"النفايات" تعاود كتم أنفاس لبنان.. و"البيئة" في قبضة السياسة
عادت النفايات قبل أيام لتغزو الشوارع، وتحتل النواصي، والأرصفة، في 3 مناطق تشكل سواحلها امتداداً لبيروت، وتضم أكثر من مليون نسمة
يصعب في لبنان أن تحل أزمة بطريقة كاملة، عادة ما تستخدم الطرق الملتوية، وعادة ما تتداخل عوامل وحسابات حزبية، أو حتى طائفية، عند طرح كل ملف، هكذا حلت أزمة النفايات قبل أشهر بعد أن استوطنت شوارع بيروت وضواحيها لأسابيع طويلة، لكن وفق طريقة الترقيع، التي قضت بفتح مطمرين شمال بيروت في برج حمود، وجنوبها في منطقة الكوستبرافا.
المشهد في ضواحي بيروت الشمالية وصولاً إلى جونية، يبدو مكرراً، نسبة صيف العام 2015، عندما بدأت رسمياً الأزمة، التي تركت تداعيات كبيرة منها مظاهرات حاشدة، واشتباكات مع القوى الأمنية.
عادت النفايات قبل أيام لتغزو الشوارع، وتحتل النواصي، والأرصفة، في ثلاثة أقضية رئيسية (بعبدا، المتن، وكسروان)، وهي أقضية تشكل سواحلها امتداداً لبيروت، وتضم أكثر من مليون نسمة، أغلبيتها من الطوائف المسيحية.
في هذه الأقضية بدأت تتراكم مجدداً النفايات، ومعها الحشرات، والقوارض، في إقامة تبدو ستطول مرة أخرى، وذلك بعدما قرر حزب "الكتائب اللبنانية" نصب خيمة عند مدخل مطمر برج حمود، قبل أيام، احتجاجاً على الأضرار الصحية والبيئة التي من الممكن أن تنجم عن المطمر.
يقول عضو المكتب السياسي في الحزب سيرج داغر، وهو المطلع والمتابع لهذا الملف، إن تصعيد حزبه بيئي بامتياز، ويعود إلى أن الحل الذي طبق وقضى بفتح مطمر برج حمود غير صحي، ويهدد منطقة كاملة بالتهجير، نتيجة الأمراض التي من الممكن أن تنتشر، بما أن ما هو معمول به يهدف إلى طمر نفايات غير مفرزة.
مضى أسبوع على الأزمة الحالية، تضامنت بعض الأحزاب، مثل حزب "الطاشناق" مع "الكتائب"، ووقفت أحزاب أخرى، على الضفة الأخرى، تتهم المصعِّدين بمحاولة الاستثمار السياسي في الملف، لكن الواضح أن الشارع في خانة أخرى.
في جولة على أحياء الدكوانة والجديدة وصولاً الى أنطلياس، يرفض كثر التحدث عن هذه الأزمة لدى سؤالهم عن عودة النفايات، يكتفون ببعض الشتائم للطبقة السياسية، أقصى الطموحات باتت لا تتعدى "العيش في بلد يتمتع به شعبه بأبسط الحقوق"، هكذا يقول أحدهم، معدداً: النفايات، الكهرباء، الماء، السكن".
في برج حمود (حي أرمني)، حيث المطمر الجديد، تقف شلة بجانب أحد محلات المأكولات الأرمنية التقليدية، هنا يبدو الجميع مُجمعا على ضرورة عدم فتح المطمر، خصوصاً أن المنطقة عانت تاريخياً، من مكب الكارنتينا الملاصق، والذي عولج بعد الحرب الأهلية بطريقة غير بيئية، وسط مخاوف جدية، من تفاعل الغازات في باطن الأرض، وانفجارها في أي وقت.
موقف الشباب في برج حمود، يبدو متماهياً مع حزب "الطاشناق"، الذي يعتبر الحزب الأرمني الأقوى في لبنان. أما في الشارع المسيحي الآخر، فمنقسم مثل الحالة السياسية، بعض يحمل "الكتائب" مسؤولية عودة النفايات، وهم أغلبهم من المناصرين لـ"القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحر"، لكن اللافت نجاح "الكتائب" لأول مرة في جذب الشريحة "الصامتة" غير الحزبية، والتي ترى في موقف "الكتائب" تعبيرا عنهم، وعن رفضهم، وعن ضرورة إيجاد حل بيئي للأزمة.
على مدار الأيام الماضية تحول مجلس النواب والحكومة إلى خلية نحل للبحث في الحلول الممكنة، كل هذه الاجتماعات لم تتوصل الى نتيجة تقضي بسحب النفايات من الشارع، خصوصاً أن الحكومة تبدو متمسكة بخطتها التي طرحتها، فيما يشير البعض إلى الأحزاب الأخرى في هذه المنطقة ترفض تسليف "الكتائب" نصراً شعبياً ممكن أن يحسن حضورها في الشارع.
وعلى الرغم من أن داغر يرفض اطلاقاً اعتبار ما يجري تصعيد بيئي بخلفية سياسية، إلا أن مصادر حكومية لا تخفي أن "الكتائب" قرر منذ فترة أن يسلك مساراً جديداً، بعد التحالف المستجد بين "القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحر" (أكبر الأحزاب المسيحية)، خوفاً من أن يقضي هذا التحالف على حضور الحزب الذي يعود تاريخه إلى ما قبل الاستقلال.
وتتحدث المصادر عن سياق بات واضحاً منذ أن تسلم النائب سامي الجميل رئاسة الحزب من والده رئيس الجمهورية الأسبق أمين الجميل، ومنذ هذه اللحظة قرر الحزب التماهي أكثر مع الشارع اللبناني الذي بدأ يفرز تحركات مدنية تطالب بالإصلاح السياسي والإقتصادي والبيئي والاجتماعي، وعليه بات خطاب محاربة الفساد جزءاً أساسياً من خطاب الحزب، الذي انسحب قبل أسابيع من الحكومة اللبنانية.
ولمزيد من التماهي مع الشارع تبنّى الحزب طرح حل للأزمة كان سبق أن طرحه أكثر من جهة بيئية في لبنان، وهو ما يشير إليه داغر، ويقضي بأن تعالج البلديات اللبنانية نفاياتها بنفسها، في إطار لامركزية إدارية، على أن تعاد وتطمر العوادم فقط في مطمر صحي.
ويتسلح معارضو اقتراح "الكتائب" بضرورة الاستمرار بالطمر ريثما تصبح البلديات جاهزة لمثل هذه الخطوة، لكن "الكتائب" يتسلح أيضاً بدوره بتجربة له في بلدة بكفيا، حيث مسقط رأس آل الجميل، وحيث افتتح قبل أشهر معملا لفرز النفايات، وتوضيبها، وهو ما يعده الحزب إنجازاً له، وإقراناً للقول بالفعل.
وعلى الرغم من أن كل الأفق لا يزال مسدوداً حتى الساعة، إلا أن الاجتماع الأخير الذي عقد في مجلس النواب، وضم رؤساء اتحادات البلدات المعنية، وما دار من حوارات خلاله وعلى هامشه، بدا واضحاً فيه أن ثمة صراع تحت الطاولة بخلفيات بيئة، ذلك أن البعض يتهم بوضوح وبتصريحات علنية الطبقة السياسية بالصراع على جنبة النفايات التي تُدرّ ذهباً، ويعزون التصعيد الحالي، إلى محاولات بعض الأطراف المشاركة في اقتسام الجبنة بعد استبعادهم عنها لسنوات طويلة خلت.
aXA6IDE4LjE4OC45MS4yMjMg
جزيرة ام اند امز