قام صندوق النقد الدولى، باستحداث حقوق السحب الخاصة فى ١٩٦٩ كمكمل للأصول الرسمية الخاصة بالبلدان الأعضاء فى الصندوق.
الحديث عن الطفرة الاقتصادية التى شهدتها الصين، كان السمة الأبرز على الصعيد الاقتصادى العالمى فى السنوات الأخيرة. وعلى الرغم من معدلات النمو المرتفعة وحجم الصادرات الكبير الذى حول الصين لمصنع العالم إلا أن العملة الصينية «اليوان»، لم يكن لها نفس حظ الدولار أو اليورو فى المعاملات العالمية. لكن هذا الوضع فى طريقه للتغير بعد أن أقر صندوق النقد الدولى أخيرا ضم «اليوان» لسلة العملات العالمية التى تحدد قيمة حقوق السحب الخاصة وتلك خطوة كبيرة لليوان والصين بشكل عام.
وقام صندوق النقد الدولى، باستحداث حقوق السحب الخاصة فى ١٩٦٩ كمكمل للأصول الرسمية الخاصة بالبلدان الأعضاء فى الصندوق. ويتم تحديد قيمة حقوق السحب الخاصة بناء على سلة عملات تشمل الدولار الأمريكى واليورو والين اليابانى والجنيه الإسترلينى، وتم الإعلان عن إضافة اليوان الصينى بداية من أكتوبر ٢٠١٦. حقوق السحب الخاصة لا تعتبر عملة عادية يمكن استخدامها من قبل الشركات والأفراد، لكن يستخدمها صندوق النقد كعملة افتراضية أو وحدة قياس فى معاملاته مع الدول الأعضاء. وبلغ إجمالى حقوق السحب الخاصة المصدرة ٢٠٤ مليارات، وهو ما يعادل ٢٨٠ مليار دولار موزعة على أعضاء الصندوق.
وكان الاقتصاد الصينى قد شهد طفرة كبيرة فى العقود الأخيرة، كانت محط اهتمام العالم، حيث حافظ الاقتصاد الصينى على معدلات نمو غير مسبوقة لفترة طويلة. الملفت للنظر هو قدرة الصين الكبيرة على تصدير مختلف المنتجات، سواء البسيطة أو المتقدمة لشتى دول العالم، حتى أصبح أغلب ما نشتريه من منتجات صنعت فى الصين. وتلك المنتجات تطورت من منتجات مقلدة رديئة لمنتجات متقدمة عالية الجودة، حتى إن الكثير من الشركات الأمريكية والأوروبية نقلت مصانعها للصين.
ولعل الصادرات الصينية هى السبب الرئيسى وراء ضم اليوان، حيث يحدد صندوق النقد شرطين أساسيين لضم العملات لتلك السلة المرموقة. الشرط الأول هو حجم صادرات البلد المصدرة للعملة، حيث من الضرورى أن يكون حجم صادرات البلد كبيرا بما يكفى ليعكس أهمية تلك البلد فى الاقتصاد العالمى.
وتحتل الصين المركز الثالث عالميا من حيث حجم الصادرات فى السنوات الخمسة الأخيرة. الجدير بالذكر، أن الصين تحتل المركز الثانى عالميا من حيث حجم الاقتصاد، إلا أن ذلك لا يساهم كثيرا فى ضم اليوان لسلة العملات المرموقة، التى تهتم بحجم الاقتصاد والتبادل التجارى مع الاقتصاد العالمى فى المقام الأول.
أما الشرط الثانى فهو أن تكون العملة قابلة للاستخدام الحر، وهو ما يتطلب الاستخدام الواسع للعملة لتسوية المعاملات التجارية الدولية ليس فقط بين تلك الدولة وشركائها التجاريين، ولكن أيضا بين مختلف دول العالم بعضها البعض، وكذلك انتشار استخدام تلك العملة فى البورصات وأسواق المال العالمية المختلفة. الاستخدام الحر للعملة، يعكس ثقة العالم فى تلك العملة وموافقتهم على التعامل بها فى المعاملات المالية المختلفة، مما يسمح للدول الأعضاء فى صندوق النقد التعامل باستخدام حقوق السحب الخاصة أو تحويلها بسلاسة لأى من العملات الرئيسية فى سلة العملات المرموقة.
***
الجدير بالذكر، أن ٣٨ بنكا مركزيا حول العالم يستخدمون اليوان كأحد أصول احتياطى النقد الأجنبى الخاص بهم، مما يجعلها عملة عالمية. التقدم الكبير الذى أحرزته الصين من حيث حجم الصادرات واتساع استخدام اليوان عالميا جعلا اليوان مؤهلا للانضمام لسلة عملات حقوق السحب الخاصة. وبناء على تشكيل السلة الجديد، سيمثل الدولار ٤٢٪ واليورو ٣١٪، بينما اليوان المنضم حديثا ١١٪، أما الين والإسترلينى فسيمثل كلا منهما ٨٪ من وزن السلة.
لكن هذه الخطوة الكبيرة للصين لم تمر بدون العديد من التحفظات الغربية. فمن ناحية، البنك المركزى الصينى يتحكم فى سعر صرف اليوان ولا يتركه يتغير بمرونة مع قوى العرض والطلب فى السوق. ولعل ذلك كان سر الخلاف مع أمريكا التى دائما ما تتهم الصين بشن حرب عملات بخفض قيمة اليوان مقابل العملات الأجنبية لزيادة الصادرات الصينية مع مطالبة أمريكا الدائمة للصين برفع قيمة اليوان. وهذا التحفظ قد تزايد مع قيام الصين الصيف الماضى بخفض قيمة اليوان أمام العملات الأجنبية على غير المتوقع لتشجيع الصادرات الصينية وتنشيط الاقتصاد، وهو ما دفع لموجة من التخفيض فى عملات الأسواق الناشئة.
***
على نفس الصعيد، فإن البنك المركزى الصينى يضع العديد من العوائق أمام تحويل العملة الأجنبية خارج الصين، وهو تحفظ دائم للمستثمرين الأجانب فى الصين، وزاد هذا التحفظ بطبيعة الحال بعد أزمة البورصة الصيف الماضى، وما عقبها من عراقيل للتحويلات. بعيدا عن إجراءات البنك المركزى الصينى الجدلية، فإن اليوان يواجه تحديا حقيقيا وهو قلة حجم السندات المصدرة والمتداولة باليوان والتى تبلغ نحو ١٫٤٪ فقط من السندات المتداولة عالميا وتلك نسبة متدنية مقارنة بالدولار الأمريكى.
لكن تلك التحفظات مردود عليها إلى حد كبير. فالين اليابانى والجنيه الإسترلينى كانتا ضمن سلة عملات حقوق السحب الخاصة فى فترات كانت تلك العملات تدار من قبل بنوكها المركزية ولم يكن سعر صرفها متروكا تماما للسوق. كما أن تلك الدول كانت تضع عوائق لحركة رءوس الأموال الأجنبية، لكن ذلك لم يمنع عملاتها من أن تكون قابلة للاستخدام الحر وتنال ثقة أسواق المال العالمية. كما أن ضآلة حجم السندات المتداولة باليوان، قد تكون نتيجة وليس سببا لعدم اعتماد اليوان كعملة عالمية سابقا وأن ذلك الوضع سيتغير تدريجيا فى الفترة القادمة مع انضمام اليوان لمصاف العملات المرموقة، مما سيساعد الصين على إصدار المزيد من السندات باليوان ويشجع بالتبعية العديد من الدول على إصدار سندات أجنبية باليوان، وكذلك الاستثمار فى سندات باليوان كجزء من احتياطى النقد الأجنبى.
قرار صندوق النقد بضم اليوان لسلة عملات حقوق السحب الخاصة، خطوة كبيرة للصين وتتويج لجهود إصلاح اقتصادها وسيظل أمام الصين طريق طويل لإثبات أن اليوان عملة عالمية يمكن التعامل بها بسلاسة وأمان، مثل الدولار واليورو، لكن مما لا شك فيه أن تلك الخطوة ستفتح بابا للصين والعديد من شركائها التجاريين كمصر للاعتماد على اليوان بشكل أكبر.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الشروق المصرية وبوابة العين الالكترونية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة