى فى الوطن العربى من حيث عدد الحاصلين على جوائز نوبل فى مجالات مختلفة برصيد أربع جوائز.
ولا أخفى سرًا أنه من المؤلم والصعب على َّأن أرثى الدكتور زويل وأن اكتب عنه فى غيابه، حيث ربطت أواصر الصداقة النبيلة بيننا، وجمعنا العمل أيضًا. فقد كان عضوًا فى أول مجلس أمناء لمكتبة الإسكندرية وأسهم فى نجاح مسيرتها .. وشارك فى أحد أهم مؤتمراتها العلمية البيوفيجن .. سنوات طويلة ولقاءات كثيرة ومناقشات عديدة هى عمر صداقتنا. ولا يغيب عن مخيلتى إلى الآن مشهد آلاف الحشود التى احتشدت فى القاعة الكبرى بمكتبة الإسكندرية فى صيف 2009م انتظارًا لحوار طويل ونقاش مفتوح مع الدكتور زويل. ولضخامة الأعداد التى جاءت لتستمع له وتتعرف على تجربته ومسيرته؛ قامت المكتبة بفتح جميع قاعاتها ونقلت الحوار مباشرة عبر الشاشات ليستمتع الجميع بالحوار الشيق الذى دام أكثر من ساعتين. وكان أكثر ما يلفت النظر ويثير الأمل أن غالبية الحضور من الشباب وهو ما أسعد الدكتور زويل كثيرًا أن شباب مصر ومستقبلها سعى جاهدًا لحضور لقائه.
كان الدكتور زويل يفخر دائمًا بمكان ولادته ويتباهى أنه من بلد الإله حورس «دمنهور» كما كان يحب أن يصفها ويعرف الناس بها. واعتز بانتسابه لكلية العلوم بجامعة الإسكندرية والتى اعتبرها على حد تعبيره الزواج السعيد من الناحية العلمية، ويرى أن مدينة الإسكندرية القديمة كانت ملاذ العلماء والمفكرين والأدباء وأن وريثتها الحديثة ستبقى دائمًا موطن العلماء والمبدعين.
بالرغم من السنوات الكثيرة التى عاشها الدكتور زويل بعيدًا عن أرض مصر فإنه أنه كان دائم الحنين إليها مدينًا لها بالفضل فى كل ما حققه من إنجازات. فلا انسى كلماته التى تدل على نبل أخلاقه وأصالته «لقد حصلت على أحسن تعليم فى مصر وكان تعليمًا حكوميًا مجانيًا«. وكثيرًا ما كان يروى لنا فى نقاشاته عن دور أسرته فى تحقيق هدفه؛ خاصة دور الأم التى كان يصفها بأنها سخرت حياتها من أجل تعليمه، إيمانًا منها بطاقاته وإمكاناته منذ الصغر. ودور الأب الذى غرس فيه القيم والتقاليد التى تحرص على احترام الآخر وتقبله.
من هنا جاء إيمان الدكتور زويل الراسخ بأهمية الأسرة ودورها فى تنشئة جيل جديد من العلماء والمفكرين والمبدعين، وأن التعليم المدرسى لا بد وأن يكون تعليمًا يلائم القدرات ويخاطب العقل ويواكب العصر. وأن الحل الأمثل لمشكلة التعليم يتلخص فى النظر بشمولية وتحديد الرؤية والهدف المرجو منه والتركيز على رعاية المواهب فى كل المجالات، وليس فقط الاهتمام ببناء المدارس والفصول بل بناء الإنسان.
لم يكتف الدكتور زويل بالنجاحات التى حققها على المستوى الشخصى والعلمي، بل أراد أن يسهم بعلمه وخبرته فى تخريج جيل من شباب العلماء من خلال جامعة دولية أراد لها أن تقف على قدم المساواة منافسةً لكبرى الجامعات الدولية وأعرقها. تلك الجامعة التى حملت اسمه فى حياته وليس بعد وفاته لتكون الشاهد الحى على جهوده المضنية فى سبيل النهوض بالمستوى العلمى المصرى لتزيد من رصيد مصر ومكانتها العلمية الدولية.
ومثلما رحبت بالدكتور زويل فى لقاء لنا فى كبرى قاعات مكتبة الإسكندرية بأنه لا يوجد مكان فى مصر من الممكن أن يسع كل محبيك؛أودعه بأنه لا يوجد مكان أيضًا يسع كل المكلومين من سماع خبر وفاتك يا دكتور زويل. وعزاؤنا أن أرض مصر وترابها هو موطنك الأول والأخير، وأن جيلا جديدا سوف يتخرج فى جامعتك يحمل أفكارك ومبادئك ويسير على النهج الذى رسمته للدفع بعجلة الأمل نحو المستقبل.
نقلًا عن صحيفة الأهرام
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة