ترحيل النفايات من لبنان: اتهامات بالفساد وبحث إمكانية المعالجة
تكلفة إعادة التدوير تقلّ عن ربع النفي
بعد إقرار الحكومة اللبنانية لخطة شاملة للتخلص من القمامة بدأت اتهامات جديدة بالفساد تظهرمع اتضاح أن تكلفة الترحيل أكبرمن تكلفة المعالجة
بعد أشهر على اندلاع أزمة النفايات، أقرّت الحكومة خطة ترحيلها إلى الخارج في جلسة استثنائية استمرت حوالى 6 ساعات، هذا القرار لاقى استحساناً من قبل رئيس الحكومة تمام سلام والوزير أكرم شهيب في حين عارضه كل من وزراء التيار الوطني الحر وحزب الله والكتائب.
سعر ترحيل الطن الواحد ستصل تكلفته إلى 250 دولاراً لأن الأمر لن يقتصر على سعر الـ195 دولاراً أمريكياً المقدم في العروض المعلنة لأن هناك تكاليف معينة للتصدير بحيث يفترض أن تفرم النفايات قبل تصديرها وتكلفة الطن الواحد 15 دولاراً، اللف بقماش سميك لا يتسرب منه أي عصارة بتكلفة من 15 إلى 20 دولاراً. إضافة إلى الجمع من المستوعبات والنقل إلى مكان الفرز ثم الباخرة وقد تكلف العملية ما بين 25 و30 دولاراً للطن الواحد في الوقت الذي يتحدث خبراء بيئيون عن أن المعالجة المحلية للطن الواحد لن تتجاوز الـ65 دولاراً أمريكياً، والأمر الذي من شأنه أن يكون له ارتدادات إيجابية على لبنان نظراً لقلة التكلفة مقارنة بتكلفة الترحيل.
يعتبر وزير الزراعة أكرم شهيب أن ترحيل النفايات هو أبغض الحلال، فاختيار الخطة ((ب)) كانت الحل الأفعل برأيه لمشكلة النفايات، مشيراً إلى أن فاتورة النفايات لا تقارن بشيء أمام الفواتير الصحية والاقتصادية والنفسية للشعب اللبناني. الوزير شهيب كان يأمل أن تعتمد خطوة المطامر الصحية لأن التكلفة ستكون أرخص، علماً أن الترحيل لن يكون البديل الدائم والمستمر لا بل سيكون على مدى سنة ونصف السنة ليصار بعدها إلى التحضير لخطة مستدامة عبر تخفيف النفايات من المصدر وقيام البلديات بدورها والسعي لأن تصبح النفايات صناعة مربحة على المستوى الصحي والاجتماعي والنفسي ولا تكون كارثة وخطراً داهماً يهدد صحة المواطنين بشكل دائم.
من جهته، يستغرب الخبير البيئي الدكتور ناجي قديح كيف يتم التعاطي مع ملف النفايات من قبل المعنيين والحكومة اللبنانية فهم لا يبحثون عن حلول استراتيجية لمعالجة النفايات، لا بل على طرق لاستثمار هذا الملف واستخدامه بأغلى الكلفات الممكنة بحثاً عن الاستفادة والعمولات والسمسرات، فلو بحثوا عن حلول لأخذوا برأي كل العاقلين في البلد وتم اعتماد الإدارة المتكاملة للنفايات. فيتم إنشاء مركز للفرز وتتوزع ما بين التدوير والتسبيخ والمعالجة وهكذا يتم التعامل مع النفايات بطريقة بيئية سليمة واستراتيجية واضحة قابلة للتطور وبأقل تكلفة ممكنة أي بكلفة تعادل 10/1 من الأرقام التي يتم التداول بها ويقول: لم يأخذوا بالخيارات البيئية السليمة وحصروا أنفسهم في بداية الأزمة في خيارات غير مدروسة وعالية الكلفة.
وبعد فشل خياري الطمر والحرق، لجأت الجهات المعنية إلى خيار ترحيل النفايات وهو الخيار الأصعب.
ويرى قديح بأنه لا يوجد شيء اسمه ترحيل إنما تصدير، والتصدير يرتكز على ضوابط وقوانين تنص عليها اتفاقية بازل، ولبنان طرف فيها، وبالتالي عليه الالتزام بكل تفاصيل هذه الاتفاقية.
وعليهم أن يعلموا بأن النفايات ليست بضاعة، لا بل لها ضوابط دقيقة جداً ومحددة في اتفاقية بازل، وهي اتفاقية تم توقيعها لضمان عدم استغلال الدول المتقدمة للدول النامية بأن تصدر الأولى النفايات الضارة للأخيرة.
ويضع قديح عدداً من الملاحظات حول خيار ترحيل النفايات:
أولاً: كي نتمكن من بحث تصدير النفايات إلى بلد آخر خارج لبنان، هناك شروط في اتفاقية بازل تنص عليها المادة الخامسة وهي أنه كي نستطيع أن نصدر النفايات علينا أن نكون عاجزين عن معالجتها. يعني لبنان يجب أن يعلن عجزه التقني كي يلجأ إلى خيار الترحيل. المعنيون بنوا هذا الخيار على عجزهم السياسي والفشل في تمرير خطة استراتيجية للتعامل مع النفايات، وهذا ينم عن عجزهم وحدهم. إذن مبرر البحث في الترحيل ساقط من حيث المبدأ مقارنة بما نصت عليه اتفاقية بازل لأننا لسنا عاجزين.
ثانياً: لنفترض أننا عاجزون عن معالجتها ونريد أن نصدرها، فالتصدير عادة يحصل عبر الدول وليس شركات، وهذه الشركات لا ندري من يرعاها ويشرف عليها وما إذا كان لها فروع في لبنان أو ممثلون لها.
إذن قرار التصدير يجب أن يتم بين دولة التصدير ودولة الاستيراد، أي الدولة التي ستستقبل النفايات بحسب اتفاقية بازل. لذا على وزارة البيئة أن تملأ ((الإخطار)) أي المعلومات عن هذه النفايات وترسله بشكل رسمي إلى الجهة المعنية في دولة الاستيراد وعلينا أن ننتظر الموافقة في مهلة لا تتجاوز الـ60 يوماً.عندما نستلم الموافقة تتولى إحدى الشركات عملية النقل، فالعلاقة القانونية هي بين دولة التصدير (لبنان) ودولة الاستيراد (×).
ثالثاً: إذا اعتبرنا أن دولة الاستيراد التي تريد أن تستورد النفايات هي عضو في اتفاقية بازل، علينا أن نستخدم التفاصيل التي تكلمنا عنها في ظل مراقبة وإشراف اتفاقية بازل، يعني علينا أن نخبر سكرتاريا اتفاقية بازل بكل ما يحصل.
أما إذا كانت دولة الاستيراد غير عضو في اتفاقية بازل مثل أنغولا التي يتم تداول اسمها في الآونة الأخيرة، بهذه الحالة لا يمكن أن يتم تصدير النفايات إلى أنغولا وإلا يعتبر لبنان ممارساً للتصدير غير الشرعي.
رابعاً: بالنسبة لشروط التصدير، عملية التصدير تتطلب توضيب النفايات وتحضيرها لنقلها عبر الباخرة، يعني عليهم أن يفتحوا معامل الفرز ليعملوا بها ويفرزوا من خلالها مثل العمروسية وغيرها. هل يسمح فتح هذه المعامل بهذه الحالة ويمنع فتحها في حال قررنا العمل بها لفرز النفايات محلياً وإعادة تدويرها؟ وهذه العملية تكشف النوايا والدوافع المبيتة لدى الجهات المعنية.
خامساً: الإدارة المتكاملة للنفايات يجب ألا تكلف أكثر من 50 دولاراً أمريكياً للطن الواحد من كنس وجمع ومعالجة لأننا سوف نسترجع من النفايات كلفتها الأساسية من خلال التدوير.
في حين أن الجهات المعنية توجهت نحو التكلفة العالية والتي وصلت إلى 220 دولاراً للطن الواحد، وهنا تكمن الجريمة الأولى بالكلفة وبعد أن نهضمها سيرمون لنا التكلفة الأكبر.
ووسط هذه الأرقام العالية وغير المبررة، فإن عملية الترحيل لن تشمل كل النفايات التي توجد في لبنان، فالنفايات الخطرة ستبقى في لبنان، وعصارة النفايات ستبقى أيضاً وهذا ما يشكل خطراً مضاعفاً على البيئة. ويقول قديح: الوزير أكرم شهيب قال إنهم سيفعلون بالعصارة كما كانت تفعل ((سوكلين))، ((سوكلين)) كانت ترمي العصارة في البحر، فهل سيفعلون كما فعلت ((سوكلين))؟
ويختم قديح بالقول: هل لبنان عاجز تقنياً عن معالجة النفايات، أم أن العجز سياسي وإداري واستراتيجي عند الحكومة والجهات المعنية، إذا كان السبب سياسياً فليذهبوا إلى منازلهم ويفسحوا المجال للناس لتعمل بهذا المجال وتجد حلاً لأزمة النفايات.
aXA6IDMuMTQ0LjEwMy4yMCA= جزيرة ام اند امز