الذكرى 34 لغزو الكويت.. دروس ملهمة لمواجهة تحديات متزايدة
"الوطن أولا والوطن دائما وأبدا".. أحد أهم الدروس المستفادة من الغزو العراقي للكويت التي تحل ذكراه الـ34، اليوم الجمعة.
أهمية المحافظة على الوطن درس مهم يُستلهم من وحي تلك الذكرى الأليمة آثر الدكتور أنور بن محمد قرقاش المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات التذكير به في تغريدة له عبر حسابه في موقع التواصل الاجتماعي "إكس" (تويتر سابقا) بهذه المناسبة، جنبا إلى جنب مع إبرازه أهمية التضامن الخليجي الذي دعم وساند الكويت حتى إتمام التحرير.
وقال الدكتور قرقاش في تغريدته: "في مثل هذا اليوم نكبت المنطقة والعالم بغزو صدام (حسين) الغاشم للكويت الشقيقة، لتبدأ فصول ملحمية من المعاناة الإنسانية والمبادرات السياسية والتضامن الخليجي والانقسام العربي حتى بزوغ فجر التحرير".
وأردف: "درس هذه الأيام الصعبة محفور في وعينا راسخا جليّا بأن الوطن أولا والوطن دائما وأبدا".
تحديات وتوترات
أهمية المحافظة على الوطن، درس أراد المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات التركيز عليه في ذلك الوقت المليء بالتحديات على مختلف الأصعدة التي تلقي بتأثيراتها على العالم ودول المنطقة.
وتشهد الفترة الحالية توترا غير مسبوق بعد اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في طهران، الأربعاء الماضي، في واقعة نسبت لإسرائيل، إضافة إلى استهداف الأخيرة الضاحية الجنوبية في بيروت أودت بالقيادي البارز بحزب الله فؤاد شكر، كما طالت ضربات قاعدة لقوات الحشد الشعبي بالعراق.
ونفى الجيش الكويتي، أمس الخميس، صحة الادعاءات التي زعمت استخدام أراضي وقواعد بلاده كمنطلق لاستهداف دول الجوار.
وأكدت رئاسة الأركان أنها "لم ولن تسمح باستخدام أو اختراق أجوائها أو أن تكون أراضيها منطلقاً للاعتداء على أي من الدول الشقيقة والصديقة".
بدورها، أعربت دولة الإمارات العربية المتحدة عن قلقها العميق إزاء استمرار التصعيد وتداعياته على الأمن والاستقرار في المنطقة، مؤكدة أنها تراقب من كثب التطورات الإقليمية المتسارعة.
وذكر بيان لوزارة الخارجية أن دولة الإمارات تؤكد أهمية ممارسة أقصى درجات ضبط النفس والحكمة لتجنب المخاطر وتوسيع رقعة الصراع. ووفق البيان: "تؤمن دولة الإمارات بأن تعزيز الحوار والالتزام بالقوانين الدولية واحترام سيادة الدول هي الأسس المثلى لحل الأزمات الراهنة".
الولاء للقيادة
وإضافة إلى أهمية المحافظة على الوطن، يستلهم الكويتيون من تلك الذكرى أيضا أهمية الثقة بالقيادة التي ناضلت حتى إتمام التحرير والوفاء لها، وهو ما يظهر جليا في الالتفاف الشعبي حول أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح وولي عهده الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح الذين يقودون البلاد في الفترة الحالية لتجاوز التحديات والحفاظ على استقراره وتحقيق الخير والازدهار لأبنائه والنهوض بالمستقبل.
وتشهد الكويت حاليا إجراءات متواصلة لتنفيذ توجيهات القيادة بالحفاظ على الهوية الوطنية، كان من بينها إصدار سلسلة قرارات تم بموجبها تجريد عشرات الأشخاص من الجنسية الكويتية لأسباب عدة، من بينها حصولهم عليها عن طريق الغش والتزوير.
أيضا تسجل الكويت في الوقت الراهن نجاحات أمنية متتالية، عبر إحباط مخططات إرهابية في مهدها بالبلاد وخارجها، واعتقال من يخططون ويروجون لها.
وتتوالى النجاحات الأمنية في عهد أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، الذي تولى مقاليد الحكم في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وقد احتل ملف تعزيز الأمن على مختلف الأصعدة حيزا كبيرا في خطاباته وتوجيهاته، ومن بينها خطابه التاريخي مايو/أيار الماضي مساء الجمعة، الذي أعلن خلاله حل مجلس الأمة ووقف العمل ببعض مواد الدستور لمدة لا تزيد على 4 سنوات.
ويتم خلال تلك الفترة -بموجب أمر أميري- دراسة الممارسة الديمقراطية في البلاد، وعرض ما تتوصل إليه الدراسة على الأمير لاتخاذ ما يراه مناسبا، في إشارة إلى إمكانية إجراء تعديلات دستورية.
وبيّن أمير الكويت أن تلك الإجراءات جاءت نتيجة ممارسات وسلوكيات أعضاء في البرلمان أساؤوا استخدام الوسائل الدستورية والرقابة التشريعية، حتى "غدت قاعة عبدالله السالم (البرلمان) بدلا من أن تكون مكانا لممارسة ديمقراطية حقيقية سليمة، أصبحت مسرحا لكل ما هو غير مألوف وغير مستحب أو مقبول من الألفاظ والعبارات".
وجاءت قرارات الأمير كخريطة طريق شاملة نحو "كويت جديدة"، يتصدر أجندتها تعزيز الأمن والأمان.
وأدت التوترات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في الكويت خلال السنوات الماضية إلى إعاقة عمل الحكومة وتعطيل مشاريع التنمية في البلاد، فضلا عن حل مجلس الأمة مرات عدة.
وبعد 3 أسابيع من قرارات مايو/أيار، أصدر أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، مطلع يونيو/حزيران الماضي، أمرا أميريا بتزكية الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح ولياً لعهد البلاد.
وأجرى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات اتصالاً هاتفياً، مع أخيه الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت، هنأه خلاله بمناسبة تعيين الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح ولياً للعهد.
وأعرب عن تمنياته للكويت الشقيقة وشعبها دوام الرفعة والتقدم والازدهار، في ظل القيادة الحكيمة للشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح.
رسائل تعبر عن العلاقات الأخوية التاريخية التي تربط البلدين على مختلف الأصعدة، ودعم الإمارات لكل ما من شأنه استقرار الكويت.
بطولات إماراتية
تلك الرسائل الأخوية يستذكرها الكويتيون في مثل هذا اليوم، مع تذكرهم الدور البطولي للإمارات، ووقوفها إلى جانب بلادهم خلال محنة الغزو العراقي من 2 أغسطس/آب 1990، وصولا إلى تحريرها في 26 فبراير/شباط من العام التالي.
وكان لدولة الإمارات وجيشها الباسل وقفة حازمة إلى جانب دولة الكويت، وسطّر أبناء الإمارات بدمائهم الطاهرة ملاحم بطولية في دفاعهم عن الحق والشرعية في حرب تحرير الكويت، وبلغ عدد شهداء الإمارات في المعركة 8 شهداء و21 جريحا.
وقد سطّر التاريخ بحروف من نور مواقف دولة الإمارات وقيادتها وشعبها في دعمهم ونصرتهم للحق ولدولة الكويت وشعبها، إذ عبّر المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان عن ذلك بقوله: "إذا وقعت أي واقعة على الكويت فإننا لا نجد من الوقوف معها بداً مهما حدث.. فهذا شيء نعتبره فرضا علينا يمليه واقعنا وتقاربنا وأخوتنا".
مكانة تتصاعد
أيضا تحل ذكرى غزو الكويت، في وقت تواصل فيه دولة الإمارات حراكها السياسي والإنساني لحل الأزمة الأوكرانية.
حراك توج بنجاح وساطاتها في عقد 6 صفقات لتبادل الأسرى بين الجانبين، خلال العام الجاري، أحدثها قبل أسبوعين، ليصل العدد الإجمالي للأسرى الذين تمّ تبادلهم بين البلدين في هذه الوساطات إلى 1558، وهو رقم كبير يجسد إنجازا دبلوماسيا وإنسانيا غير مسبوق في أزمة تشهد تصعيد متواصل بين طرفيها.
وساطات إماراتية ناجحة بين روسيا وأوكرانيا خلال فترة قصيرة، تعطي بارقة أمل نحو حل أزمة تلقي بتأثيراتها على أمن واستقرار العالم، وتبرز تعاظم مكانة دولة الإمارات وتواصل ريادتها الدولية وثقة العالم، وتقديره لقيادتها ولجهودها ووساطاتها.
كذلك تحل الذكرى فيما تتواصل حاليا عملية «الفارس الشهم 3» التي أمر الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العمليات المشتركة في وزارة الدفاع ببدئها لدعم الشعب الفلسطيني الشقيق في غزة ضمن مبادرات إنسانية ودبلوماسية عديدة لدعم القطاع.
تضحيات وبطولات ومواقف تتوالى عبر التاريخ وحول العالم، من الكويت إلى فلسطين، مرورا بأوكرانيا وغيرها من الدول، يخلد بها شهداء الإمارات وقادتها وجيشها ودبلوماسييها وشعبها اسم بلادهم بأحرف من نور في تاريخ الإنسانية، ويؤكدون نهج بلادهم وعهدها الدائم في وقوفها مع الأشقاء والأصدقاء في كل الظروف والأزمات، إيماناً منها بوحدة المصير وتعبيرا عن تمسكها بالقانون والشرعية الدولية ومبادئ حسن الجوار ومدّ يد العون للشقيق والصديق والسعي لنصرة المظلوم وإعادة الحق إلى أصحابه.
الذكرى الـ34
ومع الذكرى الـ34 لغزو الكويت، يستذكر الكويتيون خلال تلك الفترة الإدارة الحكيمة للأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح (أمير الكويت آنذاك) والأمير الراحل الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح (ولي العهد رئيس الوزراء آنذاك)، اللذين كان لهما دور كبير في حشد التأييد الدبلوماسي العربي والدولي لدعم ومساندة الشرعية الكويتية والدفاع عن الحق الكويتي.
ففي فجر 2 أغسطس/آب 1990، أعطى النظام العراقي السابق برئاسة صدام حسين الأوامر لقواته العسكرية بدخول الأراضي الكويتية واحتلالها.
ومنذ اللحظات الأولى للغزو، أعلن المواطنون الكويتيون رفضهم للعدوان، ووقف أبناء البلد في الداخل والخارج إلى جانب قيادتهم الشرعية للدفاع عن الوطن وسيادته وحريته.
ووقف العالم أجمع مناصرا للحق في وجه الغزو، وتشكل ائتلاف عسكري لتنفيذ قرارات مجلس الأمن الخاصة بانسحاب القوات العراقية من الكويت دون قيد أو شرط، مدعوما بقوة إيمان دول التحالف بعدالة القضية الكويتية.
وفي 17 يناير/كانون الثاني 1991، بدأت أول غارة جوية شنتها قوات التحالف الدولية إعلانا لبدء عمليات "عاصفة الصحراء" لتحرير دولة الكويت.
وكان الشعب الكويتي متأهبا للمساهمة في معركة التحرير، فيما جرى تنسيق كامل بين جميع الأجهزة الحكومية والشعبية وشارك سلاح الجو الكويتي في الضربات الأولى للقصف الجوي وكان الجيش الكويتي في الصفوف الأولى للقوات المتحالفة التي دخلت البلاد.
ولعبت القوات العربية دورا بارزا في إنجاز مهمة تحرير الكويت، وأسهمت السعودية بنصف مجموع قوات مجلس التعاون، وكان لدولة الإمارات وجيشها الباسل وقفة حازمة إلى جانب دولة الكويت.
وفجر 26 فبراير/شباط 1991 غادر الجيش العراقي من الكويت ليتم الإعلان عن تحريرها.
وكان المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان أول رئيس دولة يزور الكويت بعد التحرير فيما كانت سفارة دولة الإمارات أول سفارة تم رفع العلم عليها بعد التحرير.
ولا ينسى الكويتيون كذلك مواقف العاهل السعودي الراحل الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود الذي فتح قلبه قبل أرضه لأبناء دولة الكويت واحتضنهم بكل حب في أراضي المملكة ودافع ماديا وعسكريا لنصرة دولة الكويت.
دروس ملهمة
ويستلهم الكويتيون من تلك الذكرى أهمية تحقيق التضامن الخليجي والعربي، حيث كان هناك دور خليجي عربي بارز في دعم ومساندة الكويت لتحقيق التحرير، حيث اتخذت القيادة الكويتية من دول مجلس التعاون عاصمة لها، تخطط وتضغط، وتسير جهودها الدبلوماسية التي أثمرت النصر، بعد إقناع المجتمع الدولي بالتدخل لدحر قوات نظام صدام حسين.
يستذكر الكويتيون أيضا أهمية إعلاء قيم التسامح من أجل النهوض بالمستقبل، وهو ما ظهر في محاولة طي صفحة الماضي ومد يد التعاون مع العراق.
وعلى الرغم من مرارة الغزو وتداعياته لا سيما على صعيد الشهداء والمفقودين الكويتيين فإن الكويت أطلقت مساعداتها للشعب العراقي منذ عام 1993 ولا تزال مستمرة حتى الآن كما قدمت الكويت بعد سقوط النظام العراقي برئاسة صدام حسين عام 2003 العون للعراق حتى أصبحت اليوم من أكبر المانحين له.
وعلى الصعيد الدبلوماسي جسدت الزيارة التي قام بها أمير الكويت الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح للعراق في 19 يونيو/حزيران 2019 أنبل المساعي الحميدة في الحفاظ على العلاقات الأخوية وطي الملفات العالقة بين البلدين.
وارتكزت سياسة الكويت الخارجية تجاه العراق عبر التعامل مع شعبه بأنه كان مغلوبا على أمره وهو ضحية للنظام الحاكم وقتها.