الشعب الإيراني سيدرك أن المنع لم يكن من الجانب السعودي، كما يزعم نظام طهران، خاصة مع وصول بعض أبناء جلدتهم من دول أخرى إلى السعودية
اتخذت السلطات الإيرانية قرارا بمنع مواطنيها من أداء مناسك الحج لهذا العام، على الرغم من أن الحكومة السعودية حلت جميع الإشكالات التي كانت تزعم طهران أنها تعوق تمكن المواطنين الإيرانيين مِن أداء هذه الشعيرة العظيمة، ولهذا أصبح موقف النظام الإيراني بعد بيان وزارة الحج والعمرة السعودية مرتبكا ومتضاربا في تبريرات المنع، وخاصة بعد أن غادر الأراضي السعودية للمرة الثانية دون توقيع المذكرة الخاصة بذلك.
المتابع لوسائل الإعلام الإيرانية خلال الفترة الماضية، يلحظ أن النظام الإيراني قد رصد رغبة شعبية لأداء مناسك الحج هذا العام، خاصة أن المملكة قد أعلنت عن استعدادها لاستقبال الحجاج الإيرانيين القادمين من دول أخرى.
من هنا تم ملاحظة قيام سعيد أوحدي رئيس منظمة الحج والزيارة الإيرانية بتكثيف تصريحاته حول الموضوع، والتأكيد على أن السعودية لن تستقبل الحجاج الإيرانيين القادمين من دول أخرى، ولن تمنحهم تأشيرات، وأن التأشيرات إلكترونية ومرتبطة بالدولة التي يحمل الحاج جنسيتها، وهذا إجراء إلكتروني لا تستطيع السعودية تعديله، على حد زعمه.
أيضا حاول تحذير الحجاج الإيرانيين من السفر لدواعي أمنية وعزف على حادثتي سقوط الرافعة وتدافع منى، وقال إن من حق أي دولة الخشية على مواطنيها وبالتالي منعهم من السفر، خوفا على سلامتهم.
لكن الواقع يتناقض تماما مع التصريحات الإيرانية، فخلال الأيام القليلة الماضية كشفت وزارة الحج والعمرة السعودية عن استقبال الحجاج الإيرانيين الذين وصلوا من بعض دول العالم، وهم يتمتعون بالخدمات الذي تقدمها الحكومة السعودية، أسوة بالجنسيات الأخرى.
إن وصول بعض الحجاج الإيرانيين القادمين من دول غربية أصبح واقعا على الأرض، وبالتالي فإن الموقف الإيراني المرتبك يظهر في نظري أمرين رئيسين: أولهما: أن هناك ضغوطا شعبية إيرانية وربما من رجال الدين والحوزات العلمية في "قم"، وربما أيضا من مؤسسات الطوافة حول موضوع الحج، ولكنها لم تظهر إلى السطح.
وثانيهما: أن الحكومة تخشى من كسر قرار منع الحج شعبيا عبر السفر إلى دول أخرى واستخراج التأشيرات من هناك، وهذا سينعكس على هيبة النظام الإيراني في الداخل، ومواقف الشعب الإيراني من تصرفات حكومته في المنطقة والعالم.
تبقى أن يدرك الشعب الإيراني أن النظام في طهران يستغل الشعائر الدينية لأهداف سياسية بحتة، وكما كان يستغل هذه الشعيرة لإثارة البلبلة ومضايقة حجاج الدول الأخرى عبر إقامة المظاهرات والمسيرات ورفع الشعارات السياسية خلال موسم الحج، فها هو الآن يحول دون قيام مواطنيه من كبار السن الذين ادخروا الأموال لسنوات طويلة لأداء هذه الشعيرة، دون أن يكترث لتحقق آمالهم وأشواقهم لزيارة بيت الله ومسجد رسوله.
أما نظام طهران، فإنه إذا ما أصر على قرار منع المواطنين من الحج، فسيجد نفسه في موقف أكثر إحراجا في مواسم الحج القادمة، لأن الشعب سيدرك يوما تلو الآخر أن المنع لم يكن من الجانب السعودي كما يزعم النظام، خاصة مع وصول بعض أبناء جلدتهم من دول أخرى إلى السعودية واستقبالهم كبقية الحجاج من الجنسيات الأخرى بكل حفاوة وترحيب، لأن المملكة لا تخلط بين النظام الحاكم في طهران والشعب الإيراني المغلوب على أمره، وبالتالي من المتوقع أن يسعى الإيرانيون إلى السفر إلى دول مجاورة، ومن هناك يتقدمون للحصول على تأشيرة حج، ويتجهون إلى الأماكن المقدسة، وهذا الأمر له سابقة تاريخية أيضا، فعندما تم قطع العلاقات السعودية الإيرانية في أربعينات القرن الماضي، كان الحجاج الإيرانيون يتجهون إلى الهند ولبنان ومصر، ومن هناك إلى السعودية، فهل سيعيد التاريخ نفسه؟ شخصيا أعتقد ذلك.
*نقلا عن جريدة "الوطن أون لاين"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة