سعر الدولار في ليبيا.. أوضاع سياسية وأزمة اقتصادية وفساد إداري
اتخذت الأزمة الليبية أوجها عدة وأشكالا مختلفة، فبعضها ظاهر وبشكل جلي كزعزعة الوضع الأمني والصراع السياسي على السلطة
اتخذت الأزمة الليبية أوجها عدة وأشكالا مختلفة، فبعضها ظاهر وبشكل جلي كزعزعة الوضع الأمني والصراع السياسي على السلطة، والبعض الآخر تُرَى نتائجه ولا تتضح أسبابه، كالفساد الإداري والمالي، على جميع المستويات الإدارية وفي الكثير من مؤسسات الدولة، الأمر الذي جعل الوضع في ليبيا يعكس حالة من التداخل والترابط بين توليفة من المشاكل والمُعضلات التي تتنامى في كل يوم مع تعقد الوضع السياسي والذي في العادة يقود إلى حالة من التدهور الأمني ما يزيد حجم الأعباء والضغوطات على المواطن.
في ظل هذا الحزمة من المصاعب والعقبات تبقى الأزمة الاقتصادية هي أم الأزمات بسبب سطوة المال على كل مناحي الحياة وقطاعاتها سواء على مستوى الفرد، أو على صعيد مؤسسات الدولة، وهنا يأتي غول الأسعار متصدرا المشهد الاقتصادي في ليبيا، حيث بلغ سعر صرف الدولار في السوق الموازي (السوق السوداء) مستويات لم يصلها منذ سنين ملقياً بظلاله على سعر السلع والخدمات ما يزيد من تضييق الخناق على المواطن في بلد بعيش حالة من الترقب والانتظار بعد تتالي مسلسل الحوارات وما دار في أروقة اللقاءات ودهاليز الاتفاقات.
في هذا السياق يقول الأكاديمي والخبير المالي الدكتور عادل التاجوري (لبوابة العين) إن ارتفاع سعر الدولار في ليبيا جاء كنتيجة للعديد من العوامل والأسباب وتأتي مجتمعة لتساهم في تفاقم المشكلة، ولدرجة تداخلها يصعب حتى إيجاد تصنيف لها أو وضع سلم أولوليات لدرجة تأثيرها على الوضع الاقتصادي، ولكن في العموم إن تدني أسعار النفط في السوق العالمية سبب أزمة حتى في الدول التي لديها استقرار اقتصادي فما بالك ببلد كليبيا، حيث إن سعر النفط الذي بلغ 110 دولارات قبل حوالي السنة ها هو اليوم يباع فقط بــ 37 دولارا، أما في الحالة الليبية فإن الكثير من العوامل الأخرى أدت إلى الحال التي عليها سعر الدولار والذي كاد يبلغ سقف الأربع دينارات للدولار الواحد، حيث إن الوضع السياسي والأمني من جهة، إضافة لقلة المداخيل لخزينة الدولة من جهة أخرى كون ليبيا تعتمد اعتماداً شبه كلي على نواتج صادرات النفط، ومع قفل العديد من الحقول والموانئ النفطية من قبل مجموعات مسلحة ساهم في تدني مستوى الصادرات النفطية.
وأردف قائلاً إن ثقافة العامة ساهمت بشكل كبير في خلق هذه الأزمة المالية بسبب قلة وجودة العملة الليبية في المصارف إذ إن المواطن بات يسحب كل أمواله من المصارف مع عدم توديع أي مبالغ في حسابه ما أدى إلى شح كبير في السيولة في البنوك بالتالي تأثر الاقتصاد الوطني بشكل عام، ما بسبب حالة من الركود الاقتصادي حيث لا شركات ولا مؤسسات تجارية أو صناعية تعمل، كذلك ضعف عمل الجهات الرقابية في الدولة، ما أدى بالتالي إلى تفاقم المشكل المالي ما يجعل الحركة الاقتصادية داخل الدولة غير خاضعة للمعايير والمقاييس الأمر الذي خلق حالة من الكساد الاقتصادي في البلد.
في سؤال لبوابة العين عما إذا كان الانخفاض الطفيف في سعر الدولار في السوق الموازي خلال الأيام الماضية ونزوله تحت سقف الثلاثة دنانير للدولار الواحد كان ناتجا عن مخرجات الصخيرات، أجاب بأنه لا يمكن فصل الاقتصاد عن السياسة فهما وجهان لعملة واحدة، إذ إن أي خبر سياسي حتى ولو كان إشاعة يساهم بشكل مباشر وسريع في ارتفاع أو انخفاض سعر الدولار بالتالي فإن هذا قد يكون أحد الاحتمالات.
من جهة أخرى نجد أن السيد (أنور ............) والذي لم يرغب في الكشف عن باقي اسمه وهو تاجر عملة صرح "لبوابة العين" قائلاً بأن الوضع السياسي فعلاً له دور جد مهم في ارتفاع وانخفاض سعر الدولار، ولكن وجود شخصيات نافذة في المصارف ومسؤولين عن النقد الأجنبي فيها يمثلون أجزاء من جماعات وصفهم بـــ ( العصابات) وقال إنهم من يقف وراء هذا الاشتعال في سعر الدولار وهم من يقوم برفعه، عبر التحكم في كميات الدولار التي يقومون بضخها للسوق ما يؤثر على الطلب والعرض وأنه وباقي تجار العملة ما هم إلا مستفودين صغار من هذا النشاط التجاري.
الحاج سالم تيبار 55 سنة من طرابلس وهو صاحب مخبز يتحدث "لبوابة العين" قائلاً بأن ارتفاع سعر الدولار وعدم توريد الدولة للدقيق بسعر مدعوم جعل أصحاب المخابز يتجهون لشرائه بسعر السوق السوداء المتأثر أصلاً بارتفاع سعر الدولار ما أدى إلى غلاء سعر رغيف الخبز والذي كان شبه ثابت منذ أكثر من ثلاثين سنة حيث بلغ 250 درهما بعد أن كان سعره فقط 50 درهما.
جمال الباروني 47 سنة صاحب بقالة صرح قائلاً إنني لم أعد أورّد بعض المواد الغدائية للمحل بسبب ارتفاع سعرها من مصدرها الناتج أصلاً عن ارتفاع قيمة سعر الدولار، وأضاف أنه يستحي أحياناً من الإجابة عن سؤال من زبون حول سعر مُنتج معين بسبب تضاعف سعره.
في جولة في الشارع العام وفي لقاء مع المواطن صلاح الدين بن سليمان 39 عاماً وهو موظف في شركة حكومية قال إن ارتفاع سعر الدولار كان له تأثير كبير ومباشر على المواطن خاصة ذوي الدخول المحدودة والمرتبات المتواضعة حيث أدى إلى ارتفاع الأسعار في أساسيات الحياة وكمالياتها إذ ارتفعت بعض السلع الي الضعف كالمواد التموينية والقرطاسية والملابس وقطع غيار السيارات وفي كل متطلبات الحياة اليومية.
السيدة كميلة الباروني وهي مدرسة قالت إنها تأثرت جداً بارتفاع سعر الدولار وانعكاسه على الأسعار ولكن للأسف هناك تجار يرفعون حتى سعر بعض السلع التي لا تتأثر كثيرا بارتفاع سعر الدولار أو السلع التي تم شراؤها عندما كان سعر الدولار في مستويات أقل مما هو عليه الآن.
لعل ارتفاع سعر الدولار في ليبيا لا يمثل في حد ذاته المشكلة الحقيقية بقدر ما يعكس صورة قاتمة عن حجم المصاعب والعقابات التي تزيد من تفاقم الوضع وتأزمه، فالصراع السياسي على السلطة والذي أوجد أجنحة عسكرية ومجموعات مسلحة مع استشراء الفساد المالي والإداري، كذلك زعزعة الوضع الأمني زاد من حجم التحديات التي تواجه من سيقود البلد في القادم من الأيام، فهل من سيأتي سيتمكن من تحقيق ولو الحد الأدنى من آمال هذا الشعب الذي يمضي أيامه في ترقب وانتظار لمجريات الأحداث على الساحة السياسية وما ستسفر عنه.
aXA6IDMuMTM1LjIwNS4yMzEg جزيرة ام اند امز