في أوائل القرن العشرين، تجاهلت الحداثة القوانين التقليدية للتعبير. ولكن في أواخر القرن العشرين فجرت نزعة ما بعد الحداثة هذه القوانين
في أوائل القرن العشرين، تجاهلت الحداثة القوانين التقليدية للتعبير. ولكن في أواخر القرن العشرين فجرت نزعة ما بعد الحداثة هذه القوانين كلية. وكان الرئيس الأميركي باراك أوباما مرشحاً حداثياً. واجتذب أعداداً هائلة من الناخبين الشبان المنتمين إلى الأقلية، وتملك ناصية الوسائط الاجتماعية، وفي عام 2008 قلب رموز الحرس الديمقراطي القديم، مثل هيلاري كلينتون.
وفي المقابل، دمر دونالد ترامب ببساطة الحياة السياسية العادية. وعلى عكس أوباما برقمه القياسي في جمع التبرعات في عامي 2008 و2012 من وول ستريت، فإن ترامب لم يجمع مالاً على وجه التقريب. وهو يتجاهل عمليات التأييد من قادة التجمعات السياسية. ولم يقدم ترامب على تسجيل أي حملات جدية للناخبين. وكان مؤتمره الانتخابي غريباً وقدم فيه أبناءه، بدلاً من قادة الحزب وجماعات المصالح الخاصة. ولكن ماذا عن الاقتراع الداخلي؟ لا يبدو أن هناك اقتراعاً داخلياً لترامب.
ومن المفترض أن يتجنب المرشحون عواقب المؤتمرات الصحافية قدر الإمكان. وأن يعدوا للأيام التي يكونون فيها مطالبين بعقد هذه المؤتمرات. ترامب لا يفعل هذا. هو يتغذى على التشدق مرتجلاً للصحافة دون أن يقلق كثيراً حيال ما يقوله.
المرشحون يكرهون المراسلين، ويخشونهم، ويسعون لتملقهم. ويهينهم ترامب بشكل علني، وعادة ما يخرجهم من مؤتمراته. وبصفة عامة يتجنب السياسيون المحدثون الانجرار إلى شجارات سيئة من المحتم أن يخسروا فيها ويرحب ترامب بالشجارات مع جميع القادمين.
وتحصل هيلاري كلينتون على الكثير من التبرعات المالية من الأغنياء، بينما تلعن تأثير المال الكبير على الحياة السياسية. ولا يبدو أن ترامب قد عثر على أي مانحين كبار، وهو ينتقد الرأسماليين الذين يعتمدون على المحسوبية، على أساس أنه اعتاد أن يكون واحداً منهم.
وتأنق السياسيون التقليديون مثل ميت رومني بشكل كامل جداً، ونادراً ما ظهروا من دون بدلات مفصلة. ويحب السياسيون الحداثيون مثل أوباما أن تلتقط لهم صور وهم يلعبون الغولف ويرتدون ملابس البولو ويبدون في شرخ الشباب.
لكن ترامب يتحدى الذوقين التقليدي وغير التقليدي من خلال وضعه ربطات عنق طويلة وصارخة، وتمشيط شعره المصبوغ باللون الأشقر فوق المنطقة الصلعاء من رأسه وجعل لونه يبدو أكثر سمرة، ويغلب عليه اللون البرتقالي الغريب.
ويهاجم السياسيون بعضهم البعض بينما يدعون التهذيب. وأفضلهم يفعل ذلك بفارق بسيط. ولكن ترامب لا يفعل ذلك. فهو يستخدم الكلمات النابية مثل «كاذب» و«منافق».
وبالنسبة للسياسي الحداثي فإن زلة اللسان هي تصريح صادق غير مقصود. وبالنسبة إلى ترامب ما بعد الحداثي فإن الزلة الوحيدة التي يمكن تخيلها هي أن يظل ساكتاً.
الكتاب المقدس بالنسبة إلى السياسيين الحداثيين هو الصواب السياسي. وهم يجب أن ينتبهوا إلى كل مجموعة يمكن تخيلها و«مجتمع». وهذا ينطوي على استخدام عبارات ملطفة أو وضع رقابة ذاتية بينما يتم تجنب كل الألغام المتعلقة بالطبقة والعرق والجنس بقدر الإمكان.
وقال الناقدون إن أسلوب ترامب المبتذل في الحملة الانتخابية التمهيدية لن يترجم بشكل جيد في الانتخابات العامة. أما الآن فحتى الساسة المخضرمين يعترفون بأنه ليست هناك قواعد تنطبق على دونالد ترامب. وكل ما يفعله هو أنه يواصل الصراخ بأن الأمور باتت أسوأ من ذي قبل، ولن يعترف أحد بذلك.
ونحن نعيش اليوم في عصر سليم سياسياً، لا يمكن للرئيس الأميركي أو قد لا يرغب فيه بوصف المتشددين بأنهم إرهابيون قتلوا المئات في أوروبا والولايات المتحدة.
وينظر إلى مضاعفة العجز الوطني إلى نحو 20 تريليون دولار لثماني سنوات فحسب باعتباره أمراً لا أهمية له. والرأي العام يستشعر الضجر حيال حقيقتين: الحقيقة التي يراها ويسمعها كل يوم، والصيغة التي لا علاقة لها بمفاهيمه.
ويأتي ترامب بكرة وسلسلة ويلقيهما على شاشة النخبة، ويهتف الجمهور فيما ينكسر الزجاج الهش. وفي حال أوغل معظم السياسيين في الخداع، فيبدو أن الناخبين يفضلون الخداع الواضح والفج بدلاً من خديعتهم المعتادة.
هل سيشعر ترامب في أغسطس وينفجر داخلياً في سبتمبر ويدمر نفسه في أكتوبر، أم سيفوز في نوفمبر؟
لا أحد يعلم. فليست هناك قواعد للتنبؤ بكيفية تصويت الجمهور الذي ضاق ذرعاً. فلم يكن هناك أبداً مرشح ما بعد حداثي مثل دونالد ترامب.
نقلًا عن صحيفة اتجاهات
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة