ان اقرب الأوصاف لهذه الحالة إننا أصبحنا شعبا لديه رغبة شديدة في تدمير نفسه
بعيدا عن الشعارات البراقة والأغانى الكاذبة والمشاعر المزيفة أقول ان صورة المصريين الآن امام أنفسهم وأمام العالم لم تصل يوما إلى هذه الدرجة من القبح ومن أراد ان يعرف حقيقة ذلك كله عليه فقط ان يقرأ البذاءات والشتائم ابتداء بمواقع التواصل الاجتماعى وانتهاء بالاكاذيب التى تنطلق كل ليلة على الفضائيات .. ان صورة مصر التى يحملها الآن بعض أبنائها تعكس حالة من الكراهية والحقد لنفوس مريضة وتحتاج علاجا نفسيا في اقرب المصحات ..
ان اقرب الأوصاف لهذه الحالة إننا أصبحنا شعبا لديه رغبة شديدة في تدمير نفسه .. والأمر الغريب ان البعض يتساءل هل هذا هو الشعب الذى خرج يوم 25 يناير واطاح بنظام فاسد مستبد وهل هو نفس الشعب الذى تخلص من هيمنة الاخوان المسلمين بعد عام من الفشل والانقسامات وغياب الرؤى وهل هذا هو الشعب الذى اختار ان يغير حياته ويواجه كل الوان الفساد التى حاصرته زمنا طويلا ما بين تجار الاراضى وسماسرة الدين وباعة الأوهام للبسطاء والفقراء من ابناء هذا الشعب
أقول ان صورتنا قبيحة وعندى من المشاهد والمواقف ما يملأ الصفحات هل يعقل كل هذا الهجوم الوقح الضارى على الجيش المصرى.. هل يدرك هؤلاء ان هذا الجيش هو تاج مصر الحقيقى امام باعة الاوهام والأفكار وتجار الضلال هذا الجيش ليس جيش المماليك لأن فيه ابن الفلاح والعامل والمثقف كيف انطلقت هذه البذاءات تهين جيش مصر وتحرض الشعب على جيشه ما ذنب الجيش اذا كان هو المؤسسة الوحيدة التى بقيت في مصر ثلاثين عاما لم تسكنها الخفافيش وحافظت على انضباطها وتماسكها ولم تتسرب إليها أشباح البيروقراطية المصرية العتيقة..ما ذنب هذا الجيش اذا كان قد حافظ على انجازاته ولم يخضع لفساد السلطة وجشع رجال الاعمال وفساد الجهاز الادارى لدولة تحنطت وترهلت عشرات السنين..
اذا كان بعض الجهلاء يهاجمون الجيش عن جهل فماذا عن هؤلاء الذين يحملون لواء الثقافة من الفنانين والمذيعين وأصحاب الرأى اذا كانت هذه البذاءات تخرج من نفوس مريضة فماذا عن هؤلاء الذين يدركون قيمة وتاريخ هذا الجيش..ان جيش مصر هم هؤلاء الشهداء الذين تسيل دماؤهم كل يوم على تراب سيناء من اجل وطنهم..ان آخر هؤلاء الشهداء كان عريسا مضى على زفافه عشرة ايام فكيف تنطلق هذه البذاءات إلى اشرف واغلى الدماء .
هناك أخطاء جسيمة وهناك فساد مقيم والناس استباحها الفقر والجوع والمرض وتعليم فاسد وملايين المرضى على الطرقات ولكن السؤال هل كان ذلك بسبب الجيش الذى حافظ على تماسك قواته لأنها اخر ما بقى لنا من الحصون..ان الأخوان كانوا ومازالوا على عداء مع الجيش وهذا خطأ تاريخى للأخوان انهم تصوروا انفسهم الجيش والشعب والدين والدنيا وخسروا كل هذا..ان عداء الاخوان للجيش هو الجريمة الاولى في مواقفهم وللأسف الشديد ان الخطأ تكرر وانهم لم يتعلموا من دروس الماضى..وقفوا ضد جيش بلادهم طوال تاريخهم وتصوروا انهم قادرون على تصفيته واحلال الميلشيات الدينية مكانه وهذا وهم ساذج..ان فصائل الاخوان التى انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعى تشوه في صورته وتعبث بتاريخه وتكمل مشوارها القديم في هذا العداء السافر لجيش مصر والغريب في الامر ان ينساق بعض الشباب في مسلسل هذا العداء البغيض ويشنون حملة رعناء على جيش مصر. ان هذا الجيش هو اخى وابنك واخوك وهؤلاء المجندون الذين يموتون في سبيلنا من اجل حمايتنا لم يأخذوا شيئا ولم يحققوا المكاسب كما يتصور البعض انهم يؤدون الخدمة العسكرية وقد يعودون إلى اهليهم وقد ينضمون إلى فصائل الشهداء فهل هذا جزاء الوفاء والشهادة
والله انه عار علينا ان نشوه صورة جيشنا بهذه الصورة المخزية هل نلوم الجيش لأنه يوفر السلع الغذائية للمواطنين ويحميهم من جشع المرابين والسماسرة والتجار ان رحلة الإنتاج بدأت مع الجيش من سنوات حين قرر ان يوفر الغذاء والطعام والأمن لرجاله وهذا حقه حتى لا يترك جنديا على الحدود فى حرارة الشمس وليس معه زجاجة ماء..استطاع الجيش ان يوفر كل متطلبات جنوده فى حين كانت حكومات الإستبداد وعصابة رجال الأعمال تتاجر فى دم هذا الشعب وتبيع له السلع المسرطنة والسموم فى الدواء والعلاج ورغيف الخبز..هل نلوم الجيش لأنه اقام مصانع الأسمنت لكى يواجه جشع تجار المخدرات ومن نهبوا اموال الشعب تحت شعار الخصخصة ثم باعوها للأجانب امام حكومات فاسدة ومتواطئة وحكام اعماهم الفساد..هل نلوم الجيش إذا قرر ان يوفر لبن الأطفال ليواجه مؤامرات تجار السوق السوداء ويحمى الغلابة من سفه السماسرة..فى إحدى صفقات الدواجن المستوردة عن طريق سماسرة القطاع الخاص من دولة اوروبية اتضح ان الأسعار مرتفعة للغاية واستورد الجيش الدواجن من نفس النوع ونفس المورد ونفس المواصفات بنصف الثمن هل نلوم الجيش ام نسجن تجارنا اللصوص..
إذا كان هناك عداء تاريخى بين الجيش والإخوان المسلمين فهناك فصيل آخر من رجال الأعمال يحملون نفس الكراهية لجيش مصر..وعندى هنا حكاية سمعتها من صديق عزيز راحل ان الأمريكان طلبوا من الرئيس الراحل انور السادات قبل ان يوقع اتفاقية كامب ديفيد للسلام مع إسرائيل ان يضع بعض الضمانات الأمنية والإقتصادية لحماية السلام وكان الحل الذى طرحوه إقامة طبقة من رجال الأعمال والأثرياء لكى تكون نقطة التوازن بين الجيش والقوى الأخرى فى المجتمع ولعل هذا ما يبرر موقف رجال الأعمال الأن من دعم الموقف الإقتصادى فى الظروف الحالية وهذه السلبية التى يواجهون بها نظام السيسى وحكومته.
هل يعقل ان ينجح الإخوان المسلمون فى جمع هذه الحشود على مواقع التواصل الإجتماعى فى الهجوم على الجيش وإشعال الفتن بين الشعب وجيشه لمجرد ان الجيش يحاول ان يوفر بعض السلع ويواجه بعض الأزمات..اننا نعلم المؤامرات التى تدبر ضد مصر وجيشها الأن فهو الجيش الوحيد الذى حافظ على قدراته وإمكاناته رغم انه يحارب منذ سنوات فى سيناء وعلى حدودنا الغربية وعلى امتداد البحر المتوسط وحشود الإرهاب القادمة من سوريا والعراق وليبيا..إذا كان القطاع الخاص يرغب فى العمل والإنتاج فلا اعتقد ان الجيش يمكن ان يقف فى طريقه ولتكن المنافسة هى نهاية المطاف لأن المواطن هو المستفيد فى ظل ذلك كله.
إذا كان القطاع الخاص ورجال الأعمال قد اعتادوا على سياسة الإحتكارات الكبرى والزواج الباطل بين السلطة ورأس المال فإن دخول الجيش الى اسواق المنافسة سيكون لصالح المواطن فى النهاية..انه ليس عمل الجيوش التى تمثل الحماية ولكن ماذا نفعل امام اجهزة إدارية فسدت وترهلت فى عهود النهب والسرقة واخرجت لنا فصائل من رجال الأعمال يرفضون الأن تقديم اى دعم للدولة وهى تواجه ازمة اقتصادية حادة..هناك مصانع اغلقت ابوابها وسرحت عمالها..وهناك من قاموا بتهريب اموالهم للخارج وهناك من يتاجرون فى العملة حتى وصل سعر الدولار الى ارقام غير مسبوقة وهناك حكايا الفساد فى القمح والزراعة والأراضى وامام حكومة لم تحسم شيئا كان قرار الجيش ان يوفر للشعب شيئا من احتياجاته..
وسط هذا الإرتباك الحكومى وموجات الكراهية والغضب التى يبثها إعلام الإخوان فى الخارج معتمدا على الأكاذيب وتشويه صورة الجيش وهو يشارك فى بناء وطن وشعب جديد تحولت صورة مصر امام العالم الى مأساة درامية امام نفوس مريضة اعماها الكذب وضللتها المطامع..اتعجب كثيرا وانا اشاهد ابناء مصر وهم يتسابقون امام العالم من منهم يكون اكثر ندالة واكثر كراهية لها ولشعبها..اتعجب من اسماء تحمل اسم فنان او مذيع او إعلامى او مثقف وهم يطلقون الشتائم على جيش مصر حصنها الأمن وملاذها الوحيد..من أين خرجت كل هذه الأشباح واى ارض طيبة انجبت هذه النفوس الوضيعة التى باعت نفسها للشيطان..
من أين خرج علينا هذا المستنقع الرهيب من الشتائم والبذاءات كان الجيش فى يوم من الأيام من الأماكن التى احتلت موقعا خاصا فى ضمير المصريين تقديرا وحبا حتى فى لحظات الشدة وكان دائما فخرا لنا حتى فى لحظات انكساره كما حدث فى عام 67 ولم يفرط المصريون يوما فى هذه العلاقة بين الشعب وجنوده..هل يمكن ان تصل بنا صراعات السياسة الى هذا المستوى من الإنحطاط فى الأسلوب والحوار والشتائم..هل يمكن ان تصل معارك الوصول الى السلطة الى هذا المستوى المتدنى فى الكلام والحوار والشتائم من أين جاءت هذه اللعنة التى شوهت صورتنا امام العالم وجعلت الفضائيات اسوأما أخذنا من الإعلام وفضائحه.
ان جيش مصر اكبر من تفاهات الحاقدين ولكن المؤلم فى هذه القضية اننا ندمر قدراتنا بأيدينا ونشوه اجمل ما فينا ان هذا الجيش صنعته مصر على عينها وهو مصدر فخر واعتزاز وحماية لنا ولا يعقل ان نهين رموزه ومنهم من سكن قلوبنا حبا وعرفانا ابتداء بعرابى وعبد المنعم رياض ومحمد فوزى والشاذلى واحمد إسماعيل وبدوى وصادق والجمسى وآلاف الشهداء الذين طهروا ترابنا من رجس الغزاة المعتدين..لا ينبغى ان يحرق الحقد اشجارنا العتيقة ويشوه فى قلوبنا صور الولاء والتضحية والفداء هناك قوى كثيرة تهدد امننا وحياتنا واستقرارنا وهى تطاردنا فى الأمن والرزق والكرامة ولا ينبغى ان نفرط ابدا فى كل ما هو عظيم ورائع فى وطن جدير بالحب والولاء.. ان خفافيش الكراهية الذين يهاجمون جيش مصر لا يدركون حجم جرائمهم لأن هذا الجيش هو مصدر الحماية حين تختلط الأوراق وتتوه الطرق ويصبح التراب اطهر واغلى ما يملك الإنسان..الأوطان ليست لعبة والشعوب ليست مغامرة والجيوش ليست ساحة السفهاء.
..ويبقى الشعر
ركبُ الزمان ِ يطوف فى عبراتى
وأنا أراكَ تطل مـن عرفـــــــاتِ
وأمامكَ التاريخُ يسجـــدُ خاشعــــًا
والحقُ حولـَكَ شامـخُ الرايـــــاتِ
وتودعُ الدنيا بوجــهٍ مشـــــــــرق ٍ
فيه الجلالُ .. ونبلُ كلِّ صفـــــاتِ
تبكى الجموعُ وأنتَ تهمسُ بينهـــا
قد لا أراكم فى الحجيـِــــج الآتـى
لكننى أودعــــــتُ فى أعناقكــــــــم
قرآنَ ربى .. سيرتى وحيـــاتــــى
لا لن تضلوا إن تمسكتــــــــم بـــــه
فخلاصُ هذى الأرض ِفى آياتى
ويطلُ وجُهكَ خلف ستر ٍ خافــــــتٍ
فترى حشودَ الحق ِ فى الصلـواتِ
وترى الوجوهَ وقد أضاءَ جلالـُهـــــا
والدهرُ يكتبُ أقدسَ الصفحـــاتِ
وتصيحُ فيهم أن غــاية َ ديننـــــــا
طهرُ القلوبِ ورفعة ُ الغايــــــاتِ
فجرُ الضمير رسالتى لا ترجعوا
للكفر بعدى .. فى ثياب طغـــــاة ِ
لا تقربوا الأصنامَ بعدى إنـــــــها
بيتُ الضلال ِ.. وآفـُة الآفـــــــاتِ
ولتعْبدوا الرحمنَ ربًا واحــــــــدًا
فعلى هداهُ تفجرتْ صيحـــاتـــــى
الله خالقُ كل شىء فاجمعــــــــوا
أشلاءَكم بالحق ِ والرحمـــــــــاتِ
وحدتُ أشلاءً .. جمعتُ شراذمـــًا
وجعلتُ من طلل ِ الشعوبِ بُنـَاتى
الظلمَ فى ركبِ الحيـــاةِ ضلالــــة ٌ
والعدلُ نورُ اللهِ فى الظلمـــــــاتِ
والذْمُ فى وجهِ الحيــاة جريمــــــة ٌ
وتميمة ٌ للرجس ِ واللعنـــــــــاتِ
والحقُ أولى أن تـُصانَ حصـــونـُه
ليظلَ تاجَ الأرض ِ والسمــــــــــــواتِ
والأرضُ عرضٌ والدماءُ محــــارمٌ
ونقاءُ مال ِ المرءِ بالصــدقــــــــــــاتِ
حرية ُ الإنسان ِغايـــة ُ ديننـــــــــا
وطريقـُنا فى كل فجــــــــــــر ٍ آتـــــى
ونساؤكم فى كل بيتٍ رحمــــــــــة ٌ
تاجُ العفافِ وسَــــامُ كل فتــــــــــــــاةِ
والعدلُ دستورُ الحياةِ فإن مضــى
هَرعتْ حشوُد الظلـــم ِ بالويــــــــلاتِ
والحكمُ عدلٌ والشرائعُ حكمــــــة ٌ
والنفسُ عنــدى أكبـــــرُ الحرمـــــاتِ
أهلُ الكتابِ لهم حقوقٌ مثلنـــــــا
فى الأمن ِ.. فى الأوطان ِ ..فى الصلواتِ
اللهُ ساوى الخلق وحد بينهـــــــــم
فى العيش .. فى الأنسابِ .. فى الدرجاتِ
أما الحياة ُوديعة ٌفى سرهــــــــــا
هل يستوى الأحياءُ بالأمــــــــــواتِ ؟
ويلٌ لأرض ٍ ماتَ فجرُ ضميرها
موتُ الضمائِر قمــــــــة ُ المأســـــاة ِ
لكننى أيقنتُ أن رسالتــــــــــــى
فيها الهدى من خالق ِ السمـــــــواتِ
بلـّغْتُ يا اللهُ فاشهد أننــــــــــــــــى
لم أنسى حق رعيتى ورُعاتـــــــــــى
زوروا المدينة َ.. وأذكرونى عندها
من زار قبرى صافحته حياتـــــــــــى
أنا لم أكن إلا رسولا ً قد خلـــــــتْ
قبلى رسالاتٌ وهدىُ عظــــــــــــــاتِ
بشرٌ انا .. ما كنتُ ربًا بينكــــــــم
بل كنت فجرًا لاح فى لحظـــــــــــــاتِ
وأفاضَ فى الدنيا .. وأيقظ َأهلهـــا
بالحق ِ.. والَتـَنزيل ِ .. والآيـــــــــــاتِ
فإذا بدا فى الأفق ِغيـــمٌ عابــــــثٌ
صلوا على .. وأكثروا الصلــواتِ
«من قصيدة على باب المصطفى سنة 2010»
*- نقلاً عن جريدة الأهرام
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة