زيارة الرئيس المصري إلى لندن أكسبها الجدل الذي صاحبها من قبل ومن بعد زخما قويا، فقد سلطت الأضواء عليها وجعلت منها زيارة غير عادية وشعرة معاوية يحرص عليها الجانب البريطاني هنا أكثر من الجانب المصري لاعتبارات عدة ليس أقلها الظروف التي تمر بها المنطقة والتوازن الذي أحدثه السيسي في موازين القوى بأن جذب إليه الحليف الروسي القوي، والمواجهة القوية لما يعتبره الغرب عامة وبريطانيا خاصة بالإرهاب الذي لم يعد غير بعيد عن الغرب نفسه.
وهذه الزيارة على وجه الخصوص ستكون مختلفة مثلا عن زيارته لألمانيا، فعنصر المفاجأة غير موجود والمظاهرات المضادة متوقعة، وهناك استعدادات قوية لوأدها في مهدها، وتتسم بحرص ورعاية من بريطانيا بدأت بالسفارة البريطانية في القاهرة، ومقابلة السيسي مع المخضرمة ليز دوسيت من البي بي سي.
زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للندن هذا الأسبوع التي تستمر ثلاثة أيام، لا تخلو من دلالات قوية لا سيما وأنها تأتي في توقيت بالغ الأهمية والخطورة. فبعد قبوله دعوة الحكومة البريطانية يدخل الرئيس المصري مقر الحكومة البريطانية يوم الخميس، ويلتقي رئيس الوزراء ديفيد كاميرون وكبار المسئولين في الحكومة البريطانية لبحث ملفات الأمن والاستقرار ومكافحة الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط، بالإضافة لسبل دعم العلاقات التاريخية بين البلدين.
وتقول الحكومة البريطانية إن هناك مبررات سياسية وتجارية مهمة لتوجيه الدعوة للرئيس عبد الفتاح السيسي رغم الجدل الذى أحاط بهذه الدعوة ورغم الخلافات المتعلقة بقضايا حقوق الإنسان في مصر وقمع المعارضة واستخدام عقوبة الإعدام وغيرها من القضايا التي يثيرها نشطاء حقوق الإنسان، فالرئيس السيسي زعيم دولة محورية ويمكن أن يساعد الغرب في محاربة التطرف والإرهاب في المنطقة التي تعج بالصراعات والحروب، كما أنه معني بمحاربة الإرهاب في بلاده وبتحقيق استقرار ليبيا، وبالتالي فمن المهم التعرف على رؤية مصر في كيفية التعامل مع هذه القضايا.
وكلما ازدادت العلاقات البريطانية المصرية قوة كلما تمكن الطرفان من إجراء محادثات لا تخلو من الصراحة والشفافية سواء في القضايا التي يتفق فيها الطرفان أو تلك التي تثير جدلا وخلافا، وتؤكد حكومة كاميرون أنها تتبنى نهجا يقوم على المصارحة والمواجهة بدلا من الاعتراض عن بعد.
كما أن مساعدة النظام المصري على إقامة مجتمع مستقر ديمقراطي مزدهر هو أمر يصب في مصلحة بريطانيا ودول منطقة الشرق الأوسط.
كانت الحكومة البريطانية قد واجهت انتقادات لدعوة الرئيس السيسي رغم القلق المتعلق بما يصفه بعض الساسة والحقوقيين في لندن بالنهج الديكتاتوري للرئيس السيسي وسجل حقوق الإنسان، لا سيما بعد ثورة الثلاثين من يونيو، كما وقع خمسة وخمسون شخصية من البرلمانيين والكتّاب والصحفيين على خطاب مفتوح احتجاجا على زيارة الرئيس المصري التي قالوا إنها تنتهك القيم الديمقراطية التي تدّعي الحكومة أنها تتبناها، ومن الأسباب التي ذكرتها الرسالة لعدم الترحيب بالرئيس السيسي أحكام الإعدام بحق مئات المؤيدين لجماعة الإخوان المسلمين واعتقال الصحفيين وقمع النشاط السياسي.
أما على الصعيد التجاري فهناك اتفاق بين الجميع على أهمية تنمية العلاقات التجارية والاقتصادية وتطويرها في المرحلة المقبلة، فبريطانيا هي أكبر مستثمر أجنبي في مصر، وتشير الأرقام إلى أن حجم الاستثمارات البريطانية في مصر عام 2010 إلى الآن نحو 25 مليار دولار.
إذن فبرغم الانتقادات وبعض أشكال الاحتجاجات من الواضح أن الحكومة البريطانية لديها رغبة في الحفاظ على شعرة معاوية في علاقاتها مع مصر، وأن التعاون والتنسيق مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وحكومته سيكون أمرا طبيعيا في المرحلة المقبلة تسعى إليه المملكة المتحدة حفاظا على مصالحها وتوازناتها الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط أكثر مما تسعى إليه مصر.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة