منع قضاة مصر من الظهور الإعلامي "حفاظًا على الهيبة" يثير انتقادات
قضاة يرونه مخالفًا للدستور.. والمجلس الأعلى: يمنع السياسة
منع قضاة مصر من الظهور الإعلامي "حفاظًا على الهيبة ومنع شبهة العمل بالسياسة" يثير انتقادات عدد من القضاة الذين يرونه مخالفًا للدستور
"الحفاظ على هيبة القضاة ومنع السياسة" في مصر، يقابله التحذير من مخالفة الدستور الذي يتيح الحق في التعبير، في صراع من التبريرات بشأن منع القضاة من الظهور إعلاميًّا.
هذا المنع الذي يجادل قضاة كثيرون بأنه مجرد توصية وليس قرارًا يشهد مخالفات كثيرة، الأمر الذي أثار المزيد من الجدل بشأنه في الوسط القضائي المصري، في ظل رفض أعضاء مجلس القضاء الأعلى التعليق عليه، مع تشديدهم على أن ذلك يصب في حفظ هيبة القاضي وحمايته من التورط في شبهة الاشتغال بالعمل السياسي.
وأعرب العديد من القضاة في تصريحات خاصة لـ"العين" -مع طلب عدم ذكر أسمائهم- عن رفضهم منع تعامل القضاة مع وسائل الإعلام.
مخالفة للدستور
أحد القضاة أوضح أن ما أصدره مجلس القضاء الأعلى في تشكيل سابق، برئاسة المستشار حامد عبد الله، رئيس محكمة النقض سابقًا، بالشأن الظهور الإعلامي لرجال القضاء هو توصية وليس قرارًا، قائلا: "القرار له رقم وتاريخ، ويتم تعميمه على المحاكم والنيابات، أو يُنشر في الجريدة الرسمية، ويكون ملزمًا لجميع رجال القضاء ونافذًا عليهم، ومخالفته تستوجب الجزاء، بينما التوصية لا تتمتع بتلك الخطوات، وتكون غير مُلزمة للقضاة وأعضاء النيابة، بما يعني أن للقاضي حق الأخذ بالتوصية أو رفضها، دون التعرُّض لأي عقوبات أو جزاءات من أي نوع".
وأضاف القاضي "يتعين على أعضاء مجلس القضاء الأعلى الأخذ في الاعتبار بأن التوصية لا بد أن تكون لصالح العمل وليس للتحكم في رجال القضاء، ولا بد ألا تتعارض مع نص قانوني أو مبدأ دستوري، وإلا كانت باطلة".
المصدر نفسه، أشار إلى أن منع "القضاء الأعلى" رجال القضاء والنيابة من الظهور الإعلامي، ينافي مبدأ أساسي في الدستور، هو أن "لكل مواطن حق التعبير عن رأيه"، وهو مبدأ مستَقَر عليه في جميع دساتير العالم، وليس في الدستور المصري فقط، بما يمثل مخالفة دستورية صريحة، تؤكد بطلان تلك التوصية.
"ليس اشتغالاً بالسياسة"
وقطع المصدر بأن الظهور الإعلامي لا علاقة له بالاشتغال بالسياسة، ولا يعني خرق القاضي أو عضو النيابة لقانون السلطة القضائية، أو خروجه على الأعراف والتقاليد القضائية، مؤكدًا أنه يحق لرجل القضاء الظهور والتحدث كأي مواطن عادي، طالما لم يتحدث في الشأن السياسي، خصوصًا أن هناك عددًا من القضايا التي لا بد أن يشتبك رجال القضاء معها، مثل القضايا القانونية والدستورية التي لا بد من الرجوع لهم فيها، كذلك القضايا الخاصة بأزماتهم ومطالبهم التي لن يستطع أحد التحدُّث عنها سواهم.
قاضٍ آخر قال: إن عددًا من رجال القضاء يجرى التحقيق معهم بسبب التعامل مع وسائل الإعلام؛ منهم على سبيل المثال المستشار أحمد الفقي، القاضي بمحكمة استئناف القاهرة، والمستشار عصام سلمان، القاضي بمحكمة استئناف القاهرة، ولا يزال كلاهما قيد التحقيقات حتى الآن.
وأشار ذلك القاضي إلى أن التحقيق مع المستشار أشرف ندا، رئيس محكمة استئناف الإسماعيلية (شمال شرق) وعقت عليه وُقِّعَت عقوبة "التنبيه" لذات السبب، معتبرًا أن ذلك "لا يليق مع قاضٍ جليل بقيمة وقامة ندا".
وذكر المصدر السابق حدوث واقعة مشابهة مع المستشار زكريا شلش، القاضي بمحكمة استئناف القاهرة، الذي أحيل للجنة صلاحية بسبب الظهور الإعلامي، لكن لجنة الصلاحية رفضت الأمر برمته، وارتأى لها أنه لا يليق أن يضار القاضي بسبب ظهوره الإعلامي أو إفصاحه عن رأيه.
وأوضح ذات المصدر أن العقوبات التي يتم تطبيقها على القضاة في تلك الوقائع تتراوح ما بين التنبيه، ولفت النظر، وأقل عقوبة هي توجيه اللوم للقاضي أو عضو النيابة.
السياسة والإعلام
قاضٍ بارز بمحكمة استئناف القاهرة قال لـ"العين": قضائي قال المجلس الأعلى للقضاء "يخلط بين الظهور الإعلامي وبين الاشتغال بالسياسة، ويحاول تبرير منع القضاة من الظهور الإعلامي بأنه لا يرغب في وقوعهم في الإعلان عن آرائهم السياسية، خصوصا أن هناك مادة في قانون السلطة القضائية تقول "يُحظر على القضاة الاشتغال بالسياسة".
وأوضح ذات المصدر أن الاشتغال بالسياسة يعني أن يكون الشخص تحت مظلة حزب أو حركة سياسية أو جماعة أو تنظيم سياسي تحت أي مسمى، وهو ما لا علاقة بالظهور الإعلامي، مشددًا على أنه لا توجد مادة في قانون السلطة القضائية تمنع القاضي من الإدلاء بتصريحات للصحف أو الفضائيات أو غير ذلك، أو تمنعه من الأحاديث الإعلامية أو الإدلاء بالرأي.
وتساءل القاضي بمحكمة استئناف القاهرة: في ظل التقدم التكنولوجي، وإمكانية نشر الآراء عبر فيس بوك وتويتر وغيرها من مواقع تواصل الاجتماعي، كيف يتم المنع من الظهور الإعلامي؟ وهل سيتم منع القضاة من الاشتراك في تلك المواقع وإبداء رأيهم عبرها؟
وقال: "القاضي وذويه يحيوا الحياة نفسها التي يعيشها المواطن، ويعانوا مما يعاني منه الشعب، بما يعطي رجال القضاء الحق في إبداء آرائهم في كل شيء يخص الوطن، ولهم أن يعبروا عن رأيهم في كل ما هو عام".
وتابع: "إذا كان لا يحق للقاضي الاشتغال بالسياسة والتدخل فيها والعمل بها، فيظل له الحق في الإدلاء برأيه في الأمور العامة وكل ما يشغل المواطن البسيط".
وأدلى قاضٍ بمحكمة النقض بالقاهرة برأيه في الإشكالية، وقال: "لولا الظهور الإعلامي لهؤلاء القضاة الذين تمت إحالتهم للتحقيقات مؤخرًا، ولولا موقفهم الذي أبرزه الإعلام وقت حكم جماعة الإخوان الإرهابية للبلاد، لكان شيوخ القضاة وكل من هو فوق الستين في السلك القضائي، بمن فيهم أعضاء مجلس القضاء الأعلى، خارج القضاء، إثر قرار الإخوان باستبعاد 3500 قاضٍ من السلطة القضائية، الذي لم يدخل حيز التنفيذ بسبب ظهور القضاة إعلاميًّا ونقد هذا القرار، مطالبًا بتكريم هؤلاء القضاة بدلا من معاقبتهم".
aXA6IDE4LjExNi4xMi43IA== جزيرة ام اند امز