على أن علاقتنا بالأمل فى مصر- على مدار تاريخنا- علاقة ملتبسة.. فنحن بين كثرة خائفة منه.. مستغربة له
من يملك الأمل يملك كل شىء.. هكذا أعرف.. وهكذا ثَبُتَ وسيَثُبُت..!
على أن علاقتنا بالأمل فى مصر- على مدار تاريخنا- علاقة ملتبسة.. فنحن بين كثرة خائفة منه.. مستغربة له.. وبين قلة موقنة بضرورته.. وقلة أقل تحاول احتكار أسبابه..!
واقعنا اليوم يقول.. إن كل من يملكون الأسباب الحقيقة للأمل- ممن صنعوا ثورتيهم- هم من يتنازعهم بعض يأس..!
تعترى غالبيتهم حالة تلمس لظاهر الأمل يغالبونه بالكثير من التوجس والريبة.. بعضهم يتلمس أسبابه من باب الشفقة بالنفس.. وبعضهم يظهر حالة سكر به وحديث نفوسهم يفيض بالتململ..!
فى حين أن كل من تقول الشواهد الموضوعية إن شموسهم قد غربت ليسوا فقط يتصاخبون باسم «الأمل» ولكنهم يعملون على انتزاعه من مستحقيه.. منا آحاد الناس وعموم المصريين.
أعرف أن الضبابية- التى كانت دئماً صفة المستقبل عندنا- تورث الحيرة.. وأتفهم أن نواح مماليك الماضى يؤذى- بل يهين كبرياء- أهل المستقبل.. وأقدر أن الخوف على المستقبل- لا الخوف من المستقبل- هو ما يجعل من هاجس تسرب فرص الترقى من بين أصابع الوطن.. ثِقَلُ على كل عاقل وهَمُ ما بعده هَمُ..!
حتى بات كم من حليم بيننا حيران..!
وعاد البعض الآن يسأل عن جدوى الكلام.. وجدوى الفعل.. بل والأقسى عن جدوى الأمل ذاته..!
عاد سؤال.. مصر رايحة على فين؟! وهو السؤال الذى لم يفارقنا على مدار عشر سنين.. ينتكس من عنفوان الواثقين بمستقبل واعد.. إلى سياق إلحاح التائه واستحياء الخائف. وأظن أن هذا التساؤل لم يكن لينتكس لصيغة أقرب إلى اليأس فى وقت يستوجب كل التفاؤل.. لولا أننا كمصريين- على تنوعنا وبقليل من المصارحة- لم نستحضر كل ما لدينا من طاقات سلبية بأسوأ ما فينا ومن فينا.. بذات الحماس الذى تجلى به أنبل ما فينا.
استنزفنا أنفسنا بالإشارات المتضاربة والمصطلحات فاقدة المعنى.. وبخاصة فى السنين الثلاث الأخيرة.. لنورث المجتمع فائضاً هائلاً- ليس فقط- من القلق والسفه ولكن الأخطر كان فائضاً من نكران الأمل..!
قَبِلنا بأن نغض الطرف عن ميليشيات «جهل» و«بذاءة» و«ادعاء» و«فساد» وهى تكشف عن وجهها القبيح.. وتتبارى فى التراجع الإدارى والحمق السياسى والخطاب الجاهل والفكر المدعى.. بل وتريد أن تجعل من معاييرها الفاسدة ناموساً للحياة.
قبلنا أن نرى تلك الميليشيات وهى تحاول أن تقتل قيم الأهلية.. والتجرد..والتوق للحرية.. ولا يتجاوز فعلنا الاستنكار..!
ورغم أن فى ظاهر ما سبق ما يعطى منطقاً للقلق والتوجس المشروع.. تبقى بشارات الأمل حاضرة فى حقائق حولنا أصدق من كل عوارض استدعاء اليأس..!
أولى «بشارات الأمل» أننا أصبحنا على وعى أكبر بطبيعة الصراع المستنزف الذى نحن فيه.. وتبين أنه صراع بين عقليتى ماض ومستقبل لا بين أيديولوجيات سياسية أو توجهات حكم..! ولو تأملنا كل تقدم أحرزه عموم المصريين نحو المستقبل على مدار السنين الثلاث الماضية.. حتى وإن جاء مُعسِراً مُستَنزِفا.. كان الأصل فيه حين فرز المجتمع- بفطرته- أهل «الماضى» ووعى حقيقة صراعه معهم.. مع كل محاولات أهل الماضى للتدليس عليه.. فجاءت إزاحتهم.. وتلك هى البشارة.
ثانى «بشارات الأمل» أن أهل الماضى يجمعون بين إثمى «الِكبرِ والجهل» وبهما ينتحرون دوماً..! فقد جاءت نهاية نظام مبارك وقسيمه الإخوانى- الذى تلاه- حين أشاحا عن وجه الكبر واحتقار الشعب بلا مواربة.. فما بين الاحتقار العملى فى مسألة التوريث واللفظى فى «خليهم يتسلوا» كما جاءت على لسان مبارك.. وبين الاحتقار العملى بقطار الأخونة الأعمى وبارانويا «الشرعية» على لسان مرسى.. جاءت النهايتان..! وبذات الإمعان فى «الكبر والجهالة» ستكون الإزاحة الخشنة من صفحة حياة المصريين لكل من بقى من متنطعيهم ومماليكهم ممن يملأون الشاشات بذاءة.. وغيرهم ممن يجاهرون باحتقار عقل هذا الشعب وكبرياء الترقى عنده ويتوهمون إحياء لموات نظامهم أو تنظيمهم..! وفى تلك الإزاحة عين الأمل.
ثالث «بشارات الأمل» أن هناك حقائق أصبحت قواعد للشرعية الملزمة فى مصر حكاماً ومحكومين.. فجوهر ما أراده المصريين فى ثورتيهم فى ٢٥ يناير وفى ٣٠ يونيو صار هو نصوص وروح دستورهم وأساس شرعية انتقال السلطة فى دولتهم.
رابع «بشارات الأمل» أن المصريين شبوا عن طوق التعثر فى الحلم.. نضجوا.. صاروا يحلمون بجرأة.. حتى وإن تجاوزوا أحياناً.. لكن الأهم أنهم لن ينتكسوا عن إنسانيتهم حتى وإن راودهم أحد عليها.. والأغرب حتى وإن أرادوا هم الانتكاس.. ستبقى القاعدة فى العلاقة بالحلم والمستقبل أن نُثاب بأحلامنا، رغم أنوفنا.. حتى وإن لم نُرِد الثواب.
خامس «بشارات الأمل» أنه ومع الضائقة الاقتصادية الشديدة والانهيار الإقليمى غير المسبوق تبقى مصر هى أحد مرتكزات سلام العالم وأمنه.. ويبقى سلام العالم والإقليم مرتهنا بقيامنا من كبوتنا ويظل تعاون العالم مع مصر حتى وهو راغم أمر حتمى.. ولكن ليس لنا أن نركن لذلك بقدر ما يتوجب علينا استثماره.
سادس «بشارات الأمل».. أن جعبة الخطأ وسقطات الهواة لم يبق فيها الكثير ليمضى بغير انكشاف أو مساءلة.. حتى وإن ظلت كتائب التزيين والتلبيس على الناس نشطة وصاخبة..!
وفى هذا ضامن انحياز كل سلطة الآن وفى المستقبل لشعبها أكثر من انحيازها لحوارييها..!
سابع «بشارات الأمل» أن روح «الكتلة الحية» من المجتمع المصرى صارت شابة متمردة ساخطة على كل ما هو غير مثالى.. وأصبح لتلك الروح الغلبة بل و«الحكم».. حتى وإن لم تع هى عن ذلك.. وحتى وإن بدا أن بقايا البيروقراطية الشائخة لم تزل تزاحم بالمناكب على «السلطة» فى كل مؤسساتها. ولكن من قال إن كل صاحب سلطة يحكم؟! فحظ صاحب السلطة من الحكم هو بمقدار نزول سلطته على الحد أدنى من ثوابت الإنسانية الواجب تحقيقها لمن يحكمه.. أى بمقدار حكم من يحكمه على سلطته..!
تبقى «بشارات الأمل» كبيرة بكبر إيماننا بها.. وتبقى فرص إنجاز الآمال مرهونة بتسليمنا بكونها فريضة استُودعناها.. ليس لنا أن نضيعها وإلا أثَمِنا.
مستقبل وطننا المستحق قادم.. وكأننا نحن من يراوغه.. والوصل به حقيقة وليس «حُلُمًــا.. فــى الكــرى أَو خُلسـة المخـتَلِسِ» كقول لسان الدين بن الخطيب الأندلسى.
الأمل حقيقة فلا تستغربوه.. لأن اليأس ترف لا نملكه..
فكروا تصحوا.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة المصري اليوم وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة