إن سياسة هذه الإدارة الأميركية تجاه سورية وإيران كارثية. فديبلوماسية أوباما لا تبالي بما يحصل على الأرض في سورية
بالغت الصحف العالمية بالترحيب بقرار مجلس الأمن حول التسوية في سورية. إنه نص تنازل كامل من وزير الخارجية الأميركي جون كيري للجانب الروسي ولا ينبئ بأي حل فعلي للوضع السوري. فعلى رغم تصريح الرئيس باراك أوباما أن على بشار الأسد أن يرحل في المرحلة الانتقالية في سورية لكن النص الذي تم الاتفاق عليه بالإجماع لامع بضبابيته. فليس هناك أي شيء عن العقدة الأساسية للحرب في سورية وهي رحيل بشار الأسد. أما بالنسبة إلى وقف إطلاق النار فهذا بحسب القرار يكون بالتوازي مع انتقال سياسي ويدخل حيز التنفيذ عندما يضع ممثلو الحكومة السورية والمعارضة الإجراءات الأولى على طريق الانتقال السياسي. إن هذا القرار الذي أسرع كيري بوضعه يبدو كأنه هدية عيد الميلاد أرادها الوزير الأميركي ليهنئ نفسه بنجاح يظهر باهراً وتاريخياً في حين أنه قرار لا علاقة له بما يحدث على الأرض في سورية وأيضاً أنه مجرد إعطاء روسيا وإيران مفتاح الحل في سورية.
إن سياسة هذه الإدارة الأميركية تجاه سورية وإيران كارثية. فديبلوماسية أوباما لا تبالي بما يحصل على الأرض في سورية من قتل وتهجير لملايين السوريين منذ أكثر من أربعة أعوام. فتركت بشار الأسد يقتل ويقمع ويخرب بلده حتى ظهر «داعش» وتغلغل وهدد المنطقة بأسرها والعالم كله. فكل ما تريده إدارة أوباما ووزيره كيري أن يظهرا للعالم إنجازات ديبلوماسية ليست إلا تنازلات للروس والإيرانيين من دون أي حل للوضع السوري. وكل ما أراده هو التوصل إلى اتفاق مع إيران ورفع العقوبات عنها مهما كانت سياستها التخريبية في المنطقة. فالمهم كان عند أوباما هو الحد من قدرة إيران النووية ولو أن الاتفاق يحفظ لها جزءاً منها. ستسرع الإدارة الأميركية في رفع العقوبات عن إيران في منتصف كانون الثاني (يناير) ومعها أوروبا وتعاود التطبيع الاقتصادي مع هذا البلد بالتوازي مع معاقبة بعض المصارف اللبنانية التي لديها أموال لبعض المنتمين لـ «حزب الله».
إن هذا التناقض في الموقف غريب عجيب. فكأنه في نظر الإدارة الأميركية لا علاقة بين «حزب الله» وإيران. وكأن لا علاقة بين النظام الإيراني وبشار الأسد. لقد هلل البعض ومنهم أمين عام الأمم المتحدة بقرار مجلس الأمن حول سورية وبأن ممثله دي مستورا سيجمع ممثلي النظام والمعارضة في كانون الثاني للمفاوضات في شأن مسار انتقالي وبعد ستة أشهر يفترض أن يؤدي إلى حكومة ذات صدقية تتضمن أوسع تمثيل وتكون غير طائفية. ولكن نص قرار مجلس الأمن ضبابي حول من سيمثل المعارضة في هذه المفاوضات مع النظام خصوصاً أن فرنسا والدول العربية رأت في مؤتمر الرياض للمعارضة إنجازاً كبيراً للمرة الأولى في توحيد صف المعارضة وتشكيل لجنة سياسية مع توجه مشترك بالنسبة لمسار فيينا. ولكن قرار مجلس الأمن يمر في شكل عابر على المعارضة التي شاركت في مؤتمر الرياض التي انتقدها الجانب الروسي والإيراني ولم ترَ ترحيباً واضحاً من كيري الذي تخوف من إزعاج الروس. فكيري يراهن على جذب روسيا إلى مسار يؤدي إلى ضمان مصالحها في سورية وهدفه إضعاف «الدولة الإسلامية» قبل التضحية ببشار الأسد. ولكن رهانه يؤدي إلى العكس مع احتمال وقوعه في فخ وجهة نظر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يتسلح بحجة ضرب «الدولة الإسلامية» لإبقاء بشار الأسد.
إن سياسة أوباما بالنسبة إلى سورية وإيران ومنطقة الشرق الأوسط قد تكون بمثابة الكارثة التي خلّفها جورج بوش في العراق.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الحياة وبوابة العين الإلكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة