لم يُصدِّق الحاضرون من الإنتلجنسيا الإثيوبية يومها أن البنك الأهلي «المصري» هو الذي أنقذ الاقتصاد الإثيوبي أيامها بتأسيس «بنك الحبشة»
لم يُصدِّق الحاضرون من الإنتلجنسيا الإثيوبية يومها أن البنك الأهلي «المصري» هو الذي أنقذ الاقتصاد الإثيوبي أيامها بتأسيس «بنك الحبشة» في هذا اليوم من عام ١٩٣١، وكذلك كان حديثي لهم عن العلاقات القديمة بين زعماء البلدين مفاجئًا لأكثرهم.
يقول التاريخ المكتوب، إنه باستثناء منجستو هيلا مريام، ذلك العسكري الذي شارك في انقلاب شيوعي ضد الإمبراطور هيلاسلاسي في عام 1974 لكي ينفرد بالسلطة في عام 1977 وحتى هزيمته على يد التمرد المسلح في البلاد وفراره في عام 1991 إلى منفاه الاختياري في زيمبابوي، فإن جميع حكام إثيوبيا قد زاروا مصر مرارًا. وإن امتناع مصر عن دعوة منجستو لم يكن إلا بناءً على موقفها المؤيد للشعب الإثيوبي الذي كان يُعاني الويلات على يد الطاغية العسكري. عدا ذلك، فإن مصر استقبلت جميع حكام إثيوبيا.
لا يذكر الكثيرون مثلًا تلك الزيارة التاريخية التي قامت بها الأميرة مينين زوجة ولي العهد الإثيوبي راس تفري ماكونين -الإمبراطور هيلاسيلاسي فيما بعد- لمصر في عام 1923 وهي الزيارة التي لاقت حفاوة شعبية ورسمية غير مسبوقة، بالرغم من كونها زوجة ولي العهد وليس الإمبراطور. وقد وصلت هذه الحفاوة إلى قمتها خلال زيارة ولي العهد في عام 1924 لدرجة أن جموع الشعب المصري كادت أن تحمل السيارة التي كانت تقله إلى مقر إقامته في فندق شبرد المطل على نيل القاهرة، وقد تكرر هذا المشهد الشعبي في كل مدينة زارها الراحل العظيم بداية من الإسكندرية شمالًا إلى أسوان جنوبًا، ومن دون أية ترتيبات رسمية. وقد كانت تلك الزيارة مقدمة لزيارات كثيرة للراحل الكبير بعد أن اعتلى عرش الحكم في بلاده.
لا يعرف الإثيوبيون أيضًا أن الملك فؤاد حاكم مصر في ذلك الوقت حرص –خلافًا لقواعد البروتوكول- على استقبال ولي العهد الإثيوبي شخصيًّا، وأن يمنحه أعلى الأوسمة في الدولة المصرية وهو الوشاح الأكبر من نيشان محمد علي، وهو جد ملك مصر في ذلك الوقت ومؤسس مصر الحديثة، في حين منح ولي العهد نيابة عن الإمبراطورة زوديتو الملك فؤاد الوشاح الأكبر من نيشان سليمان، أعلى الأوسمة الإثيوبية في ذلك الوقت.
طرحت المعلومة التاريخية على الحاضرين، ثم سألتهم: «هل يعلم إخوتنا في إثيوبيا أن قيادات الأزهر الشريف احتجوا على استئثار المزارات القبطية بزيارات الراحل الجليل راس تفري ماكونين -الإمبراطور هيلاسلاسي فيما بعد- من منطلق رغبتهم في الترحيب بالرجل الذي قام أحد أجداده بإجارة المسلمين الأوائل الفارين بدينهم من اضطهاد قريش في الجزيرة العربية في القرن السادس الميلادي؟».
وهل قرأ إخواننا في إثيوبيا بعضًا مما سجَّله فرج ميخائيل موسى السكرتير الثاني لمفوضيتنا في ألمانيا في مذكراته عندما أبلغ بتكليفه أن يكون أول قنصل لمصر في أديس أبابا في عام 1929؟ هل يعلم الإخوة في إثيوبيا أن أول دبلوماسي مصري في بلادهم كاد أن يطير فرحًا بانتقاله من أوروبا إلى بلادهم، وهي الفرحة التي تحولت إلى حالة عشق وهيام وشت بها تقاريره المرسلة لوزارة الخارجية، ناهيك عن مذكراته الشخصية؟
وهل يُدرك الإثيوبيون أن هذا الحب الذي عاشه أول قنصل مصري في بلادهم، مثل حالة عامة لغالبية الدبلوماسيين المصريين الذين تعاقبوا في ذلك الزمان على بلادهم، ولدرجة دفعتهم للتوصية بإلحاح بضرورة تدريس اللغة الأمهرية ضمن مرحلة التعليم الأساسي في مصر، وهي التوصية التي أخذ بها –للأسف– فقط وبشكل متخصص في التعليم الجامعي؟".
للأسف، فإن الإخوة الإثيوبيين وحتى المصريين لا يُدركون هذه الحقائق التي ربما لو أدركوها لسادت أجواء «مختلفة» مفاوضات «لي الذراع» التي نشهد فصولها الآن.
وللقصة بقية ...
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة