"وجهي ليس في المرآة" مسرحية تحاكي عدمية الواقع العراقي بعد الاحتلال
"وجهي ليس في المرآة" فانتازيا وشاعرية وتجريب ممزوجة في عرض مسرحي واحد للمؤلف الروائي والناقد عباس لطيف، ومن إخراج نغم فؤاد سالم.
"وجهي ليس في المرآة" فانتازيا وشاعرية وتجريب ممزوجة في عرض مسرحي واحد.
عرض يُدين عبثية الحروب بكلمات المؤلف الروائي والناقد عباس لطيف، ومن إخراج نغم فؤاد سالم.
المسرحية التي عرضت على المسرح الوطني في بغداد تشجب الواقع المكتظ بالعدمية والقبح بكل أشكاله، من فساد وزيف الواقع، وعسكرة الحياة.
وتسعى المسرحية لتفكيك اللحظة المأزومة في الواقع، لا سيما بعد إشكالية التحولات التي تراكمت بشكل سلبي بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، وما أفرزه من أشكال مشوّهة لديموقراطية متناقضة.
شارك في تجسيد الشخصيات الفنان خالد أحمد مصطفى، وسرمد أحمد، وكرار فؤاد سالم، وأسهمت في تعميق دلالات العرض مجموعة الكيرغراف واستثمار الجسد، بإشراف الفنان محمد عمر الربيعي وكرار نوشي ومصطفى داخل، وجسّدها مجموعة من الشباب الواعد بمسرح راقٍ يقدم فنًّا حديثًا يتماشى مع تطورات المشهد الثقافي في العراق وخارجه.
والعرض ينطوي على معالجة تعبيرية، ويبتعد كثيرًا عن المباشرة أو الواقعية الرثة أو التقريرية، لذا شاهدناه محلقًا في مساحات من الترميز والتأويل واستبطان الأزمة بطريقة مختلفة ..حيث يجد ثلاثة شخوص أنفسهم في مقبرة وقد تلقوا رسالة واحدة من امرأة، تَعِد كل واحد منهم بموعد غرام.. والشخصيات ليست غريبة عن بعضها، فهناك الشاعر الرومانسي الغارق في وهم الهجرة، والسيد المتشح باستبداد الآخرين، والخادم الذي يمسك بخيوط اللعبة، ويحدث الصدام والتماسّ والصراع بين هذه الشخصيات التي تنتظر امرأة هي أقرب إلى الوهم، ويتم الكشف عن قبح العالم واستعراض الزيف، وأفخاخ الخديعة، وضياع العالم، وفي الختام يتم استهداف وتفجير المقبرة.
تقول المخرجة نغم فؤاد سالم لـ"العين": "إن أحداث العمل تتم داخل مقبرة، وديكوراته من التوابيت، توابيت فوق توابيت، لكن أبطال عملي صنعوا من هذه التوابيت حياة داخل المقبرة".
و"نغم" هي ابنة المطرب العراقي المعروف فؤاد سالم، الذي اشتهر في السبعينيات، ويعد علامة فارقة في الغناء العراقي، وذاع صيته في الخليج بشكل كبير، ووالدتها الممثلة المعروفة مي جمال، وقد رحل الاثنان خارج العراق، وأهدت المخرجة العمل إلى روحيهما.
ويعد العمل "وجهي ليس في المرآة" هو التعاون الثالث بين الروائي والمسرحي والناقد عباس لطيف، والفنانة نغم فؤاد سالم، بعد أن قدما مسرحيتي "تراتيل الأحزان" في منتدى المسرح وفازت بجائزة أفضل عرض مسرحي، و"مرايا" التي حصدت ثلاث جوائز عام 2000.
يقول المؤلف عباس لطيف لـ"العين": "لم تعد الأعمال الواقعية صالحة لمواجهة واقع ملتبس وسريالي، لذلك كان عملنا ترميزيًّا وعلاماتيًّا، ويضيف.. اجتهدت المخرجة نغم فؤاد في تحويل النص إلى علامات وصور لتعمق من فلسفة العرض، واهتمت بالتكوينات وخلق موازين للتعبير عن أفكار ومضامين النص".
وأشار إلى دور الشباب من الممثلين، وسماهم "مجموعة الجسد"، وقال إن دورهم لم يكن دورا مكمِّلا أو مقحَمًا على بنية العرض، بل كانت محاولة لإيجاد نسق تعبيري وتجسيدي يعبر عن أعماق الشخصيات وصراعاتها الوجودية.
وكان هناك قصدية في توظيف السينوغرافيا والموسيقى لتعزيز فكرة العرض، وربما لأول مرة يشتغل العرض على فكرة الانتظار لكنه ليس انتظارًا ميتافيزيقيًّا أو ميثولوجيًّا، بل انتظار امرأة ليس بمعناها الاجتماعي، بل تحول انتظار المرأة إلى انتظار لفكرة الخلاص ورمزية الحرية التي لا بد أن تشعّ مثل طائر العنقاء الذي يتوهج رغم الحرائق ليحلق على رماده.
وبالفعل، فإن رمزية العرض، وصلت إلى الجمهور، ولم يبذل جهدًا في فك شفراتها، لأنها باختصار مرآة لحاله، وذاته، وهزائمه، وانكساراته، وهو يتوق إلى حرية بين أشلاء وطن يتمزق.