لا أدعي أنني فهمت تماماً المقصود من قرار وزارة الصحة، الذي نشرته صحيفة «الحياة»، والذي كان نصه: «كشفت وثيقة رسمية عن منح المريض العقلي
< لا أدعي أنني فهمت تماماً المقصود من قرار وزارة الصحة، الذي نشرته صحيفة «الحياة» الاثنين 28-12-2015، والذي كان نصه: «كشفت وثيقة رسمية عن منح المريض العقلي في السعودية حرية اعتناق الدين والمعتقد الذي يراه مناسباً، إضافة إلى الاعتراف به في كل مكان بصفته الاعتبارية أمام القانون، ومنحه حرية الاتصالات وتلقي الزيارات، والخصوصية.
وحذرت الوثيقة ذاتها من استغلال حالهم الصحية في إجراء التجارب الإكلينيكية والدوائية على أي مريض من دون موافقته، ويستثنى من ذلك المريض العاجز عن إعطاء الموافقة عن علم، مبينة أنه لا يجوز إجراء أي تجربة إكلينيكية أو مناولته علاجاً تجريبياً إلا بموافقة هيئة فحص متخصصة ومستقلة تستعرض حاله الصحية، ويتم تشكيلها خصيصاً لهذا الغرض».
ما أعنيه هو الفقرة المتعلقة بحرية اعتناق الدين والمعتقد، وبحسب تفسيري اجتهاداً فهم يعتبرون أن لا حرج على المريض العقلي، ومن ثم فمن الصعب أن تطلب منه ما يتجاوز قدراته أو استيعابه أو فهمه أو إدراكه.
على أن هذا القرار يعد من وجهة نظري نقلة حضارية، ففيه تقدير لوضع المريض، واعتباره غير قادر على تقويم ما يحدث، بل ويشعرنا بأننا نتعايش مع العالم بتشريعاته، حتى لو كان هناك اختلاف شاسع في القوانين.
إنني أتساءل هنا، هل يحدونا الأمل - بناء على هذه الوثيقة - أن نتعامل بآلية أقل احتقاناً تجاه مخالفات، أو اختلافات في المذهب والمعتقد؟
عملت في لندن نحو عشر سنوات، لم أشعر يوماً بأنني محارب في عقيدتي، أو آرائي، أو توجهاتي. وكثير من الجالية العربية المسلمة بمن فيهم السعوديون يمارسون شعائرهم بكل حرية، ولديهم احتفالاتهم الخاصة بالأعياد والمناسبات الوطنية، فضلاً عن المساجد التي بعضها - ويا للمفارقة - تنتقد الحكومة البريطانية والغربية بكل قسوة.
في المدارس العامة البريطانية، حيث التعليم مجاناً لكل مواطن أو مقيم هناك، يختفي أي مظهر للتمييز بين البريطاني أو غير البريطاني، عدا بعض الرموز البسيطة، مثل العمامة السيخية التي يلبسها السيخي منذ سنواته المبكرة في العمر - وهو ما يحسب لحرية المعتقد في بريطانيا - المناهج الدينية عموماً تدرس للجميع من دون تمييز المسيحية الديانة الأولى في البلاد، فهناك - فضلاً عنها - الإسلام واليهودية ونبذة عامة عن المذاهب.
اطلعت على هذه المناهج وتناقشنا زوجتي وأنا مع أطفالنا ذلك الوقت، حرصاً على ديننا، وثقافتنا، وهويتنا، وشعرنا حقاً بالامتنان، فالقوم لا يسعون لتنصيرك، أو نبذك، أو إقصائك، بل العكس صحيح، فهم يكرسون في كل مناسبة تخصنا حب الانتماء في أفئدة الأطفال لبلادهم، ويراعون مشاعرهم ويحتفلون معهم. وبحسب معلوماتي أصبحوا قبل أعوام يخصصون عيد رمضان، وعيد ذو الحجة، إجازة للطلاب المسلمين.
وفي حصص الدين يقدِم المعلم أو المعلمة الدين كما يرويه أصحابه، من دون أن يكون للمدرسة رأي أو انحياز لدين عن دين. وبالنسبة للحصص التي يتم فيها طرق التربية الجنسية يستأذنون الأهالي قبل البدء بها، ومن حق العائلة أن ترفض انخراط ابنها أو ابنتها بتلك الدروس.
في الشوارع، والطرق، والمقاهي، والمطاعم، والأماكن العامة، تمتزج الثقافات والعادات المختلفة، وتشاهد الثوب السعودي، والنقاب، والحجاب، والعمامة السودانية، والجلابية المغربية، والإيشارب الهندي، والقبعة اليهودية، فضلاً عن القميص والبنطلون، والكل منطلق إلى عمله، أو يعمل من دون أن يلفت نظره هذا التباين، أو حتى أن يضايقه.
هل يا ترى فكرنا تحديداً ماذا نصنع في المقابل في المملكة؟ أعرف أن هناك أموراً لا نستطيع صنعها بالمثل، ولكني أعتقد أن احترام معتقدات الآخرين شيء أقره الدين، فيا حبذا لو التزمنا بتشريعاته.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الحياة وبوابة العين الإلكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة