هل بدأت شرارة حروب الماء على مياه النيل؟ (تحليل)
خبراء عسكريون: التعنت الاثيوبي قد يقود المنطقة إلى الحرب بسبب حصص المياه
موضوع تحليلي حول التعنت الإثيوبي في مفاوضات سد النهضة، وتبعاته التي قد تتطور إلى تدخل عسكري في حال فشل اللجوء للأمم المتحدة ومجلس الأمن
في خطوة تعتبر انتهاكًا من قبل أديس أبابا للاتفاق الذي وقَّعه قادة مصر والسودان وإثيوبيا في شهر مارس الماضي حول نهر النيل، قامت إثيوبيا بتحويل مجرى نهر النيل إلى سد النهضة رسميًّا ولأول مرة، مما يضع مصر والسودان أمام واقع أن سد النهضة قد اكتملت أساسيات بنائه، لتضرب أديس أبابا بذلك بعرض الحائط الاتفاقية الموقعة.
ويرى المحللون أنه لا جدوى من استمرار المفاوضات بسبب تحويل مجرى السد والبدء الفعلي في تخزين المياه، رغم ادعاء إثيوبيا بأنها مجرد عملية "تخزين تجريبي" للسد. ينذر ذلك الوضع ببداية للنزاع المسلح حول حصص المياه، حيث ستحرم مصر وحدها من 86% من حصتها في المياه، وبالتالي سيؤثر ذلك الحرمان على السودان أيضًا، فالعمل العسكري ليس خيارًا بعيدًا عن مصر، بالذات أن أمنها المائي والغذائي معتمد بشكل كامل على نهر النيل وحصتها من المياه. وبالتالي، فإن حرب المياه قد تتوسع لتضم دولًا أخرى على مصب نهر النيل تحارب لأخذ حصصها بعد الانهيار المحتمل للاتفاقية بسبب التعنت الإثيوبي.
لفهم مشكلة سد النهضة، وعلاقتها بعمل عسكري محتمل تجاهه، لابد من شرح المشاكل التي يسببها السد لدول الجوار، مصر و السودان بالأخص، حيث يقع النهضة على النيل الأزرق بولاية "بنيشنقول-قماز" بالقرب من الحدود الإثيوبية-السودانية، على مسافة تتراوح بين 20 و 40 كيلومترًا، و بحسب المسؤولين الأثيوبيين، يتوقع أن يكون أكبر سد كهرومائي في القارة الإفريقية، والعاشر عالميًا في قائمة أكبر السدود إنتاجًا للكهرباء، وتقدر تكلفة هذا السد بحوالي 4.7 مليار دولار أمريكي، وهو واحد من ثلاثة سدود تُشيد لغرض توليد الطاقة الكهرومائية في إثيوبيا، ويؤثر السد، طبقًا لخبراء من وزارة الموارد المائية والري المصرية، على تدفق مياه النيل وحصة مصر المتفق عليها وحرمانها من 86% من تلك الحصة (الإضافة إلى فقدان 25% إلى 40% من قدرة مصر على توليد الكهرباء).
في المقابل، فإن إثيوبيا التي يعاني سكانها من الفقر بدرجة أكبر، ويستفيد ١٧٪ منهم فقط من الكهرباء (مقارنة بـ ٩٩,٦٪ في مصر). وارتبط اسم سد النهضة الإثيوبي باعتباره رمزًا للانتعاش الاقتصادي، ومشروعًا ينهي تاريخ الجفاف والمجاعات الذي عاشته إثيوبيا في ١٩٧٠ و١٩٨٠، وأدى إلى مقتل مليون مواطن إثيوبي، فقد أدت تلك المجاعات إلى ضغط شعبي من أجل تحسين إدارة المياه وأنظمة التطوير الاقتصادية.
ويعتبر الخبراء العسكريون المصريون أن أي تهديد لمصادر المياه تهديدًا مباشرًا للأمن الغذائي والطاقة، حيث تعتمد مصر على نهر النيل بشكل كلي في الشرب وري المحاصيل وتوليد الكهرباء؛ لذلك سيؤثر النقص الحاد في الحصة المصرية من المياه إلى ضرر مضاعف في المحاصيل وتوليد الكهرباء، مما يؤثر على سبل الحياة بشكل مباشر، النزاعات والحروب القائمة على المياه ليست بجديدة في منطقة الشرق الأوسط، فالحرب العراقية الإيرانية قامت بسبب قيام الرئيس العراقي السابق صدام حسين بإلغاء اتفاقية عام 1975 مع إيران في 17 سبتمبر 1980 واعتبار مياه شط العرب كاملة جزءًا من المياه الإقليمية العراقية؛ لذا فالتوتر الذي تولده إثيوبيا بتحويل مجرى النيل للسد وضرب اتفاقية "المبادئ" بعرض الحائط، والمماطلة في المفاوضات كفيل بالقيام بالعمل العسكري في ظل التهديد المباشر لأمن الغذاء و الطاقة، خاصة أن مصر وإثيوبيا بينهما تاريخ شائك في أزمة نهر النيل وكانا على وشك الصدام العسكري المباشر بعد محاولة اغتيال الرئيس المصري السابق حسني مبارك في أديس أبابا عام 1995 (رغم أن منفذي العملية كانوا مصريين).
بالنسبة للسودان، فالضرر الواقع للسودان يعد أكبر وأخطر في حالة انهيار السد، حيث يتعنت الجانب الإثيوبي أيضا في توضيح التفاصيل الهندسية للسد – والتي يرى الكثير من الخبراء أن هناك تضاربا في حيثياتها التصميمية والتنفيذية بسبب ارتفاع عمود الماء، والذي بالتالي يولد ضغطًا ضخمًا على قواعد السد – ويعرض السودان للغرق التام في حالة تصدع وانهيار السد، حيث يرى الخبراء أن 63% من مساحة السودان ستغرق في مياه عمقها من 6 – 10 أمتار (حيث إن مساحة السد التخزينية 603 مليار متر مكعب). ومع ذلك تتمسك السودان بالمفاوضات الوصول إلى حل جذري على غرار التجربة السنغالية التي تنبهت إلى أهمية تعزيز العلاقات بين الدول المتشاطئة لنهر السنغال، واستخدام المياه كأداة لبناء التنمية في مجالات اقتصادية واسعة مثل التجارة والنقل والزراعة والملاحة.
هناك عدة سناريوهات محتملة للتعرض لأزمة السد الإثيوبي، منها المفاوضات التي أصبحت -في رأي الكثير من الخبراء- لا تجدي نفعًا ولم تعد فعَّالة في إيجاد حلول جذرية للأزمة نظرًا للتعنت المتعمد والمماطلة من قبل الجانب الأثيوبي، في الشق الهندسي والفني للسد والجانب السياسي في المماطلة أثناء المفاوضات، ومنها اللجوء للأمم المتحدة ومجلس الأمن، خاصة أن مسألة التحكيم الدولي مستبعَدَة لكونها تشترط موافقة الجانبين (مصر وإثيوبيا)، وهو ما لم توافق عليه إثيوبيا، و هناك الحل العسكري الذي سوف يقود منطقة نهر النيل إلى حرب مستعرة دفاعًا عن حصص المياه، قد تصل إلى حد التدخل البر المباشر – بالذات أن إثيوبيا لها تاريخ في النزاعات مع جيرانها، خصوصًا مع الصومال في حرب إقليم أوغادين، والاحتلال الإثيوبي لأراضي الفشقة السودانية، وأخيرًا الحرب الإرتيرية - الأثيـوبية. لذلك، فالخيار العسكري لردع التهديد الإثيوبي لمصادر المياه والأمن الغذائي وأمن الطاقة قائم وبشدة، في حالة فشل سيناريوهات المفاوضات وللجوء للأمم المتحدة ومجلس الأمن بشكل تام، لكن قد يولد ذلك الردع بداية للتدخل الأجنبي لفض النزاع وتوسيع دائرة الصراع لتشمل دولًا أخرى على النيل (كينيا وتنزانيا) بسبب اتهامات بإيواء قوي المعارضة السياسية والمنظمات المسلحة والمناوئة لنظم الحكم في الدول المجاورة، بل وتقديم الدعم السياسي، والعسكري وتشجيعها علي ممارسة أنشطة تحريض سياسي ضد الدول المجاورة، وقد تأخذ المسألة شكلاً آخرًا من حيث تمكين بعض المنظمات الانفصالية، أو بعض الأجنحة العسكرية من شن هجمات بمساندة قوات حكومية تابعة لدول الجوار من أراضيها ضد دولة أخري، وقد تأخذ شكلاً ثالثًا، ويتمثل في حشد عناصر مسلحة، أو جماعات قبلية في مناطق الحدود المشتركة، وتحريكها بين الحين والآخر لخلق واقع حدودي جديد لأي من الدول علي حساب الدولة المتاخمة لها، وقد يتطور الأمر إلى تصفية حسابات قديمة مع إثيوبيا من قبل الدول التي دخلت في حرب معها، فالوضع في أريتريا لا يزال متوترًا بسبب التجاوزات الإثيوبية على الحدود بينهما، في حين أن الحدود مع الصومال ستشهد توترًا كبيرًا بسبب الصراع الدائر هناك.
وإجمالًا، الانتهاكات الإثيوبية أصبحت تضرب بعرض الحائط المفاوضات الخاصة بسد النهضة، الذي يتعنت الجانب الإثيوبي في توضيح كثير من تفاصيل هذا الملف بدءًا من توضيح جوانبه التقنية والفنية ونهاية بعدم القبول بالوساطات الدولية لحل الأزمة، سوف تستنفذ ما بقي من الصبر الدبلوماسي المصري والسوداني، وتضع العمل العسكري كخيار قائم لردع تهديدات الأمن المائي والغذائي وتوفير الطاقة، خاصة أن لإثيوبيا تاريخ حافل بالصدام مع دول الجوار، وأن المماطلة أصبحت من سمة هذا الجانب الذي يريد أن يصبح قوة اقتصادية وتنموية في منطقة القرن الإفريقي بأي ثمن، حتي وإن ترتب الأمر على تعطيش دول وقعت اتفاقية تقسيم حصص مياه والدخول في حرب، قد تجر إليها دول الجوار، ستعصف بالمنطقة لعقود طويلة.
aXA6IDMuMTQuMjQ2LjUyIA== جزيرة ام اند امز