"البلطجة الإلكترونية" تخطف المراهقين من أهاليهم
750 ألف شخص يتحرشون جنسيًّا بالأطفال عبر الإنترنت، وحسب إحصائيات موقع "فيسبوك" يتعرض طفل واحد من كل خمسة أطفال للتحرش.. ماذا نفعل؟
تعود "ريم" من مدرستها الساعة الثانية وتتوجه مباشرة إلى غرفتها، مهملة السلام على إخوتها ومن هم في المنزل، حتى إنها ترفض تناول الغداء أحيانًا لتتابع أحاديثها على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، مما أثار غضب والدتها، التي باتت تتابعها وتحسب لها كم ساعة تهدر من يومها على مواقع التواصل والحياة في العالم الافتراضي.
"ريم" البالغة من العمر خمسة عشر عامًا، كحال كثير من الفتيات والفتية الذين يمرون بمرحلة المراهقة ويريدون صنع عالم خاص بهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي الكثيرة، بعيدا عن جدران العائلة، التي تتملكها المخاوف من أن يعيش أبناؤهم في عالم افتراضي يشكل خطرًا عليهم، ويجرّهم إلى متاهات وخيمة.
تقول ريم: "لست صغيرة، فأنا قادرة على أن أميز بين الخطأ والصواب، أمضي ساعات طويلة على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة لأنني أشعر بالمتعة والسعادة، وأجد نفسي مع الأشخاص الذين تعرفت عليهم، في حين أن أبي وأمي دومًا منشغلان بالعمل وقصص العائلة ومشكلات الحياة، ولا تعرف أمي متى أكون سعيدة أو حزينة، ولكن تعرف أن تطلب مني كلمة المرور الخاصة بي لتلك المواقع، لهذا لن أمنحها طلبها".
المصارحة مهمة
أما عمر سلامة، الذي يبلغ من العمر 17 عامًا، فيجد أن طلب الأهل لكلمة المرور الخاصة به على مواقع التواصل الاجتماعي ما هو إلا تأكيد لعدم ثقتهم به، فيقول: "سمعت أمي وعماتي كيف يتحدثن عن مواقع التواصل الاجتماعي، وبعد هذا الحديث طلبت أمي مني كلمة المرور، هي خائفة عليّ دون شك من علاقات الحب والمخدرات، فقد صارحتني بهذا الأمر، وأخبرتها أن لا تخاف لأن هذه القصص لا تهمني، بالفعل كثير من أصدقائي يستخدمون هذه المواقع لهذه الأمور، ويستخدمون أسماء وهمية ومعلومات غير حقيقية، لكنني لا أحبّذ هذه التجارب".
فجوة في العلاقة
تروي سامية الحاج، وهي أم لأربع فتيات في سن المراهقة، أن مواقع التواصل الاجتماعي خلقت بينها وبين ابنتها الكبرى، التي تبلغ 16 عامًا، خلافات وصراعات وفجوة لم تنته حتى الآن، فابنتها تريد الحفاظ على خصوصيتها، وأن لا تكون والدتها على معرفة ودراية بمحتوى المحادثات التي تجريها عبر شبكة الإنترنت.
وتضيف سامية: "في إحدى الليالي وجدتُ ابنتي مستيقظة والجميع نيام، ودون أن تكتشف وجودي وقفت خلفها وعرفت مع من تتحدث وقرأت الدردشة، وطلبت منها بكل هدوء أن تغلق الكمبيوتر وأن أتكلم معها، لأنني مدركة تمامًا أنني إذا تعاملت معها بعصبية فسوف تتحداني".
تقول: "اعترفتْ ابنتي بكل التفاصيل، لأجد أنها تتحدث مع شاب يكبرها كثيرا، وأنها متعلقة به ولا تستطيع الاستغناء عنه. جلست معها لأيام طويلة ونصحتها بأن هذا الكلام غير مناسب لعمرها، وأنها يجب أن تركز على الدراسة لتبني مستقبلها، شعرت أنها غير مقتنعة بكلامي فأخبرت والدها بالأمر، وتعامل معها بعصبية حتى ترتدع، وبالفعل لم تعد تتحدث معه إلا أنها حذفت صداقتي من حسابها في موقع فيسبوك، حتى لا أعرف الأشخاص الذين تتواصل معهم".
خداع
أما سالم يوسف فيرى أنه كان قادرًا على إقناع ابنه، الذي يبلغ 15 عامًا، بأن الوقت الذي يقضيه على مواقع التواصل الاجتماعي سيؤثر حتمًا على مسار دراسته، وعندما طلب منه كلمة المرور الخاصة بحسابه على مواقع التواصل الاجتماعي، لم يرفض ابنه ومنحه إياها بكل هدوء، لكنه اكتشف في ما بعد أن ابنه لديه أكثر من حساب على موقع "فيسبوك"، وأن ابنه يخدعه بكل هدوء.
يقول سالم: "من تجربتي الخاصة، أنصح الأهل أن يتعاملوا مع أولادهم بالثقة بشرط أن لا تكون ثقة مطلقة، لأن مواقع التواصل الاجتماعي فخ كبير قد يغرق المراهقون به، ما بين علاقات حب وهمية وكاذبة وانحرافات غير متوقعة، وأحيانا يضيع مستقبلهم نتيجة إهمالهم للدراسة، حيث يهرب الأبناء من ضغط الدراسة والأهل إلى هذه الطرق الملتوية".
انفتاح دون استئذان
الدكتور التربوي غازي عواودة يؤكد أن المراهقين لا يدركون مخاوف الأهالي ولا يتفهمونها لأنهم غير مطلعين بشكل واسع على تفاصيل الحياة وخبرتهم بها قليلة، ويقول: "في السنوات الأخيرة أصبح العالم كله منفتحًا بعضه على بعض، وهذا الانفتاح جاء دون استئذان، ولم يراعِ ثقافة المجتمعات المختلفة، فالأهل يحذّرون الأبناء دومًا من مواقع التواصل الاجتماعي والتحدث إلى الغرباء، لكنهم لا يستطيعون منعهم، فأدوات هذا الانفتاح لم تعد محدودة".
ويضيف: "يخاف الأهل من دخول الأبناء إلى المواقع الإباحية، ومواقع ترويج المخدرات وغيرها، كما أن مواقع التواصل الاجتماعي تتيح التعرف على الآخر، وبالتالي بناء علاقات حب حقيقية أو زائفة، وهي علاقات مرفوضة من الأهل لأنها لا تناسب العادات والدين، وتأتي في وقت غير مناسب".
ويؤكد عواودة أن من أفضل الطرق لمعرفة ماذا يدور مع الابن التقرب إليه، وأن يكون الأب والأم صديقين له، وليس موجِّهين فقط، وأن يحترم الأهل شخصية الابن، التي تتكون وتظهر في سن المراهقة".
المعالجة بحكمة
الخبيرة الاستشارية في مجال ثقافة الإنترنت وتكنولوجيا المعلومات، صاحبة كتاب "أبطال الإنترنت" المتخصص في حماية الأطفال من التحرش الجنسي عبر الإنترنت، المهندسة هناء الرملي، تقول: "على الأهل اتباع أسلوب لطيف مع الابن للتعرف على ما يحدث معه عبر مواقع التواصل الاجتماعي من خلال جلسات عائلية خاصة يسودها الحب والحميمية".
وتضيف الرملي: "في حال ملاحظة الأهل السرّية والتكتم، التي يحرص عليها الابن وحرصه على حجب شاشة جهازه عنهم، على الأهل اتباع ما يلي: إجراء تعديل على إعدادات برامج التصفح بحيث تحفظ كلمات المرور لأي حساب له عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتثبيت برنامج متخصص في مراقبة جميع الإجراءات التي تتم على جهازه، وتتبع حساباته بعد الحصول على كلمات المرور بشكل دائم".
وأشارت الرملي في كتابها إلى أن هناك 750 ألف شخص يتحرشون جنسيًّا بالأطفال عبر الإنترنت عالميًّا في عام 2013، وحسب إحصائيات موقع "فيسبوك" لعام 2014 فإن طفلا واحدا من كل خمسة أطفال يتعرض للتحرش.
وأوضحت أن هؤلاء المجرمين -كما سمتهم الباحثة- قد يتّبعون أساليب البلطجة الإلكترونية للإيقاع بضحاياهم، مثل مراسَلتهم بأسماء مزيفة، وإيهامهم أن أعمارهم متقاربة، والطلب منهم محادثتهم بالصوت والصورة أو لقائهم على أرض الواقع، حتى إذا حصلت الثقة من الضحايا سهل عليهم الإيقاع بهم.
وترى الرملي أهمية الحرص على عدم إبلاغ الابن في حال اكتشافهم لأي أمر ما، ومعالجته بطريقة حكيمة وذكية والعودة لإخصائي اجتماعي إذا لزم الأمر، لأن معرفة الابن في عمر المراهقة أن أحد والديه قد اطّلع على خصوصياته قد يدفعه إلى التمرد أكثر، وارتكاب مزيد من الأفعال التي قد تسيء إليه أكثر.
aXA6IDE4LjE5MS45My4xOCA= جزيرة ام اند امز