17 يوماً بقيت من زمن «المهلة» التي كان الكرملين يتخيّل أنها بأيامها المئة كافية لاستئصال جميع المعارضين للنظام السوري.
17 يوماً بقيت من زمن «المهلة» التي كان الكرملين يتخيّل أنها بأيامها المئة كافية لاستئصال جميع المعارضين للنظام السوري. ترتفع حصيلة الغارات الروسية إلى ألفي قتيل، يتمدّد الخراب فوق خراب، ويتسع اليأس على خريطة سورية المنكوبة.
وهي ثكلى مع شعبها الذي يستخدمه النظام حقل رماية، ومعه الميليشيات الحليفة، والنظام الإيراني والقيصر الروسي. ولا يتردّد الإسرائيلي في انتهاز الفرصة، فيضرب في القلب، ولا يأبه بوعيد الرد.
هؤلاء جميعاً أطبقوا على سورية والسوريين الذين يسألون كل يوم: كم مرشحاً للقتل بغارة أو برميل متفجّرات أو رصاص قنص؟
لعل كثيرين منهم بعدما تجاوزوا عتبة اليأس، لم يعودوا يكترثون للسؤال، حقل الرماية شاسع، وأسماء الضحايا تحوّلت أرقاماً. أما «زوبعة» الأمل التي أثارها قرار مجلس الأمن بإمكان وقف الحرب المجنونة قريباً، بعد إطلالة العام 2016، فاتضح أنها أيضاً صناعة روسية. هكذا لا ترى المعارضة السورية ضوءاً في نهاية النفق الطويل، ولا ترى في حديث الأمم المتحدة عن جولة مفاوضات مع النظام في كانون الثاني (يناير)، سوى اختراعٍ لوهم في الوقت «الضائع».
فمن يضمن وقف النار، فيما الفصائل المقاتلة محاصَرة، متوافقة على الحد الأدنى من تماسكها، و «داعش» و «النصرة» خارج حسابات التفاوض، بداهةً؟... والخلافات على تصنيف التنظيمات الإرهابية تراوح مكانها، وموسكو لن تضمن رحيل الرئيس بشار الأسد من السلطة، والمعارضة لا تعتبر الوقت مناسباً للتفاوض؟
وكالة «نوفوستي» تحتفي بتسلُّم الجيش الروسي قريباً «صواريخ أس 500 المرعبة»، ومَنْ يدري هل يأمر الرئيس فلاديمير بوتين باستخدامها في حقل الرماية السوري، ليثير رعباً في قلوب «الإرهابيين»؟ أم هو يجهّزها لردع «السلطان العثماني الجديد» كما يطلق بعض الإعلام الروسي على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي «تمادى» مع القيصر؟
منظمة العفو الدولية تتهم الروس بارتكاب جرائم حرب في سورية، وهم يكافحون «الإرهاب»، ويشدّون أواصر التنسيق مع إسرائيل التي اغتالت سمير القنطار القيادي في «حزب الله»، حليف إيران شريكة الكرملين في حماية نظام الأسد... مع ذلك، لا سبيل لدى موسكو لتبرئة نفسها من إطلاق اليد الإسرائيلية في تصفية حسابات على الأراضي السورية، ربما في مقابل شراكة أخرى لمصلحة النظام.
وبصرف النظر عن الحسابات المتشابكة لما تبدّل في سورية منذ التدخُّل العسكري الروسي لتمرين عضلات بوتين، ما لا يمكن التشكيك فيه هو أن الكرملين ما زال بعيداً عن فرض تسوية، ظن كثيرون بدايةً أنه سيُمليها بالقوة على النظام ومعارضيه، حفاظاً على الدولة السورية وموطئ نفوذ.
وأما ادعاء الروس الاعتماد على إشراف دولي لدفع التسوية على سكة الحل، فينتظر لاختباره قدرة الأمم المتحدة على جمع النظام والمعارضة الشهر المقبل، إذا قبِل الأول التفاوض معها، وارتضت هي التوقيت فيما الغارات الجوية تنتزع منها على الأقل، المبادرة الميدانية.
لا يوحي تصعيد الضربات الجوية الروسية وغارات النظام السوري بالبراميل المتفجّرة، سوى بتحرُّك لإجهاض مفاعيل مؤتمر الرياض، مهما ادّعت موسكو حرصها على تسوية سياسية قريبة. فالتشكيك بأهدافها لم يتبدّل: طموحها خَنْق المعارضة المعتدلة، وإعفاء النظام من تبعات التفاوض. على الأرض، لا شيء يوحي بأن أقوال الكرملين وجه آخر لأفعاله. وكلما انتزعت موسكو تنازلاً من الأميركيين- مثل تخلّيهم عن أولوية تنحّي الأسد- مالت أكثر إلى الصواريخ «المرعبة»!
مَنْ تُرعِب ومَنْ تقتُل ومَنْ تُشرِّد؟ بعد نحو مئة يوم من الغارات الجوية والصاروخية، لا أحد يظن بعد، أن أبو بكر البغدادي سيرفع الراية البيضاء للقيصر قريباً. مئة يوم إضافية لجنون القتل والدمار الشامل؟ ما الذي يتبدّل إن احتمى هذا الجنون بـ «إشراف دولي»، واستسلام أميركي حتى الرمق الأخير؟
ومرة أخرى، يتبيّن حجم الخديعة باستخدام «الدواعش» ذريعة لتدمير سورية وقتلها من أجل إنقاذ رأس النظام... فوق الخراب.
مجدّداً، يرفع جلاّدٌ راية رعب القتل، باسم السلام. الكثير تبدّل في العالم ليبقى أسير الدهشة، شاهد زور على المأساة الكبرى، يحصي النعوش.
مواكب موت، طوفان نزوح... رجال للقتل، نساء للتشرُّد، وأطفال للبيع.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الحياة وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة