لقاء رئيسا برلماني ليبيا.. تغيير لـ"خريطة المصالح" وتدشين مفاجئ للحوار المباشر
صالح وأبو سهمين التقيا لأول مرة منذ أكثر من عام
لقاء رئيسا برلماني ليبيا لأول مرة منذ أكثر من عام يعكس تدشين مفاجئ لمرحلة الحوار الليبي المباشر ويغير خريطة المصالح.
رفض رئيسا برلماني ليبيا المتنافسان اتفاق سلام برعاية الأمم المتحدة، وذلك قبل توقيع أعضاء عن البرلمانين عليه، كما هو مقرر اليوم الأربعاء، مما يسلط الضوء على الانقسامات الغائرة التي تمثل تحديًا للجهود الدولية لوقف القتال.
واجتمع الاثنان أمس الثلاثاء للمرة الأولى منذ آخر نشوب للقتال قبل أكثر من عام ووصفا اللقاء بأنه تطور يظهر تقدمًا، لكنهما قالا إن القوى العالمية فرضت الاتفاق وطلبًا مزيدًا من الوقت لوضع مبادرة ليبية.
ويعكس اتفاق رئيسا برلماني ليبيا على رفض الاتفاق ولقائهما الأول تدشين مفاجئ لمرحلة الحوار الليبي المباشر الأمر الذي يزيد من تغيير خريطة المصالح في ليبيا.
فقد كان المؤتمر الوطني العام هو الجسم الشرعي في غرب البلاد، وله حكومته التي تدير أعمال الدولة على الأراضي التي تحت سيطرته، وعلى الطرف الأخر من شرق البلاد كان البرلمان يمارس دوره كجسم تشريعي وشرعي آخر، و له أيضًا حكومته التي تسير أعماله، وبين هذا وذلك كانت الأمم المتحدة عبر مندوبها السابق برناريدنو ليون والحالي مارتن كوبلر تعمل على محاولة إيجاد صيغة لتقليل الهوة بين الطرفين، وذلك عبر ما عُرف بمباحثات الصخيرات، لتنتهي الأمور عند المندوب الأممي السابق باقتراح حكومة يرى بأنها توافقية.
ولكن على الأرض لم يبدو الأمر كما يصفه؛ إذ لم يكن هناك الإجماع والتوافق المأمول بين طرفي النزاع على هذه الحكومة، فلم يجمع عليها كل أعضاء المؤتمر، ولا كل أعضاء البرلمان، وبقى الأمر في أخد ورد حتى انتهت مهمة ليون، ويأتي خليفته الألماني مارتن كوبلر كمبعوث أممي جديد لاستكمال مهمة تقريب وجهات النظر، وبالفعل استهل هذه المبعوث تصريحاته بأنه سيسير على خطى سلفه برناريدنو ليون، وسيستكمل ما كان قد بدأه ما أعطى انطباعًا مشوبًا بالحذر لدى كلا الطرفين النزاع.
في الأثناء، كان هناك حراك آخر يجري في الظل ودون أي ضجة إعلامية ليصدر عنه، وفي ساعات متأخرة من الليل إعلان مبادئ بين الطرفين من خلال مفاوضات بين وفد من كل من المؤتمر والبرلمان كانا قد التقيا بشكل مباشر ودون وجود أي وسيط ثالث، لتكون المفاجأة للأمم المتحدة التي وجدت نفسها في مفترق طرق بين السير مع هذا اللقاء المباشر وما صدر وسيصدر عنه، وبين ما كانت تسير عليه مع وفدين يمثل كل منهما طرفي النزاع وتحت رعاية أممية والإعلان عن الحكومة المُقترحة من المبعوث السابق ليون.
هنا ازدات الأمور تداخلاً، وبدأ ظهور خيوط جديدة، وبرز على السطح أسماء عديدة، في الوقت الذي كان فيه النزاع بين طرفين يرى كل منهما أنه شرعي ويمتلك مبررات شرعيته، ولا يرى أي أهمية وشرعية لوجود الأخر، نجد أمامنا الأن من يرى بأن لقاء الفرقاء بتونس ودون أي وسيط ثالث هو اللقاء الوطني، والذي وصف بالليبي ليبي وأن هذا هو الطريق الذي سيصل بالبلاد إلى بر الأمان، وهذا ما وضع الأمم المتحدة في موقف مُحرج والتي كانت تعمل منذ شهور على إيجاد أي صيغة للتقريب بين من التقيا بدونها، فيما يذهب سياسيون آخرون نحو الاستمرار، فيما تعمل عليه الأمم المتحدة ويعتبرون أنفسهم جزء منه، وأن الحكومة المنبثقة عن هذه المباحثات هي المخولة بتسيير شؤون البلاد.
يأتي مؤخرًا ما فتح دهاليز أخرى لطبيعة الصراع السياسي في ليبيا، فاللقاء الذي تم بين رئيس المؤتمر الوطني العام نوري أبوسهمين وعقيلة صالح رئيس مجلس النواب جعل الصورة تبدو أكثر تلونًا؛ إذ أن كل منهما وتلميحًا أحيانًا وتصريحًا في حين آخر أثناء المؤتمر الصحفي الذي عُقد بينهما في العاصمة المالطية فاليتا ذكرا أن من يجلس مع الأمم المتحدة الأن، ويستعد لتوقيع الاتفاق لا يمثل أي منهما، ولا يمثل إلا نفسه "على الرغم من أنهما أعضاء في المؤتمر والبرلمان".
فيما نجد أن مخرجات اجتماع روما الدولي تدعو إلى دعم الحكومة التوافقة المقترحة من الأمم المتحدة والتوقيع عليها من قبل الممثلين عن طرفي النزاع، والذين كان قد سُحب منهم هذا التمثيل "على الأقل عبر تصريح رئيسي المؤتمر والبرلمان" وهذا يجعل المشهد أكثر تعقيدًا.
بعد أن كان الصراع بين المؤتمر الوطني العام و بين البرلمان، بات يأخذ اليوم منحًا آخر؛ لنجد أن الصراع قد أصبح بين مَن مع الحوار الليبي الليبي ودون وسيط، وبين من هو مع الحوار بوساطة أممية ومع الحكومة المُقترحة والمنتظر الإعلان عنها يوم الخميس بعد أن كان مقررًا لها يوم الأربعاء.
يستمد اللقاء الأخير بين أبوسهمين وصالح أهميته من أنه كان بين رأسي طرفي النزاع من جهة، وكونه الأول مُذ انفجرت الأزمة من جهة أخرى، خصوصًا أن المفاوضات السابقة كانت بين وفود وبشكل غير مباشر، واعتمد الحوار فيها على ما ينقله المبعوث الأممي بين الطرفين، كذلك جاءت هذه أهمية هذا اللقاء من سرعة الاتفاق على تأسيس لجان تعمل في أسرع وقت على تحديد وحل المشاكل والقضايا العالقة بين الطرفين، وأن يتوصلا إلى تشكيل حكومة وصفت بأن تكون وطنية تصدر عن كلا الطرفين ودون تدخل أي طرف ثالث.
وسط هذا الزخم من الأحداث وتسارع وثيرة ردود الأفعال من جميع الأطراف، نجد البعض ذهب إلى وصف ما قامت وتقوم به الأمم المتحدة يندرج تحت ما أسماه بمؤامرة الغرب لإطالة أمد الأزمة في ليبيا، وأن موقف الأمم المتحدة غير موضوعي من اللقاء التقاربي الذي حصل بين الليبيين بشكل مباشر وبدون رعايتها، وأنه مدعاة للاستغراب بأن تتعامل بشكل إيجابي مع من يجلس معها للحوار فيما ردة فعلها كانت سلبية تجاه اللقاء الذي تم بشكل مباشر بين طرفي النزاع، فيما يعتقد البعض الآخر أن اللقاء الليبي الليبي الذي تم بين الطرفين بشكل مباشر سواء في تونس أو في مالطا يأتي أيضًا ضمن تغيير حسابات المعادلة المرتبطة بلغة المصالح بين طرفي النزاع، خصوصًا أنه تأخر لأكثر من سنة، ولم تتسارع وتيرته إلا بعد ما اقترب موعد إعلان الأمم المتحدة للحكومة المقترحة.
يبقى الترقب سيد الموقف تجاه ما ستحمله الأيام القادمة من أحداث، فهل ستكون الكلمة الفصل للأمم المتحدة من خلال فرض الحكومة المُقترحة على طرفي النزاع في ليبيا؟ وإلى أي مدى ستكون هذه الحكومة قادرة على العمل وسط هذا الجبل من الأزمات التي تعانيها البلد؟ وهل سيكون هناك سلاسة وانسياب في عملية استلام سلطتها، أم القواسم المشتركة بين طرفي النزاع ستوحد كلمتهم وتجعلهم في مواجهة مع الحكومة الجديدة، التي ذهب البعض إلى وصفها بحكومة وصاية طالما هي صادرة عن الأمم المتحدة ولم تأتي من الداخل الليبي.
aXA6IDMuMjIuMjQ5LjIyOSA= جزيرة ام اند امز