تنفست السينما بصعوبة فى 2015 وننتظر فى 2016 أن نردد مع فيروز «إيه فيه أمل»!
حال السينما المصرية هو نفسه حالنا فى الحياة، إحباط يسيطر علينا مع بصيص أمل يلوح من بعيد، نخشى لو اقتربنا أن نكتشف أننا نعانق السراب.
من المسؤول عن كل هذا العبث؟ إنه المناخ الذى صنعته الدولة، واستسلمنا له. الدولة بطبيعة تكوينها معادية للحريات، وهى عبر تراكم عشرات السنين هتكت عرض السينما، عندما رفعت يدها عن كل ما يتعلق بالصناعة.
المثقفون شركاء، عندما أرادت الدولة، مثلا، إبراء ذمتها لجأت لهم لمهاجمة الأعمال الفنية، بينما رؤساء النقابات الفنية تبارى كل منهم فى الدعوة لإخضاع الفن لمعايير أخلاقية مباشرة، دعونا الآن قبل أن تسرقنا المساحة المتاحة أن نُطل على السينما فى العام الذى أوشك على الرحيل.
عدد الأفلام التى عرضت تقريبا هو عدد العام الماضى، حوالى 35 فيلما. أطلق صافرة البداية المخرج أمير رمسيس بـ«توقيت القاهرة» آخر إطلالة لنجمنا الراحل نور الشريف على الشاشة، ويبدو أن أمير لم يشأ أن يسلم الصافرة لأحد غيره، ولهذا أطلق أيضا صافرة الختام بفيلمه «خانة اليك».
بنظرة عين الطائر تستطيع أن تدرك أننا نقدم أفلاما فى القسط الوافر منها بمخرجين يخوضون التجربة لأول مرة، هذا يعنى نظريا الدفع بفكر جديد، هذا هو الوجه الإيجابى، ولكن قبل أن تعلو الفرحة وجهك عليك ألا تنسى الوجه الآخر، مع الأسف الدافع وراء التعاقد مع هؤلاء ليس لوجه الله والوطن والفن، لكنه فى الأساس يرتكن إلى أسباب مادية، فهم الأرخص بحكم أنهم يتوقون لتنفيذ التجربة الأولى.
السبب الثانى أنهم يسمعون كلام المنتج، ولن يعلو صوتهم فى الاستديو إلا بعد رفع الإصبع والحصول على موافقة ولى أمرهم. حوالى خمسة عشر مخرجا جديدا لا يمكث فى الذاكرة منهم سوى القليل، مثل تامر محسن «قط وفار» وكريم حنفى «باب الوداع» وخالد الحلفاوى «زنقة الستات»، وبالطبع مع اختلاف درجة الإجادة بين مخرج وآخر.
هذا العام شهد ظاهرة المخرج الذى يقدم فيلمين، مثل محمد سامى «ريجاتا» و«أهواك»، وعودة بعد غياب للمخرج المقل جدا طارق العريان بفيلمين، الأول قديم تعثر قرابة خمس سنوات- أسوار القمر، بينما الثانى على العكس تم تنفيذه فى توقيت قياسى- أولاد رزق، شهدت دور العرض عرض الفيلم التسجيلى الطويل- إللى يحب ربنا يرفع إيده لفوق، لسلمى الطرزى، وهى تعد من المرات القليلة التى تستقبل الشاشات فيلما تسجيليا، واللافت فى الأمر أن النجاح التجارى فى الشارع لهذا النوع من الغناء لم يواكبه أى نجاح يذكر لا فى هذا الفيلم ولا فى فيلم عرض هذا العام لهذا الثنائى، ومعهما رفيقهما القديم شحتة كاريكا، باسم أربع أوراق كوتشينة، وإذا كان المخرجون الجدد سيطروا بنسبة ملحوظة على الشاشة، فإن الملمح الإيجابى هو عودة المخضرم داوود عبدالسيد بفيلمه قدرات غير عادية. رهان داوود هو أن القدرة غير العادية تتحقق عندما تُصبح أنت كما تريد وليس كما يريد بك ولك الآخرون.
فى هذا العام من الممكن أن أرصد مثلا نجوم الكوميديا فى هذا الجيل الذين أطلقنا عليهم المضحكون الجدد، كنا شهود عيان على انطلاقهم بقيادة محمد هنيدى عام 1997، بفيلم إسماعيلية رايح جاى، فى السنوات الأخيرة لم تعد الإيرادات تشهد كثيرا لصالح هذا الجيل، مثلا محمد هنيدى يوم مالوش لزمة معتز التونى، ومحمد سعد حياتى مبهدلة شادى على، وهانى رمزى نوم التلات إيهاب لمعى، والفيلم الأخير كان بلا جدال هو الأسوأ على الإطلاق، فلا توجد حالة فنية ولا حتى ضحكة عابرة، وكان درسا قاسيا تجرع فيه هانى مرارة الهزيمة، ويأتى فى مرحلة الأسوأ أيضا محمد سعد الذى فقد الكثير من جماهيريته بإصراره على اللمبى أو المستنسخ منه تتح، وبينما هنيدى كان الأفضل بالمقارنة إلا أنه بمقياس الشباك، لم يعد الورقة الرابحة هو فقط أفضل الخاسرين، أيضا باءت بالفشل محاولة الدفع بكوميديان جديد للساحة وهو هشام إسماعيل الذى اشتهر بشخصية فزاع فى مسلسل الكبير قوى، وأخفق فى استثمارها سينمائياـ بينما فيلم كابتن مصر للمخرج معتز التونى الذى نجح فى تقديم عدد من الكوميديانات الجدد، صحيح الفيلم يتصدره محمد عادل إمام، ولكن الشاشة كانت تؤكد أنهم كانوا يتقاسمون النجاح والضحكات، بل على ربيع وأحمد فتحى نصيبهما أكبر، وقبل أن نغلق صفحة الكوميديا نتوقف أمام حسن الرداد فى زنقة الستات الذى وضع قدمه على الطريق كنجم جماهيرى، ويبقى غياب عادل إمام لست سنوات يشكل خسارة للسينما وخسارة أيضا لرصيده السينمائى لا تعوضها له الشاشة الصغيرة مهما حقق من مكاسب مادية وأدبية فى كل رمضان.
نرصد هذا العام محمد رمضان، فهو لا يزال يمتلك قدرة استثنائية على الجذب الجماهيرى، فى فيلم شد أجزاء كانت الدعاية المصاحبة تؤكد أنه غادر محطة البلطجة مؤديا دور ضابط، والحقيقة أنه لم يغادرها، كل ما هنالك أنه يؤدى دور ضابط شرطة ترك الخدمة بعد مقتل زوجته وأصبح بلطجيا.
على الجانب الآخر باءت بالفشل محاولات صناعة نجم جماهيرى مع كل من عمرو سعد ريجاتا ومحمود عبدالمغنى كرم الكنج، ومحمد رجب الخلبوص، لعب الثلاثة بطولة أفلام تجارية، بها كل المفردات الجاذبة للجمهور التى تعارفت عليها السينما المصرية عبر تاريخها، ولكن خاصمها الجمهور.
المرأة كبطلة شاهدناها بقوة مرتين منى زكى فى أسوار القمر، ونجلاء بدر فى قدرات غير عادية، وكانت منى فى ذروة التألق، وأتوقف هذا العام مع محمود حميدة الذى شاهدناه فى أكثر من عمل فنى مثل أهواك وريجاتا وقط وفار، ودائما لديه إضافة خاصة، تمنح الدور الذى ربما يبدو عابرا إلا أنه مع حميدة يبث فيه قدرا من الآلق، وتواجدت أيضا إلهام شاهين فى فيلمى ريجاتا لمحمد سامى، وأنتجت هى هز وسط البلد لمخرج من جيل الثمانينيات محمد أبو سيف، عادت إلهام شاهين، ولكن ليست هذه الأفلام التى تضيف إليها، وننتظرها العام القادم فى يوم للستات من إنتاجها وإخراج كاملة أبوذكرى.
تنفست السينما بصعوبة فى 2015 وننتظر فى 2016 أن نردد مع فيروز «إيه فيه أمل»!
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة المصري اليوم وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة