أعجبُ الأشياء غُلبة من لا حقَّ له ذا الحق على حقّه» فرد عليه قائلاً: «أعجب من هذا أن تُعطي من لا حق له ما ليس له بحق من غير غُلبة
كلما رأيت المسار الضبابي الذي تسلكه الأمم المتحدة في تعاملها مع الوضع في اليمن ومناطق التوترات في الجزيرة العربية كلما تذكرت قصة معاوية بن أبي سفيان عندما سأل عمرو بن العاص عن أعجب الأشياء فقال عمرو: «أعجبُ الأشياء غُلبة من لا حقَّ له ذا الحق على حقّه» فرد عليه قائلاً: «أعجب من هذا أن تُعطي من لا حق له ما ليس له بحق من غير غُلبة»!
فهذه المنظمة والتي يُفترَض أن تكون الراعي الرسمي للشرعية في كل أقطار العالم تُصاب بالحَوَل المتعمّد عندما تتعلّق الأمور ببلادنا العربية، ولا نسمع من أمينها العام بان كي مون سوى القلق ومزيد من القلق في كل مرة يُجرِم فيها المخرّبون في بلداننا وأحياناً «يستخسر» حتى قلقه من أن يُبديه في سكوت مقصود له تبعات مخطط لها مسبقاً أو يخرج بقلق «أحول» يُدافع عن المسيء ويُفسِح الطريق لبيان شاذ مساند لـ«عّمّة» المنظمة وأمينها: الولايات المتحدة الأميركية!
فبعد قيام مملكة البحرين بتجريد الجنسية من رأس الفتنة وحامل الأجندة الايرانية فيها عيسى قاسم رئيس جمعية الوفاق أو «الشقاق» كما كانت فعلاً، في حق أصيل وشأن سيادي داخلي، خرج بان كي مون ليبدي قلقه من القرار البحريني الحكيم بدلاً من أن يُندّد بمواصلة ايران تدخلها في دول الجوار ومحاولاتها الدائبة لإشعال الفتن الطائفية فيها، وتباكى «أستاذ القلق» على حرية التعبير والضغوط ضد النشطاء البحرينيين والحق المشروع بتكوين جمعيات، لتسارع وزارة الخارجية الأميركية ممثلة في جون كيربي المتحدث باسمها لتعرب عن قلقها الكبير بدورها من إسقاط السلطات البحرينية للجنسية تعسفياً، لنتأكد حينها أن هذا الحَوَل مقصود لذاته!
ثم كانت الفاجعة عندما قام القَلِق ومنظمته بإدراج قوات التحالف العربي في قائمته السوداء، وهي قائمة لم تُدْرِج المرتزقة الحوثيين الذين غدروا باليمن، ولا دهاقنة الإرهاب من ملالي طهران ومشاركة حرسهم الثوري في مجازر العراق وسوريا واليمن، ولا حزب نصر الله الذي ارتكب الفظائع ضد المدنيين الأبرياء في سوريا، ولا ميليشيات الحشد الشعبي وفيالق القدس وبدر التي تفتك بسُنّة العراق دون رحمة، وكالعادة هبت الخارجية الأمريكية لتساند بوقها القَلِق في تصريحاته النشاز بل وتتحدّث عن وجود ضغوطات لازالة اسم التحالف من القائمة قبل أن «يستحي على نفسه» بان كي مون ويزيل قوات التحالف من قائمته التي هو أحرى بها!
قبل أيام فنّدَ المتحدث باسم فريق تقييم حوادث اليمن المحايد المستشار القانوني منصور أحمد المنصور ادعاء بان كي مون بمقتل 32 مدنياً في سوق نهم و47 آخرين كما يزعم في غارة جوية بمحافظة ذمار، وبين بالأدلة أن قصف مستشفى حيدان بصعدة قد تم بعد أن حوله الحوثيون لمعسكر لميليشياتهم، بينما لم يتم استهداف مستشفى الجمهوري بصعدة وإنما مستودعات للأسلحة، ولأن «الله ما يضرب بعصا» كما يقول مَثَلُنا المحلي فقد تسرّب تقرير سري من 105 صفحات أعده خبراء بالأمم المتحدة نفسها عن فظائع الحوثيين واستخدامهم المدنيين كدروع بشرية في انتهاك صارخ للقانون الدولي بالإضافة إلى تأكيده على تلقى تنظيم داعش باليمن لمبالغ كبيرة لاستقطاب المجندين وشراء الأسلحة، وهو تقرير سيدفن في أدراج بان كي مون ومنظمته مع رفاقه من تقارير انتهاكات إسرائيل في النصف الأول من 2016 بغزة وخان يونس ورفح ودير البلح وسقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى من العُزّل والأطفال الذين لم يقلق لحالهم، وكيف يقلق وحسب تسريبات ويكيليكس فقد أصدر تعليماته بعدم نشر تقرير جرائم إسرائيل بغزة في نهاية 2008 وأوائل 2009!
في شهر مايو الماضي وبعد أن دك التحالف وتحديداً قواتنا الإماراتية معاقل «القاعدة» في المكلا، سارع البنتاغون بإرسال عناصر عسكرية كما أعلن ذلك النقيب جيف ديفيس للموقع المعروف Military Times في مهمة قصيرة بدعوى تقديم النصح والمشورة لقوات الشرعية اليمنية، ولكن لم يكن ذلك إلا لطمس أية آثار قد يتم كشفها عن علاقة الأميركان بالقاعدة وأختها في الإجرام داعش وهي علاقة نُقلت عنها الكثير من التقارير حتى قبل الانقلاب الحوثي، وطبعاً هنا لم نسمع ولا نَفَس لأمين القلق!
العجيب في منظمة الأمم المتحدة أنها لا تُطالب بالهدن الإنسانية في بلاد العرب إلا عندما تشارف قوى الطغيان والإرهاب على السقوط كما حدث قبل أيام في حلب، وكما جرى أيضاً بعد تحرير الجيش اليمني والمقاومة الشعبية لبلدة الصراري والتي تُسمّى كربلاء اليمن والتي كانت طيلة العشرين عاماً الماضية مركزاً للتجنيد والاستقطاب الطائفي، ولكن سيزول العجب عندما نعرف عند من تقف هذه المنظمة بعد أن تسرّبت وثيقة تفيد بتقديمها لمبلغ 751 ألف دولار العام الماضي كمنحة لمنظمة ترأسها أسماء الأسد زوجة جزّار سوريا، وبتاريخ 1442016 وجّهت المنظمة رسالة للانقلابي الحوثي محمد حجر وخاطبته بصفته «القائم بأعمال وزارة الخارجية» في اعتراف جلي بشرعية انقلاب الميليشيات المسنودة من طهران لتطلب منه المشاركة برصد انتهاكات حقوق الإنسان التي قام بها الجيش اليمني وقوات التحالف العربي !
من كورت فالدهايم إلى خافيير دي كويّار إلى بطرس غالي ثم كوفي أنان وصولاً للكوري بان كي مون وهذه المنظمة طيلة أربعين عاماً لا نرى لها في حقنا إلا تفريطاً وفي أمورنا إلا سيراً بالمقلوب، وحقيقة الأمر فهي لا تعدو أن تكون بوق الكيان الحاكم لها وهو مجلس الأمن والذي يسيطر عليه الخمسة الكبار، تأتمر بأمرهم وتسير في ركابهم وتحديداً بأمر أميركا في عالمٍ أُحادي القطبية، ولئن كان الكبار هم من أوجد القاعدة وداعش لتمرير مخطط تقسيم الدول العربية، فإنّ المنظمة «الحولاء» تلعب دوراً مشابهاً في شرعنة الإجرام بحقنا ودعم من تسميهم بالنشطاء ممن «نذروا» أصواتهم وأقلامهم للحط من حكوماتهم وبلدانهم لعلمهم أنّ ذلك الحبر المسموم والصوت الكاذب أشد فتكاً من كل أحزمة الإرهابيين الناسفة !
نقلًا عن صحيفة اتجاهات
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة