أكتب هذا المقال فى عام ، بينما سيقرؤه الناس فى العام التالي.. وكعادتى على مر سنى عمرى، لا أعلم مصير سطورى
أكتب هذا المقال فى عام ، بينما سيقرؤه الناس فى العام التالي.. وكعادتى على مر سنى عمرى، خاصة منذ أن تركت البندقية وحملت قلمى سلاحاً ، لا أعلم مصير سطورى، فقد بلغت السطور المحتجزة فى أدراجى أضعاف السطور التى رأت نور النشر ، بينما ظلت أضعاف أخرى مضاعفة محتجزة فى صدرى كالبخار المحبوس ...
(1)
كنت أمشى على إيقاع الحزن إليك، من آخر خط منقوط لحدود بلادى، لأنقب فيك عن تاريخ مدفون، مقتفياً أثر صلاح الدين..
ذهبت مشغوفاً بحكايات لا تنفد، وصليبى فوق الظهر وإكليل الشوك يدمى جبينى، بين الطرقات المزدحمة بالمنهوكين، ألهث فى الماضى بعيون ترنو للغد، وخلفى كلاب الصيد تتشمم رائحتى، وجواز السفر ملىء بالأختام العربية .
معتقل فى سجن ضلوعى، والقيح ينز، والليل السادر فوق مدينتنا لا يعقب فجر.. بسملت، قرأت الأوردة عليها وخطوت، فالتقطت عينى بعض الكلمات العبرية ، تقيأت عيونى بعض الوقت وتريثت لكن لازالت عبرية!! ..
لا زلت أفتش بين تلال غافية ، عن ينبوع أو أرض دماء جوفية ، هل يعقل أن شقوق الأرض قد ابتلعت كلمات الدم العربية؟.. هل أصبح دمنا بترولاً؟، وإن صار، ألا يعود للكينونة الأولى..؟.. من فينا خدع الآخر؟ من منا باع الآخر؟.. هل يملك شط أن يخدع أصداف الشط ؟ وشموخ الجبل أيبقى إن باع رماله؟..
أسئلة مثل هموم مسافر يرحل طول العمر
(2)
مثل اليهودى الذى أفلس أفتش فى دفاترى القديمة، أبحث عن الرصيد القديم كى أصنع للحاضر قيمة .. خسرت الرهان الأخير، وفى الليل عدت سكيراً حزيناً، وقهقهت أسخر من كبوتي، وكان لصوت سقوطى رنين، وشاهدتها: مهرتى الخاسرة، تسير على نظرة الشامتين، تجرجر أقدامها من ضلوعى وفى دمعة العين تستكين .
فلما غفوت رأيت منازل تسقط وأشجارا تقصف وأزهارا تقطف، أعاصير تحمل رأسى لكفى وتدفن عينى تحت الرمال فما عدت أنظر.. لكن سمعت الصهيل الأنين يزاحم سخرية الشامتين، يحاصر كل الحروف العقيمة، يفسح للحروف القديمة، فلما شعرت بأنى أعود، دوى انفجار فما عدت أسمع..
صرخت أنادى تلالاً تسافر وأقمارا ترحل، لكن صوتى طوته الرياح، كانت ذيول تهتز حولى وصوت نباح، صرخت أنادي.. ولكن رحل الصباح.. فما عدت أصرخ ..
(3)
أوصانى عمى - زوج أمى - أن أسكت، حتى لو أكلوا لحمى فوق موائدهم، أو ملأوا بعرقى كؤوسهم، وتباروا فى فض بكارة حزنى .. أوصانى عمى أن أبكى ، أن أبذر فى صمتى بذرة صبرى، أرويها دمع الحرمان البارد، بليالى الغضب المكبوت، علمنى عمى أن مقاطعة الوالى كفر الكفار وزندقة الفاسد، وبأن الوالى ظل الله على الأرض، وكلاب الوالى قدسية، حتى الأنياب المغروسة فى كبدى قدسية، علمنى أن أكتب مدحاً فى الوالى أو مرثية، أن أعبد فى هيكل حزنى تمثال الوالى المعبود، أن يمضى عمرى أوهاماً، أفنيه ليعيش الوالى، والعم حكيم ووقور، والكلمة منه دستور يحفظه آلاف الجوعى..
(4)
لكننى فى يناير آنست ناراً ، فلملمت حزنى، ورتقت جرحى، وأسرعت عدواً إلى المبتدا ، جمعت الفؤوس، التروس، البنادق، كونت حرفاً.. بخرت عرقى، ودمى ، ودمعى، صار سحاباً يظلل أفقى ، أرعدت فيهم فأهموا مداداً، وكانت سطورى حوارى «عيسى» وأسباط «موسى» وخلفاء سيدنا محمد الأربعة …
خيرونى بين الموت نزيفاً وبين الموت انتحاراً ، فتصفحت النيل كى أسأل عذراءه المستباحة عما إذا كان الموت اختياراً ، وعدت قريراً خلال الشقوق ، بأرض تجفف فيها النماء ، وانسبت عذباً أغنى وأمدح « حابى « السماء، ناسجاً خيمة من ضلوعى غطاء فوق العرايا، فإن سألونى أقول جهاراً : بوجه الرياح ، وظلم الليالى.. آنست ناراً …
(5)
هل مشكلة هشام جنينة أنه صرح علناً أم أن المشكلة فى مضمون ما صرح به؟.. هل نسلم بوجود حجم مهول من الفساد، وإذا صح ذلك فما هو حجمه؟.. وفقاً لتقديرات مدققة أثناء حملة الرئاسة الانتخابية الأخيرة فإن هذا الحجم بلغ 200 مليار جنيه، وتقديرات المؤسسات الدولية ذات الصلة لا تبتعد عن ذلك .. أتصور أنه مع صعوبة الدفاع عن النظام فى هذا الملف ، فإن الأسهل هو إثارة سحابة من الدخان بواسطة بعض الإعلام ومحاسيب النظام البائد للتشكيك فى الرجل بصرف النظر عن مؤسسة الفساد التى أصبحت بحق أقوى مؤسسات الدولة كما سبق لى أن كتبت منذ عدة سنوات..
هل نترك اللص يهرب كى نتفرغ للخناق مع الرجل الذى صرخ فأيقظنا من النوم؟.. فليحاكم هشام جنينة بتهمة إزعاج «شرفاء» الوطن، ولكن ذلك لن يغير الحقيقة وهى أن مصر لن تتقدم خطوة واحدة للأمام مادام وحش الفساد والمحسوبية يلتهم كل أمل فى النهوض.. العدل وحده هو الفريضة الغائبة ...
(6)
لا يمكن لأحد أن يدعى أننا نخسر الحرب ضد الإرهاب.. ولكن لا يمكن أن يقول أحد بأى قدر من الثقة إننا نكسب هذه الحرب ..
وأستعير من نصائح خبراء السيرك القومى نصيحتهم إلى اللاعب الذى يمشى على الحبل ، فحتى لا يسقط عليه أن يتحرك بسرعة وحزم ولا ينظر أبداً إلى الوراء أو إلى أسفل ...
(7)
فى مقدمة كتاب ( دون كيشوت ) كتب سيرفانتس عن «قبيلة كاملة من كتب تتحدث بلا فائدة عن موضوع الفروسية والفرسان»، وفى ختام الجزء الثانى كتب أن سر كتابته هذه الرواية هو «لا يزيد على رغبته فى إقناع العالم بزيف ووضاعة وعدم مناسبة الروايات التى تحكى عن الفرسان!!»...
ويبقى رغم ذلك مشروعاً أن تحلم الفتيات فى خدورهن فى بداية كل عام بفارس يأتى على حصانه الأبيض كى ينتهى ذلك المخاض المقيم العقيم ولو مرة فى العمر ...
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الأهرام وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة