قد تحلم أحياناً بحلمٍ جميل، ثم تنتظر أن يتحقق الحلم، كلُّه أو نصفه أو جزءٌ منه. في أول يوم من الحلم أو بعد شهر أو بعد سنة منه.
قد تحلم أحياناً بحلمٍ جميل، ثم تنتظر أن يتحقق الحلم، كلُّه أو نصفه أو جزءٌ منه. في أول يوم من الحلم أو بعد شهر أو بعد سنة منه.
«اليوم العالمي للغة العربية» كان حلماً في عام ٢٠١٢. والآن أستطيع أن أقول أنه لم يتحقق نصفه أو كله، بل تحقق ضِعف ما كنت أحلم به حينذاك.
وقد بدأت الحكاية هكذا:
في عام ٢٠٠٦، زار الأمير سلطان بن عبدالعزيز، يرحمه الله، مدينة باريس. وقد سعدت بالالتقاء به واقتراح إنشاء برنامج لدعم اللغة العربية في اليونيسكو، حيث كانت تعاني ضعفاً في وجودها حينذاك من بين اللغات الدولية الأخرى. وبالفعل توليت تأسيس البرنامج الذي موّله الأمير الراحل بثلاثة ملايين دولار، وانطلق يبني حضوراً مختلفاً للغة العربية يليق بمكانتها التاريخية والحضارية. لكن الطموح لم يتوقف عند مجرد تأسيس البرنامج الفريد من نوعه، بل بدأتُ التفكير في وضع ركيزة مؤسسية تكون رافعة للغة نحو المجد الذي نريده لها... بل لنا.
كان تأسيس (احتفالية اليوم العالمي للغة العربية) في شهر تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٢، حيت تشرفت بحمل تلك المبادرة بصفتي حينذاك نائب رئيس المجلس التنفيذي لليونيسكو، وقد قمت مع بعض الزملاء بوضع مسودة قرار يدعو إلى الاحتفال في ١٨ كانون الأول (ديسمبر) من كل عام بـ (اليوم العالمي للغة العربية). ثم قُدّم مشروع القرار إلى المجلس التنفيذي باسم المملكة العربية السعودية والمملكة المغربية (رئيس المجموعة العربية حينذاك)، وقد تم اعتماد القرار المقدّم بالإجماع. ثم أُعطيتْ لي الكلمة بعد الاعتماد فعبّرت عن فرحنا وسرورنا وامتناننا للأشقاء والأصدقاء الذين ساندوا القرار. ثم أعلنتُ بأنه «ورغم ضيق الوقت بين تاريخ الاعتماد ( تشرين الأول) ووقت الاحتفالية (كانون الأول) فإننا لن نتريّث في اغتنام المبادرة ولن نؤجل الاحتفال إلى كانون الأول من العام المقبل، بل ستكون أول احتفالية لنا باليوم العالمي للغة العربية بعد شهرين فقط من الآن، بما ندركه من ترتيبات وتجهيزات».
وبالفعل ففي كانون الأول ٢٠١٢، أقمنا أول احتفالية لليوم العالمي للغة العربية، بتمويل من (برنامج الأمير سلطان بن عبدالعزيز لدعم اللغة العربية)، وكانت احتفالية رمزية بسيطة ومحدودة الانتشار.
ثم استمرت الاحتفالية تتوسع وتتمدد وتزداد انتشاراً بين المدن العربية وفي بعض مدن المهجر، بسرعة تفوق ما كنت أحلم به، بعد أن نختار محوراً رئيسياً لاحتفالية كل عام. حيث كان في عام ٢٠١٣ عن (اللغة العربية والإعلام) وفي عام ٢٠١٤ عن (الخط العربي) وفي هذا العام ٢٠١٥ كان احتفالنا الأسبوع الماضي عن (اللغة العربية والعلوم).
والآن، أصبحت اللغة العربية تتنافس في حضورها على المراكز الثلاثة الأولى من بين اللغات الدولية، بعد أن كانت تتنافس على المراكز الثلاثة الأخيرة.
وفي الاحتفالية الأم بمقر اليونيسكو هذا العام، كانت المفاجأة السارة بإعلان الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز عن تبرع مؤسسة الأمير سلطان الخيرية بمبلغ خمسة ملايين دولار لتعزيز أعمال برنامج اللغة العربية خلال السنوات الخمس المقبلة، ما يعني أننا لن نتوقف عن الاستمرار في تحويل الحلم الصغير إلى حلم كبير بإذن الله، شرط أن يشاركنا الجميع في رسم هذا الحلم... حلم استعادة هيبة اللغة العربية، لا بصفتها لغةً فحسب، بل بصفتها هويّة وسبيلاً نحو التقدم والتمكن.
والآن، وأنا أرى الاحتفالات باليوم العالمي للغة العربية من الرياض والرباط والكويت والجزائر وبيروت وأبو ظبي وعمّان وبغداد، ومن المدن العربية كافة، ومن جاكرتا وأستراليا وتركيا وبولندا والمكسيك والكثير من دول العالم، فإني أوقن أهمية الإصرار على تحقيق الحلم مهما كان صغيراً... فقد يكبّره الآخرون.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الحياة وبوابة العين الإلكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة