كتاب "خلافة داعش" لهيثم مناع يُشرّح جثث التنظيمات المتطرفة
الحقوقي والسياسي السوري هيثم مناع يختزل في كتابه المسألة "الداعشية"، ويحاول تحليلها ووضع الفرضيات وتقديم البراهين.
تنظيم "داعش" من "هجرات الوهم إلى بحيرات الدم"، من "صناعة التوحش" إلى "اضطرابات الرؤية وغشاوة البصيرة"، وصولًا إلى "شبكات التمويل والدعم".. ضمن هذه العناوين الأربعة الرئيسية يشرِّح ويحلل الحقوقي والسياسي السوري هيثم مناع في كتابة "خلافة داعش" التنظيم وعمله ووجوده.
في فترة وجيزة لم تكن كافية لنستوعب كنهها ونحلل ماهيتها أو نعيشها، أطلق "تنظيم داعش" نفسه وسط كثير من المتناقضات والأسئلة التي لم تعثر لها على إجابات بعد.
ولعل الجانب النظري في تحليل هذا التنظيم حاول، في الكثير من الأحيان، التطرق إلى عناصر معينة أو جوانب محددة مطروقة بكثرة، فالإعلام منذ أكثر من عشر سنين يخوض في أحوال التنظيمات المتطرفة حول العالم، لا سيما تلك التي تأخذ من الدين الإسلامي سبيلًا لها، بل وتسوّق لنفسها الدين خدمةً لما تقوم به، مسخّرةً في ذلك المال والبشر.
أما مجال الدراسة والبحث فلا يزال يراوح في مكانه بخصوص دراسة التنظيم، سواء "القاعدة" أو "داعش" أو غيرهما، كون أغلبية الدراسات والكتب التي صدرت إلى الآن أجنبية، فالجهد العربي في هذا المجال قليل، إن صحت العبارة.
الحقوقي والسياسي السوري هيثم مناع يختزل في كتابه المسألة "الداعشية"، ويحاول بأسلوب صحافي بحثي تحليل هذه المسألة ووضع الفرضيات دون نسيان الإتيان بالبراهين اللازمة، متعمّقًا بشكل محدود في قضايا كبيرة تتعلق بـ"داعش"، كأنه يطرح معلومته بسرعة في عصر السرعة.
يقسّم مناع كتابه هذا، الصادر في دولة الإمارات العربية المتحدة، دبي، عن مركز "المزماة للدراسات والبحوث"، إلى أربعة أجزاء، ضمن فقرات قصيرة تعطي المعلومة بيسر وسهولة.
يرى مؤلف الكتاب في الجزء الأول (من هجرات الوهم إلى بحيرات الدم)، أن العلاقة منذ البداية كانت وثيقة بين "القاعدة" و"داعش"، محللًا إياها بين قادة التنظيمين، منهم مَن ظل في "القاعدة"، ومنهم من انتقل. متطرقًا إلى موضوع البيعة بين الطرفين، وآلية تبعية كل منهما للآخر.
ولا تكتمل الصورة إلا عند الحديث عن سير شخصيات أسهمت في دفع عجلة التنظيمات إلى الأمام، فيقول مناع "لم يمتلك أبو مصعب الزرقاوي في جعبته السياسية والأيديولوجية ما يسمح له بدور مهم في مقاومة الاحتلال أو تقديم تصورات خلاقة لواقع ومستقبل الإنسان في العراق. وقد غطى ضحالته الفكرية بشراسته العسكرية" (ص 18)، ليؤكد توجه التنظيمات الإرهابية إلى عسكرة أعمالها وفكرها في ساحات القتال وترهيب الناس، دون وجود رسالة قيمية واحدة في منهجها.
ومن خلال خبرة المؤلف وزياراته إلى العراق، ضمن بعثات التحقيق، يورد أمثلة يستخلص منها معلومات مهمة تشكل العمود الفقري لكتابه، الذي صدر عام 2014.
وبين خلايا الزرقاوي وخلايا البغدادي تختبئ آلاف القصص التي يمكن أن تشكل المادة الخام لأي مجهود بحثي، وهذان الرجلان أسسا أكبر تنظيمين مسلحين في العالم، عاش العالم من خلالهما في رعب وترقب ولا يزال.
سيكولوجية التنظيمات الإرهابية
إن دراسة حياة الأردني أبو مصعب الزرقاوي، الذي أرسى شريعة القتل لأول مرة في عام 2004، عندما جز عنق أحد الرهائن الأمريكيين ويُدعى يوغين أرمسترونغ، تحيلنا إلى فهم سيكولوجية "القاعدة" قبل "داعش"، فمَن يقرأ عن "القاعدة" كمَن قرأ عن "داعش"، والعكس صحيح، بموجب الكتاب.
أما الآخر أبو عمر البغدادي، فكان فتاكًا بكل معنى الكلمة، إذ "لم يكن الجهاد على أجندة الحلقات التي أحاطت البغدادي بقدر ما كان التركيز على تشذيب العقيدة من البدع والدعوة لإلغاء تمدد الأذان والسنن القبلية في صلاة الجمعة وغير ذلك مما يعتبره السلفيون مخالفة للسنة النبوية" (26).
كما يعرّج مناع في عجالة على سيرة المثير للجدل أبو بكر البغدادي، الذي يعتمد في مشروعه على ستة عناصر هي الاستفادة من خبرة الضباط العراقيين من أبناء بلده، وتأمين موارد التنظيم (هناك فصل يتطرق إليه)، وكذلك دور الإعلام في الترويج للتنظيم، والتفاوض مع العشائر السنية، وأيضًا عدم التعاون مع التنظيمات التي تحث على قتله، وأخيرًا سحق المجموعات السنية التي تفكر في ضرب التنظيم.
وبهذه العناصر يمكن الانتقال إلى حياة كل من العراقي أبو عبد الرحمن البيلاوي (رجل العمليات)، والعراقي العقيد حجي بكر (اليد اليمنى للبغدادي)، ومواطنه أبو أيمن العراقي (من أهم مسؤولي "داعش" في سوريا)، وكذلك أبو علي الأنباري (الرجل الأمني الأول)، والسوري أبو محمد العدناني (رجل الإعلام)، إضافة إلى المصري أبو حمزة المهاجر (الذي شارك في بناء "القاعدة" في العراق)، وأبو عمر الشيشاني (مقرر مصير السجناء بين التوبة والإعدام).
وتتعدد القائمة إلى ضباط الجيش المنحل، كأبو لقمان (أمير "داعش" في الرقة)، وخلف الذياب الحلوس (ناقم على أبو لقمان لأنه أضاع عليه فرصة الإمارة)، وأبو عمر الملاكم (متخصص في التفجير عن بُعد)، وأبو ناصر الأمني (رجل القتل والدم)، وأبو عبد الرحمن الأمني (طالب زراعة اغتيل مؤخرًا)، وأبو علي الشرعي (عُرف بدمويته الشديدة)، وهؤلاء سوريون وعراقيون.
تبديد غموض مسألة "داعش" و"القاعدة"
كثُرت الأسئلة بشأن الرعب الذي يخلفه "داعش" على العالم، وراح المتابعون يغوصون في تساؤلات تبحث لها عن إجابات دامغة عن العنف والعدوانية والكره، وغيرها من المفاهيم التي سادت فلسفة الإرهاب.
وفي الجزء الثاني من (خلافة داعش)، يدرس هيثم مناع نوعًا ما العلاقة ما بين العقل والعنف، معتمدًا أسلوبًا فلسفيًّا وشواهد من متخصصين، متسائلًا "هل يمكن لتأميم الحرية وطغيان السوق ومركزة إدارة العنف وانحدار فكرة المسؤولية عند الحكومات أن تترك للحضارة الغربية رونقها الأول؟" (ص 54)، معرجًا على ظاهرة "التشبيح" و"الإخوان المسلمين" في سوريا.
ينتقل الباحث بعد ذلك إلى أمثلة واقعية أو حتى طرح رأيه الشخصي في عديد من القضايا المثيرة بشأن التنظيم المتطرف، منتقدًا أداء المثقفين العرب في هذا الإطار "هل أتاك حديث المثقفين" (ص 72)، أمثال صادق جلال العظم، وبرهان غليون، وميشيل كيلو، وياسين الحاج صالح، مستشهدًا بتصريحات لهم، منها ما يربط بين "داعش" والعلويين في سوريا، ومنها ما يربطه بالنظام السوري، وينتقل إلى الحديث عن التنافر بين "داعش" والجيش السوري الحر، ومواقف الإسلاميين وغيرهم.
ويحصل "داعش" على تمويله من عدة مصادر، حسب مناع، هي "حركة المال غير الرسمية، وحركة المال بين التنظيمات المسلحة، وأساليب الضغط والابتزاز النفسية، والسوق السوداء وتجارة الممنوعات، وتجارة الطاقة، والغنائم"، ويرى أن مستقبل التنظيم وتفككه لا يمكن بالمواجهة العسكرية، بل يمكن السعي نحو تجفيف مصادر قوته المالية والبشرية، والعودة إلى مبدأ الجيش الوطني وقوة القانون، وخروج كل المقاتلين غير السوريين من سوريا، وكذلك الأمر بالنسبة إلى العراق، ووقف الجرائم الإعلامية وتجريم التمييز العنصري والمذهبي، والأهم تأسيس تحالف وطني ضد الظلامية والتوحش، وما إلى ذلك من حلول مذكورة في الجزء الرابع.
ويخصص المؤلف الجزء الخامس لوثائق وملاحق مهمة تعود للتنظيمات المتطرفة الإسلامية ولشخصيات أسهمت في مد هذا الفكر.
في 138 صفحة يدرس الحقوقي السوري هيثم مناع، برويّة، ظاهرتي "داعش" و"القاعدة"، ويحاول أن يجد العلاقة "الواضحة" بينهما، وتلك "غير الواضحة" مع التنظيمات الأخرى سواهما.
aXA6IDE4LjIyNy41Mi4yNDgg جزيرة ام اند امز