وتتعلق الملاحظة الأولى بالطريقة المفاجئة التى أعلن بها التحالف ، وقد تصور الكثيرون أن مفاوضات شاقة لا بد أنها قد سبقت هذا الإعلان
أعلنت السعودية فى الرابع عشر من هذا الشهر تكوين تحالف إسلامى لمواجهة الإرهاب يضم أربعاً وثلاثين دولة ، وقد أحدث
هذا الإعلان ردود فعل واسعة النطاق بحكم الوزن السعودى فى المنطقة وتصاعد الحرب على الإرهاب الذى بدا أنه لم ينحسر حتى الآن بل لعله ازداد تمدداً ، ومن هنا أهمية حلف بهذا الاتساع لعله يدحر الإرهاب ، وقد شملت ردود الفعل هذه احتفاءً واسع النطاق بالفكرة ومردوداتها، وتضمنت فى الوقت نفسه عدداً من الملاحظات والتساؤلات التى يجب طرحها للنقاش العام من باب الحرص على تحقيق الهدف المعلن للتحالف ، وأكتفى فى السياق الحالى بستٍ من هذه الملاحظات والتساؤلات .
وتتعلق الملاحظة الأولى بالطريقة المفاجئة التى أعلن بها التحالف ، وقد تصور الكثيرون أن مفاوضات شاقة لا بد أنها قد سبقت هذا الإعلان، لكنه سرعان ما اتضح من ردود فعل بعض الدول الرئيسية كالباكستان وإندونيسيا أن الموضوع فى الأغلب قد أثير على نحو عابر مع الدول التى تضمنها التحالف كما يظهر على سبيل المثال من تصريح وزيرة الخارجية الإندونيسية بأن وزير الخارجية السعودى قد أثار الموضوع معها فى عدة مناسبات، لكنه من الواضح أنها فهمت كلامه على أنه يشير إلى نوع من التضامن العام وليس الحلف العسكرى بدليل قولها: «يقولون إننا ندعم هذا. أى دعم؟، كذلك نفت مصادر الخارجية الباكستانية أن تشاوراً قد حدث معها فى هذا الشأن ، ونفت كذلك نية المساهمة بقوات فى الحلف وإن خففت من معارضتها لاحقاً، ومن الواضح أن الموضوع لم يطرح على نحو مؤسسى داخل الدول التى وردت أسماؤها فى قائمة التحالف .
أما الملاحظة الثانية فتنصب على هدف الحلف وهو مواجهة الإرهاب ، الأمر الذى يثير فى هذه الظروف الملتبسة مشكلات حقيقية ، فعن أى إرهاب نتحدث ؟ وهل هناك اتفاق بين أعضاء التحالف الأربعة والثلاثين على مفهوم واحد للإرهاب ؟ ونعلم أن الاتفاق على مفهوم موحد للإرهاب يمثل معضلة حقيقية فى جهود تسوية القضية السورية ، وأن الأردن أعانه الله مكلف بأن يحدد هذا المفهوم لأن ما تعتبره دولة إرهاباً لا تعتبره دولة أخرى كذلك، وأنه بناء على ذلك يمكن القول بأن تحديد هدف التحالف تحوطه صعوبات حقيقية .
فإذا افترضنا ثالثاً اجتياز عقبة تحديد كنه الإرهاب الذى يستهدفه الحلف ماهو يا ترى مضمونه؟ عندما تذكر كلمة حلف فإن المعنى الذى يتبادر إلى الذهن أولاً ينصرف إلى الجوانب العسكرية، ولذلك سارع البعض إلى القول إنه «حلف» مستحيل لأن تكوين جيش يضم قوات من الدول الأعضاء وتدريبه سوف يكون عملاً بالغ التعقد والمشقة، وهنا عرفنا أن التحالف الإسلامى ليس من الضرورى أن يكون عسكرياً ولن يكون له جيش دائم وإنما غرفة عمليات مقرها الرياض تتبادل المعلومات بين أطراف التحالف وتقوم بأنشطة تدريبية وتجهز القوات وترسلها لقتال المتشددين إذا لزم الأمر فضلاً عما قيل من أن للتحالف بعداً فكرياً بمعنى العمل على ساحة المواجهة الفكرية للإرهاب .
وتشير الملاحظة الرابعة إلى التناقضات الفعلية وليست المحتملة داخل الحلف، ويكفى فى هذا الصدد الإشارة إلى حالة مصر من ناحية وتركيا وقطر من ناحية أخرى ، فمصر تعتبر جماعة الإخوان المسلمين خطراً إرهابياً داهماً من خلال الخبرة العملية بينما تعتبرهم تركيا وقطر عماد مشروعهما السياسى، فأين العدو الموحد وإلى أى اتجاه سوف يصوب التحالف بنادقه ؟
ولعل الملاحظة الخامسة هى أهم الملاحظات ، وهى تشير إلى الخشية من طابع سنى للحلف ، ولا يرجع هذا إلى تكييف سعودى للحلف وإنما إلى طبيعة الأمور، إذ أنه بسبب الاستقطاب الإقليمى بين السعودية وإيران كان بديهياً أن تستبعد إيران من الحلف، ومن هنا شبهة الطابع السنى، وساعد على هذا أن الترحيب الأمريكى بالحلف تضمن ثناءً عليه باعتباره «حلفاً سنياً»، وقد صرح وزير الدفاع الأمريكى مثلاً «بأنه يتماشى بشكل عام على ما يبدو مع ما نحث عليه منذ فترة وهو اضطلاع الدول العربية السنية بدور أكبر فى حملة محاربة داعش»، وزاد المسئولون الإيرانيون الطين بلة فاعتبره قائد الحرس الثورى الإيرانى صيغة جديدة لمحاربة الشيعة وعمق الجراح التاريخية بوصفه التحالف بأنه محاولة جديدة لمحاربة الشيعة بالشكل الذى دأب عليه الخلفاء السنة منذ أكثر من ألف وثلاثمائة عام ، والمؤسف أن وسائل إعلام عربية عديدة ابتلعت الطعم فتبنت التكييف السنى للتحالف إلى حد أن إحدى الصحف وصفته بالجيش العربى السنى، وللأسف فإن المنشأ الأصلى لڤيروس الطائفية فى الوطن العربى هو الولايات المتحدة، وهو أساس رؤيتها لمستقبل الوطن العربى وبصفة خاصة منذ غزوها العراق فى 2003 وتداعياته الأليمة .
وأخيراً فإن الملاحظة السادسة تتعلق بسؤال أثاره الكثيرون عن التناقض بين السرعة التى أعلن بها التحالف الإسلامى بينما تتعثر القوة العربية المشتركة مع أن مشروعها قد تطور على نحو بالغ المؤسسية ما بين اجتماعين لمجلس وزراء الخارجية العرب ثم عرض على القمة العربية فى مارس 2015 فأقرته وبعدها عقد رؤساء أركان الجيوش العربية اجتماعين أنجزوا فيهما تفاصيل المشروع وأصبح قاب قوسين أو أدنى من التنفيذ فإذا بطلب تأجيل الجلسة التى كان سيتم فيها إقرار المشروع يصل قبل انعقادها بيوم ، فأين تكمن المشكلة ؟
ولعله من الأفضل على ضوء ما سبق اعتبار إعلان التحالف الإسلامى إعلان نوايا يتطلب جهدا فائقاً يشترك فيه أعضاؤه فكريا وسياسياً وتنظيمياً حتى يتحول إلى قوة حقيقية قادرة على دحر الإرهاب .
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الأهرام وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة