سود أميركا عادوا لصدارة المشهد الأميركي من بابين، الأول حملة ترامب، والثاني الموقف من إسرائيل
سود أميركا عادوا لصدارة المشهد الأميركي من بابين، الأول حملة ترامب، والثاني الموقف من إسرائيل، لكن جمع بينهما خيط رفيع، هو استخدام لغة استعلائية في مخاطبة السود.
ترامب الذي بدأ الأسبوع وكأنه نادم على كل عبارة مثلت إهانة لأي جماعة أميركية، وقال في منتصفه، إنه سيسعى إلى كل أصوات السود، ألقى خطاباً في نهايته، يفترض أن يكون وسيلته لاجتذاب أصواتهم، فكان بمثابة إهانة جديدة وإدانة لعلاقة الرجل بالأعراق والإثنيات المختلفة في أميركا!
فترامب اختار مقاطعة أغلبيتها الساحقة من البيض، ليخاطب سود أميركا، ثم راح يستخدم كل الصور النمطية السلبية عن السود، ليطلب منهم انتخابه!، فهو قال لهم نصاً «أنتم تعيشون في فقر، ومدارسكم ليست جيدة، وتعانون البطالة، و58 % من شبابكم عاطلون. ما الذي ستخسرونه بحق الجحيم؟»، يقصد إذا ما أعطوه أصواتهم.
والحقيقة أن استخدام الصور النمطية ضد السود لاستغلالهم أو التقليل من شأنهم، ليس جديداً في سياق العنصرية الأميركية. والصورة التي رسمها ترامب، تحمل ملامح عنصرية لا تخطئها العين.
فسود أميركا، مثلهم مثل باقي الأميركيين، منهم الأطباء والأكاديميون والعلميون والجامعيون. ومن بينهم من هم في ثراء ترامب، ومنهم من يعيشون في فقر. ومن السود من يدرس في مدارس خاصة ممتازة، ومنهم من يدرس في مدارس عامة فقيرة.
لكن الأسوأ من ذلك، هو أن اللغة الاستعلائية في ذلك الخطاب، تمتد لتشمل تجاهل الأسباب المختلفة التي تجعل نسبة تأييد السود لترامب، تقارب الصفر في بعض الولايات. فالرجل كان على رأس الحركة التي سعت لطرد أوباما، أول رئيس من أصول أفريقية، من منصبه، بزعم كاذب، مؤداه أنه لم يولد على الأرض الأميركية.
وبالتالي، لا يحق له دستورياً أن يتولى الرئاسة، وترامب قال وقتها، إنه دفع مالاً لمجموعة من المحققين لتقصي حقيقة شهادة ميلاد أوباما، بل قال ذات مرة، إنه يملك «معلومات مدمرة» لأوباما جمعها هؤلاء.
هو نفسه الذي بعد أن نشر أوباما شهادة ميلاده التي تثبت أنه ولد في ولاية هاواي، فلم يعتذر ترامب عن شيء مما قاله، لكن يبدو أن الأثر العميق لتلك الواقعة تحديداً على السود الأميركيين، ليس من بين ما اهتمت حملة ترامب في إدراكه.
وموقف ترامب المعادي للمسلمين، مرتبط بشكل وثيق بموقف السود منه، ففضلاً عن أن كتلة معتبرة من السود مسلمين، فإن سود أميركا يدركون، بحق، أن أي موقف معادٍ لأحد الأقليات، يعني العداء لها جميعاً، وهو بالضبط الإدراك الذي يجعل من منطق «ليس لديكم ما تخسرونه» بمثابة إهانة.
أكثر من ذلك، فإن تاريخ الأحزاب الأميركية، هو ذاته الذي يناقض ما قاله ترامب. فهو بعد أن طالبهم بالتصويت له، بمنطق «ليس لديكم ما تخسرونه»، أضاف أنه بعد السنوات الأربع الأولى من حكمه، سيحصل عند إعادة انتخابه على 95 % من أصواتهم، لكن السود، الذين ارتبطوا يوماً بالحزب الجمهوري، حزب إبراهام لينكولن.
لأنه كان مسؤولاً عن إلغاء العبودية، تحولوا للحزب الديمقراطي بأغلبية ساحقة، منذ تولي روزفلت الرئاسة، وتبنيه لما صار يعرف ببرامج «العهد الجديد»، التي ساعدت الأقليات والطبقة العاملة والفقراء.
وبوابة ترامب لم تكن وحدها مسؤولة عن عودة السود للصدارة، إذ كانت إسرائيل هي البوابة الأخرى. فبعد أن نشرت إحدى منظمات حركة «حياة السود مهمة»، برنامجها السياسي الذي أدانت فيه الدعم الأميركي لإسرائيل، هاجمت مجموعة من المنظمات اليهودية الأميركية، وعدد من الإعلاميين، الحركة، وركزت تحديداً على استخدام البرنامج لتعبير «الإبادة الجماعية» و«الأبارتيد»، في وصف ممارسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين.
اللافت للانتباه، هو اللغة الاستعلائية أيضاً التي تأخذ شكل إعطاء محاضرة للسود حول المقبول وغير المقبول. فمنظمة «مكافحة التشهير» اليهودية الأميركية، استخدمت تعبيرات لافتة في إدانتها للبرنامج، إذ وصفت ما جاء فيه عن إسرائيل بأنه «كريه».
أما آلان ديرشوويتز، اليميني المعروف، فقد وجه محاضرة لحركة السود، تحمل تهديداً، مؤداه أنه ما لم تقم «بحذف تلك العبارات من برنامجها، وتتبرأ منها، فلن يتعامل معها» أي شخص، «أسود أو أبيض أو من أي إثنية أخرى»!
القضية في حالة ترامب، ليست في سعيه لأصوات السود، فذلك هو ما يفعله أي مرشح لأي منصب انتخابي. وإنما القضية الاستعلائية، ناهيك عما تنضح به من عنصرية. والقضية أيضاً ليست في إدانة ما جاء في برنامج حركة السود.
فمن حق أي من كان أن يجد في برنامج أي حركة أو منظمة ما ينبغي إدانته، لكن القضية، مرة أخرى، هي اللغة الاستعلائية المستخدمة ضد جماعة عرقية، ظلت طوال تاريخها تعرف عن ظهر قلب، العنصرية الصريحة، وتلتقط فوراً اللغة الاستعلائية، بل وكل سبل التحايل المرتبطة بالعنصرية المستترة.
نقلا عن / البيان
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة