المشتركات عادة هي ما يؤسس للتقاطع النسبي الأغلبي في الجمع بين الخطابات والأطروحات ووجهات النظر، وعند الانعدام أو شبهه تتكرس القطيعة.
المشتركات عادة هي ما يؤسس للتقاطع النسبي الأغلبي في الجمع بين الخطابات والأطروحات ووجهات النظر، وعند الانعدام أو شبهه تتكرس القطيعة والتنائي الذي لا يمكن رتقه وتجبيره مهما تم من عمليات ترميمية وتجميلية أو جراحية، ذلك أن النتيجة عادة تنتهي بالتوفيق التلفيقي الذي لا يمتلك مقومات البقاء والصمود أمام مطارق الواقع والزمن والتحديات.
وذلك يماهي وهم أسلمة الدولة "الأيديولوجيا الوطن" الذي تدشنه جماعات الإسلام التمامي أو الحركي في علاقتها بفكرة الدولة أو الوطن.
في العصر الحديث تحولت الدولة الحديثة "الوطن" إلى مفهوم وعقيدة سياسية دولية يستحيل معها النزوع إلى البدائية الإمبراطورية الأممية "دينية / عرقية / قومية".
ولم يتبقّ من يوتوبيا الدولة الأممية التيولوجية إلا طلول الذكرى وأطلال ذاكرة لا تزال تؤمن وتأسف على تهدم عقيدة الدولة المفتوحة تاريخيًّا وجغرافيًّا ووجدانيًّا، وذلك ما تختزنه وتنادي به جماعات الإسلام السياسي.
السؤال الملح دومًا لدى المتابع للغونة الإسلام السياسي: عن أي دولة دينية يتحدثون؟ وبصيغة أخرى: ما شكل هذه الدولة الدينية التي يدعو إليها خطاب الإسلام السياسي في عصر تحددت الدول بجغرافيا وتاريخ عبر اتفاقيات أممية حديثة والمحدد بالدولة الوطنية المعترف بها عالميًّا؟
ما هذه الدولة الإسلامية وما علاقتها بالعالم حولها وهل ثمة إضافة وتجاوز لمفهوم الدولة الحديثة؟
برأيي أن جماعات الإسلام السياسي تعيش ما بين موعود ويوتوبيا دولة الإسلام الكلاسيكية "الخلافة" وما تشتمله من أدبيات عفى عليها الزمن، وبين واقع دولي حسم مسألة ومفهوم الدولة، وذلك ما لا يدركه لا وعي الحركيين المنادين بشعار "الإسلام هو الحل".
من خلال مساءلة واستفتاء الواقع فإننا أمام نموذجين لما يصنَّف بالحكم الإسلامي لدى الإسلامويين: الأول حكومة أو دولة "طالبان" وما شابهها من حكومات ودويلات قامت على أعتاب حروب أهلية كــ"القاعدة" و"داعش" و"جبهة النصرة" وحكومة "المجاهدين الصوماليين"، وغيرها من حركات إسلاموية تسنّى لها التسلط وإن نسبيًّا وظرفيًّا. النموذج الثاني والراهن والذي يراهن عليه الإسلامويون هو النموذج التركي والمتمثل في حزب "العدالة والتنمية" الذي يحكم الجمهورية التركية.
عن النموذج الأول "الحكم الطالباني والقاعدي والداعشي وأضرابها"، تتجلى خبيئة ومستضمرات الوعي والرغبوية السياسية الإسلاموية، حينما يصل لحظة الحكم بما تشتمله من ضمور فكري لا متناهٍ يعكس حقيقة ماهية الوطن أو الدولة الذي لا يمكن أن يرتقي إلى مرحلة التعايش مع الواقع والظرف العصري، حيث حدود الوعي بمعنى الدولة الإسلامية لا يتجاوز مفهوم تطبيق الشريعة، والذي يعني إقامة الحدود فحسب "قطع يد السارق وحد الرجم ونحوها من حدود محدودة"، بالإضافة إلى المفهوم العقدي "الولاء والبراء" الذي لا يمكن تفهم تمثيله في عصر الدولة الحديثة التي يستحيل فيها نأي أي دولة عن التحالفات الإقليمية والدولية دون اعتبار للتيولوجيات، حيث التفاعل السياسي الدولي مدفوعٌ بالبراجمالية والنفعية والتحالفات لا الخلفيات الدينية. إذن ما ستكون علاقات الدولة الحلم "الخلافة" في ظل هذه العلاقات"؟
من المآزق في هذه الدولة الأيديولوجية عدم اعتبارها للمختلف العقائدي بوصفه خارج منظومة الدولة الإسلامية ويشهد الواقع على مثل ذلك الوعي الإقصائي في القتل المنهجي على الهوية المذهبية أو الدينية من قبل جماعات الإسلام السياسي الجهادوية الذراع المسلحة للإسلام السياسي وإن تم التمويه بنفي هذه العلاقة.
النموذج الآخر والذي يستلب وعي الإسلامويين النموذج التركي والذي يتم الترويج له بوصفه الكتالوج لطبيعة الحكم الإسلامي المنتظر والذي تكلل بالمصاهرة ما بين الإسلام السياسي العربي وحزب "العدالة والتنمية" التركي الذي وجد المعبر ناحية التمدد في المحيط العربي والذي لا يخفي رغبوية استعادة أحلام الأفندية العتيقة تجاه العرب.
لكن تقاصر وعي الإسلام السياسي العربي عن أن حزب "العدالة والتنمية" التركي لم يصل إلا عبر جسر العلمانية ودعم أحزاب علمانية، بل إنه يُحسب لحزب "العدالة والتنمية" في الداخل التركي وخارجه أنه طوّر الحكم والسياسة التركية التي كانت تعاني العلمانية المنقوصة بسبب هيمنة العسكر، حيث مارس الحزب تعميق وتكريس الحكم العلماني وتطهيره ليتحول إلى حكم علماني حقيقي وإن نسبيًّا. إذن نموذج الحكم والحكومة التركية في النهاية ليس له من الحكم الإسلاموي سوى الشعارات الرغبوية والترويجية وما عدا ذلك فهو علماني صريح وكرر ذلك المفهوم أردوغان ومهندس حزب "العدالة والتنمية" أوغلو.
معنى ذلك أن ترويج الإسلامويين العرب للنموذج التركي لا يتسق إطلاقًا مع عقيدة وأدبيات الإسلام السياسي العربي الذي يكفّر العلمانية وإن أجازها في النموذج المصري لحظة مرسي كإجازة أكل لحم الميتة عند الاضطرار.
ولأن الإسلام السياسي مارس السياسة من ثكنة المعارضة فإنه لن يتجاوز هذه العتبة، عتبة الوعي السياسي، كمعارضة لا تمتلك سوى التشغيب والوعود بالدولة الفاضلة والذي لا يكفي للثقة بقدرته على الحكم وإدارة الدولة الحديثة.
بالمختصر.. الذي أعنيه أن مفهوم الوطن في أدبيات الإسلام السياسي مفهوم رغبوي
عالق في الضمير الديني ولا يمكن استيعاب شكله وقوامه. أفضل خيار وصلت إليه البشرية كنظام سياسي لإدارة الدولة "الديموقراطية" أهم إنجازات العلمانية، والسؤال: هل سيزف الإسلام السياسي للعالم نظامًا أعظم من الديموقراطية أم سيتعاطى الديموقراطية، وبالتالي فليس ثمة إضافة، أم هل سيؤسلم النظام الديموقراطي؟
كيف سيكون شكل الوطن في ظل حكم الإسلام السياسي الذي يجذّر الطائفية؟ إننا حينها أمام وطن طائفي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة