لقد تربى أبناء الإمارات، وفي مقدمتهم أفراد القوات المسلحة، في مدرسة زايد التي أقيم بنيانها على أسس متينة وأعمدة راسخة.
تعود بي الذاكرة إلى مطلع التسعينيات في القرن الماضي، حين كنت أرى أبناء الإمارات كبارًا وصغارًا يتسابقون للتطوع والمشاركة في حرب تحرير الكويت، والتأهب لصد أي اعتداء على أرض دولتنا الغالية، يومها أيقنت في نفسي أن دولة تحرك أبنائها مشاعر النخوة والشجاعة هذه لن تُضام.
لقد تربى أبناء الإمارات، وفي مقدمتهم أفراد القوات المسلحة، في مدرسة زايد التي أقيم بنيانها على أسس متينة وأعمدة راسخة، قوامها الحق والعدل والشجاعة وعون الصديق ونصرة المظلوم، وهم يثبتون جيلًا بعد جيل أنهم أبناء أوفياء لهذه المدرسة الرائدة، حتى باتت بطولاتهم وتضحياتهم ملء السمع والبصر في كل بقعة حلُّوا بها، فمن "كوسوفو" إلى "لبنان"، ومن "الصومال" إلى "البحرين وأفغانستان" تسري أعمالهم على كل لسان وشفة، فكم دحروا من معتدٍ! وكم أغاثوا من ملهوف! وكم نزعوا من ألغام! وهم في ذلك كله كانوا يجسدون رسالة الإمارات السامية، ويكتبون صفحات مشرقة في تاريخها.
ولم تخرج مشاركة الإمارات في قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية عن نهج مدرسة زايد الخير، فقد كان لا بد للإمارات أن تغيث إخوانها في اليمن، وأن تقف معهم ضد مليشيات الفوضى وقوى الظلام، وأن تحمي اليمن وأهله مما خططت له جماعة الحوثيين ومن يدعمها، فسطرت قواتنا المسلحة في أرض اليمن إنجازات وبطولات مشهودة، وأثبتت أن المقاتل الإماراتي مؤهل أحسن ما يكون التأهيل ليقوم بأصعب المهمات وأدقها على أكمل وجه.
لقد فاجأ عيال زايد العالم ببأسهم وشجاعتهم، بعد أن دحروا عدوهم وحرروا عدن ومأرب وباب المندب وغيرها من أراضي اليمن الشقيق، ولم تقتصر مهمتهم على القتال فحسب، بل إنهم كانوا في الوقت نفسه يقومون بأعمال مدنية وإنسانية مهمة، ويسهمون في إعادة إعمار اليمن، وإصلاح شبكات الكهرباء، وفتح المدارس والمطارات والموانئ ومراكز الشرطة وغيرها من مؤسسات المجتمع.
لقد كانت دولة الإمارات العربية المتحدة وقيادتها الرشيدة على الدوام صادقة في تحالفاتها، وفية بعهدها، فقبل ثلاثين سنة قام المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -طيب الله ثراه- بإعادة بناء سد مأرب تكريمًا واعتزازًا لليمن وأهله وحضارته، واليوم قام عيال زايد بإنقاذ وتحرير سد مأرب من غاصبيه ورده إلى أهله، إكمالًا لرسالة القائد المؤسس ومنجزاته، وتحقيقًا لما وعد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة ولي عهد أبو ظبي، بتحرير سد مأرب وباب المندب من الخارجين والمارقين على القانون، وكان أفراد قواتنا المسلحة خير مَن ينجز الوعد وينْفذ وعد قائده.
هذا هو نهج الإماراتيين وديدنهم في الوفاء لوطنهم وقادتهم، ولقد شاهد العالم كله كيف وقف شعب الإمارات وقفة رجل واحد خلف قيادته وقواته المسلحة دعمًا وتضحية ووفاء وصبرًا على المحن، وكان الجميع يتابع بإعجاب ردود أفعال ذوي الشهداء وفخرهم باستشهاد أبنائهم، فمن أبٍ يتمنى لو يُرد به العمر ليذهب لقتال الحوثيين، وشاب يتحسر أنه ليس في القوات المسلحة ليلحق بركاب إخوانه في اليمن، وأمّ تقول: إنها لم تنجب أولادها إلا لمثل هذه اللحظة المباركة. فيما سائر الإماراتيين مصطفون مع أهالي الشهداء؛ لأنهم يرون كل شهيد ابنًا لهم، وفي الوقت ذاته أطلقوا حملة "عونك يا يمن" جريًا على عادة الإمارات في مد يد العون لكل منكوب، ولاسيما من إخوانهم العرب.
يتساءل الكثيرون عن سر قوة الإمارات ونجاحها، ولا يتأخر صاحب السمو الشيخ محمد ابن زايد آل نهيان في الرد عليهم: "وحدتنا وترابطنا وتكاتفنا هو مصدر قوتنا، وهو نهجنا الثابت الذي أسسه المغفور له زايد ويمضي في تثبيت أركانه خليفة"، و"البيت متوحد". كلمات على قلتها تختصر معاني كثيرة وتمنح الإماراتيين ولاسيما جيل الشباب منهم ثقة بمستقبل آمن وزاهر.
مهمتنا في اليمن لم تنته بعد، فمن بدأ المشوار ينهيه، والتحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ماضٍ في حربه ضد كل من تسول له نفسه العبث بأرض اليمن، ومن يفكر بالمساس بالأمن القومي العربي، وإذا كنا اليوم نستقبل مجموعة من أبطالنا الذين أدوا مهمتهم في اليمن برجولة واقتدار، فإننا نستودع الله أبطال الإمارات الذاهبين إلى اليمن لاستكمال مهمة إخوانهم أبطال تحرير مأرب، وكلنا ثقة بأن النصر سيكون حليفهم، وأن راية الإمارات ستبقى خفاقة بالعز بفضل بطولاتهم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة