هناك مئات آلاف الصور التي التقطت لأشخاص أبرياء، ومن بينهم آلاف الأطفال، قتلوا أو أصيبوا خلال الحرب السورية الطويلة والممتدة
صورة الطفل الحلبي عمران دقنيش ذي السنوات الخمس كما ظهر في سيارة الإسعاف بعد أن انتشل مع عائلته من بين أنقاض منزله الذي استهدفته غارة جوية في حي القاطرجي بالمدينة، ليست الأولى من نوعها، ولكنها قد تكون من بين الصور الأكثر تأثيراً بعدما تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام على نطاق واسع، وأحدثت صدمة عالمية ربما تحرك ضمائر المجتمع الدولي، وتشكل امتحاناً لأخلاقه السياسية.
هناك مئات آلاف الصور التي التقطت لأشخاص أبرياء، ومن بينهم آلاف الأطفال، قتلوا أو أصيبوا خلال الحرب السورية الطويلة والممتدة، لم يتم التوقف عندها، ولكن صورة الطفل عمران الذي بدا عاجزاً عن الكلام وهو يجلس على كرسي سيارة الإسعاف بنظراته التائهة وصمته البريء، ويمسح عن وجهه الدماء التي اختلطت بتراب أنقاض حلب، ربما تكون قد نطقت بكل شيء وأباحت بكل شيء عن فظاعة هذه الحرب المجنونة التي لا تزال تكشر عن أنيابها وتسقط المزيد من الضحايا الأبرياء، فيما العالم يبحث عن مكاسب سياسية قد لا تتحقق في ظل الظروف وموازين القوى الحالية. صورة الطفل عمران سبقتها قبل أسابيع قليلة صورة طفل مخيم حندرات الذبيح عبدالله عيسى وهو يتوسل قاتليه ألّا يفعلوا ذلك، ليرى العالم بعد لحظات أحدهم وهو يرفع رأسه عالياً بين يديه وسط صيحات التهليل والتكبير من كتيبة الإعدام الحاضرة للاحتفال برفع كأس مسابقة الذبح بين إرهابيي الجماعات المتطرفة. كما سبقتها قبل نحو سنتين صورة الطفل السوري الكردي عيلان الذي قضى نحبه غرقاً وهو يحتضن تراب الشاطئ التركي، وتحولت صورته إلى رمز لمعاناة اللاجئين السوريين الهاربين في زوارق الموت باتجاه أوروبا، وهناك بالتأكيد آلاف الوقائع لأحداث مشابهة لم يتم نشرها أو حتى تصويرها، و كلها تجسد صورة المأساة الإنسانية التي تعيشها سوريا، لكن السؤال ما إذا كانت صورة عمران وأقرانه ستسهم في تحشيد الرأي العام ودفع القوى النافذة دولياً لوقف هذه المأساة الإنسانية وإيجاد حل سياسي للأزمة التي تجاوزت كل الحدود، أو أنها ستستخدم في الترويج لخدمة أهداف سياسية معينة، والتحريض على مواصلة القتل وسفك الدماء، لقد كانت صورة الطفل عيلان الكردي سبباً كافياً لكي يتحرك العالم بأسره ويضغط على الحكومة التركية لكي تفتح حدودها أمام اللاجئين، ودفع الاتحاد الأوروبي والغرب عموماً لاستقبال أعداد هائلة من السوريين، فهل تشكل صورة الطفل الحلبي عمران دافعاً كافياً للمجتمع الدولي للتحرك نحو وقف هذه الحرب الكارثية، أم أنه لا يزال ينبغي أن يسقط المزيد من الأطفال والمزيد من الضحايا الأبرياء كي يتحرك الضمير العالمي ويضغط بقوة لإنهائها، أم أن خيارات الأطفال السوريين ستبقى محصورة، كما جسدها رسام الكاريكاتير السوداني خالد البيه بين تلقي مصير عمران إن بقوا في سوريا أو مصير عيلان إن غادروها؟
نقلًا عن صحيفة الخليج
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة