الحرب في اليمن هي «حرب ضرورة»، وليست حرب إكسسوار، أو استعراض، فنشوء مليشيات عابرة للولاءات لا يمكن لأي دولة قبوله
الحرب في اليمن هي «حرب ضرورة»، وليست حرب إكسسوار، أو استعراض، فنشوء مليشيات عابرة للولاءات، وتمتلك أسلحة غير تقليدية وطائرات، لا يمكن لأي دولة قبوله مهما حملت من الحلم والصبر.
ولنعد بالذاكرة للعام 1962، حين جن جنون الولايات المتحدة الأمريكية، عندما اكتشفت أن الاتحاد السوفيتي حاول خلق جيب متفجر جنوب الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى تخومها، لنفهم كيف أن الدول لا تتسامح مع أمنها الوطني، ولا تقبل بتغيير معادلته.
ففي مغامرة غير محسوبة العواقب، أنشأ الاتحاد السوفيتي قاعدة للصواريخ النووية في دولة كوبا، التي لا تبعد سوى بضع عشرات من الكيلومترات عن أقرب المدن الأمريكية.
كان الرد الأمريكي، واضحا وجليا: لن نسمح بقاعدة صواريخ نووية جنوب بلادنا، وفي أيدي نظام مارق، ورئيس متهور هو «فيديل كاسترو».
لم تمنح واشنطن سوى 48 ساعة للسوفيت، لتفكيك القاعدة، ونقل الصواريخ، او إبادة كوبا عن بكرة أبيها، والدخول في حرب نووية مع موسكو.
انتهت الأزمة على خير، وسحب السوفييت سلاحهم وصواريخهم النووية، لكن الأمريكان عاقبوا كوبا أكثر من 50 عاما؛ لأنها جرؤت على تهديد الأمن الأمريكي، وجعلت من بلادها مطية للأحلام السوفيتية.
في أواسط الثمانينات الميلادية خرج شاب يمني يتقلد المذهب الزيدي إلى إيران، كان معجبا جدا بالخميني، وما إن وصل حتى تلقفه الإيرانيون، وغيروا مذهبه إلى المذهب الشيعي تدينا وسياسة.
هذا الشاب هو بدرالدين بن أمير الدين الحوثي، الذي عاد العام 1991 لليمن، بعدما تشبع بالأفكار الثورية الإيرانية، وأسس ما يعرف بتنظيم «الشباب المؤمن»، والذي خرج عنه بعد ذلك تنظيم «أنصار الله»، والمسمى هنا جاء على غرار «حزب الله».
تؤكد المصادر المتابعة لمسيرة بدرالدين الحوثي تفرغه لتوسيع أنشطة تنظيم «الشباب المؤمن» سياسيا، الأمر الذي مكنه من استقطاب الشباب والقبائل والوجاهات الاجتماعية في صعدة.
الخطير هو أن كل ذلك كان يتم برعاية شبه رسمية، من نظام علي عبدالله صالح، وهو ما يفسر العلاقة الوثيقة بين الطرفين حاليا، على الرغم من بعض المصاعب التي واجهتهم في فترات متقطعة.
تلك النبتة التي رعتها طهران، كانت تعد ليوم مثل الذي نحن فيه، بالتأكيد أن النظام اليمني الذي رأسه صالح كان هو الملام، على تهيئة البيئة المناسبة لنمو «التنظيم الإيراني»، وإعطائه الفرصة للتوسع، في محاولة منه كما يزعم لإحداث توازن داخل المجتمع اليمني، لكنه فشل في الحفاظ على ذلك التوازن.
لم يكن ذلك غائبا عن السياسي السعودي، الذي راقب عن كثب تلك العلاقة غير البريئة بين الحوثيين وطهران والضاحية الجنوبية، وكان مستعدا للدخول متى ما أصبح الخطر داهما.
فالتنظيم تحول من كونه نشاطا دعويا شيعيا، إلى ميليشيا مسلحة، فتدفقت الأسلحة، وغادر الآلاف من الشبان لإيران ولبنان، لتلقي التدريب العسكري والتنظيمي والقيادي.
ذلك الانكشاف الحوثي أمام السعوديين، أنتج صداما عسكريا مسلحا في العام 2009،، لم يستمر طويلا، لكنه كان مؤشرا خطيرا على ما لدى التنظيم من أسلحة، وأجندة إيرانية يريد تحقيقها في الخاصرة الجنوبية للسعودية.
بعد عامين من تلك الحرب السريعة، استغل التنظيم الاحتجاجات التي قام بها الإخوان المسلمون ضد نظام صالح، واندفعوا للاستيلاء على السلطة بالمشاركة مع صالح نفسه، فالمصالح التقت مرة أخرى، لكنهم اليوم استولوا على أسلحة متطورة لجيشين كاملين، هما الجيش اليمني الشمالي والجيش اليمني الجنوبي.
عندها لم يعد أمام السعودية من مجال، إلا ضرب تنظيم متمرد عابر الولاءات، ولديه أسلحة غير تقليدية، وصواريخ بعيدة المدى قادرة على حمل رؤوس نوية.
الحرب مع الحوثيين ليست ترفا، لكنها ضرورة قصوى، للحفاظ على أمن السعوديين ومستقبلهم لمئة عام أخرى.
*نقلا عن جريدة "عكاظ"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة