لم تنتبه غالبية وسائل الإعلام إلى الدعم الهائل الذي تبديه مختلف فئات المواطنين الأميركيين العاديين تجاه الإصلاح السياسي
خلال هذا العام الانتخابي المضطرب، لم تنتبه غالبية وسائل الإعلام إلى الدعم الهائل الذي تبديه مختلف فئات المواطنين الأميركيين العاديين تجاه الإصلاح السياسي. وبخلاف دعوة بيرني ساندرز لثورة سياسية، تمارس مجموعة واسعة النطاق من حركات المواطنين على مستوى الولايات ضغوًطا من أجل الإصلاح في مواجهة «سيتيزنز يونايتد» أي (المواطنين المتحدين) وكبار الجهات المتبرعة للمرشحين، بهدف منح الناخب العادي صوتا أكبر، وجعل الانتخابات أكثر تنافسية وتفكيك حالة التعقيد داخل الكونغرس.
وتأتي هذه الجهود الشعبوية كرد فعل على تطورين بالغي الأهمية وقعا عام 2010 :صدور حكم من المحكمة العليا لصالح «سيتيزنز يونايتد» يقر بإمكانية تقديم الشركات تبرعات لا حدود لها إلى الحملات الانتخابية، وإقرار الحزب الجمهوري استراتيجية ترمي إلى التلاعب بدوائر الكونغرس. وأسهم الحدثان مًعا في تغيير ديناميكيات المشهد السياسي الأميركي.
في يناير (كانون الثاني) من ذلك العام، حذر القاضي جون بول ستيفينز في قرار المعارضة الذي أصدره من أن «سيتيزنز يونايتد» «ستفتح الأبواب» أمام أموال الشركات لتنهمر على الحملات السياسية، الأمر الذي حدث بالفعل. جدير بالذكر أن مجمل تدفق التمويل هذا العام على الحملات السياسية، من المنتظر أن يتجاوز الرقم القياسي البالغ 7 مليارات دولار التي أنفقت عام 2012.
في وقت لاحق من عام 2010 .نجح الحزب الجمهوري بفضل استراتيجية «ريد ماب» (الخريطة الحمراء) التي أقرها في السيطرة على ما يكفي من حكومات الولايات، لتمكينه من إعادة رسم دوائر انتخابات الكونغرس عبر البلاد بالعام التالي. من بين النتائج التي ترتبت على ذلك، خلال انتخابات عام 2014 فاز في الانتخابات بـ7.50 في المائة من أصوات الناخبين، وحصد أغلبية المقاعد 59 مقعدا. الآن، ومع تعمد الجمهوريين المنتمين لهذه الدوائر الانتخابية الآمنة أغلب الأحيان تعقيد عمل الكونغرس، تحولت مبادرة الإصلاح إلى مستوى الولايات. واللافت أن حركة التمرد امتدت لما وراء كاليفورنيا ونيويورك إلى معاقل جمهورية غير محتملة مثل أريزونا وفلوريدا وإيداهو وإنديانا ونبراسكا وساوث داكوتا.
عند هذه النقطة، تحولت 17 ولاية إلى ميادين للإصلاح. وهناك دعاوى قضائية يجري النظر فيها أمام المحاكم في ست منها تطعن في محاولات تقسيم الدوائر الانتخابية على نحو عرقي أو حزبي، وفي خمس أخرى تعكف حركات شعبية وحكام ولايات ومؤسسات تشريعية على محاولة تحقيق هذا الهدف. هذا الصيف، قضت محاكم فيدرالية لصالح دعاوى ترمي لإلغاء قواعد صارمة للتحقق من هوية الناخبين، من خلال الصور في تكساس ونورث كارولينا ونورث داكوتا. وخلصت المحاكم إلى أن هذه القواعد تنطوي على تمييز ضد الأقليات وكبار السن والطلاب. ونجحت دعاوى أخرى تقدم بها مواطنون في استعادة الأنظمة الانتخابية السابقة في أوهايو وميشيغان.
أما ولايتا ساوث داكوتا وواشنطن فتعقدان استفتاًء حول مقترحات لإقرار انتخابات أكثر شفافية. وكانت المساعي المشابهة قد أوشكت على النجاح في أريزونا وإيداهو. وهذا العام، سعى إصلاحيون في ولايات كاليفورنيا ونيويورك واشنطن إلى حشد الأصوات للضغط على الكونغرس من أجل السيطرة على تمويل الحملات الانتخابية، وحظر إسهام الشركات في تمويل الحملات.
وفي إطار جهود التصدي لـ«سيتيزنز يونايتد»، تقدمت 17 ولاية وأكثر من 680 حكومة محلية بمناشدات إلى الكونغرس لإقرار تعديل دستوري، وذلك إما من خلال إرسال خطاب إلى الكونغرس أو إجراء استفتاء أو استصدار قرارات تشريعية، أو إجراء تصويت داخل مجالس المدن أو إرسال خطابات جماعية إلى أعضاء المجلس التشريعي بالولاية. وكانت أبرز هذه الحالات الاستفتاء المقرر عقده في كاليفورنيا بما تضمه من 18 مليون ناخب مسجل، في نوفمبر (تشرين الثاني) حول ما إذا كان ينبغي توجيه ممثلي الولاية داخل الكونغرس البالغ عددهم 55 فرًدا، لأن «يستغلوا كامل سلطاتهم الدستورية» في الوقوف بوجه «سيتيزنز يونايتد». ومن المقرر أن تجري ولاية واشنطن استفتاًء مشابًها.
عام 2014 ،فاز مقترح من الحزب الديمقراطي لفرض قيود على الإنفاق الانتخابي بأغلبية 54 42 صوًتا داخل مجلس الشيوخ، لكنه أخفق في الحصول على الأصوات الـ60 المطلوبة للتغلب على أي محاولة لإعاقة تمرير التعديل. والآن، تحظى مشروعات قوانين تفرض قيوًدا على التمويل العام للحملات الانتخابية، وفرض الكشف عن ممولي الإعلانات للحملات الانتخابية، بدعم ديمقراطي واسع، لكن تعوق طريقها المعارضة الجمهورية.
ومع ذلك، فإنه حتى داخل بعض الولايات المعروفة بميلها التقليدي نحو الحزب الجمهوري، ظهرت حركات إصلاحية وانتشرت. من بين هذه الولايات ساوث داكوتا، وذلك بفضل ثلاثة التماسات كبرى: الأول يدعو لجعل الانتخابات التمهيدية غير حزبية، والثاني يدعو لإقرار لجنة مستقلة لإعادة ترسيم الدوائر الانتخابية، بينما يرمي الثالث لإقرار اعتماد ضريبي بقيمة 50 دولارا لكل ناخب ليتبرع بها إلى مرشح سياسي، مع حظر التبرعات التي تتجاوز مائة دولار من جماعات الضغط، وإقرار ضرورة الكشف عن أكبر خمسة متبرعين للدعاية السياسية في غضون 60 يوًما من إجراء الانتخابات.
في أبريل (نيسان)، صوت المجلس التشريعي بالولاية الذي يغلب عليه الجمهوريون بـ29 15 صوًتا لتأسيس لجنة مستقلة لإعادة ترسيم الدوائر الانتخابية. ورغم استخدام الحاكم بيت ريكيتس حق الفيتو ضد مشروع القانون، فإن الإصلاحيين من أعضاء المجلس التشريعي وعدوا بتقديم نسخة منقحة خلال دور الانعقاد التالي.
وتعمل مجموعات مثل org.Independentvoting التي تتبعها جماعات من مواطنين عاديين داخل 40 ولاية، للحشد ضد الحرمان الفعلي من حق التصويت للناخبين المستقلين، الذين تفوق أعدادهم حالًيا الديمقراطيين والجمهوريين، عبر التلاعب في تقسيم قرابة 90 في المائة من الدوائر الانتخابية على مستوى البلاد، ما جعلها حكًرا على أنصار حزب بعينه.
وقد هاجمت قرابة 24 ولاية مسألة التلاعب في تقسيم الدوائر الانتخابية بشكل مباشر، بينما أسست 11 ولاية أخرى لجانا مستقلة أو آليات أخرى محايدة سياسيا لإعادة ترسيم الدوائر. وفي 7 ولايات أخرى، بينها إلينوي وإنديانا وأوهايو وبنسلفانيا، أعلنت حركات شعبية ومجالس تشريعية تابعة للولاية، بل وحكام جمهوريون مثل لاري هوغام حاكم ماريلاند وجون كاسيك حاكم أوهايو ومايك بينس حاكم إنديانا، المرشح حالًيا في الانتخابات الرئاسية نائبا لدونالد ترمب، أن الوقت حان لتجريم التلاعب في تقسيم الدوائر. * الكاتب رئيس مكتب واشنطن سابًقا بصحيفة «نيويورك تايمز»، ومؤلف كتاب «من سرق الحلم الأميركي؟»
نقلًا عن صحيفة الشرق الأوسط
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة