رحيل الفنانة الجميلة ناتالي كول ليس البداية التي كنت أتمناها لعام جديد؛ فهو لا يعني فقط خسارة لمطربة ذات صوت رائع، لكنها تمثل معني أجمل
رحيل الفنانة الجميلة ناتالي كول ليس البداية التي كنت أتمناها لعام جديد؛ فهو لا يعني فقط خسارة فنية كبيرة لمطربة ذات صوت رائع، لكنها تمثل بالنسبة لكثيرين معني أجمل.
كانت من أوائل الفنانين الذين ارتبطت بهم بعد انتقالي من القاهرة لواشنطن عام ١٩٩١، حيث كنت أتابع حفل توزيع جوائز جرامي الموسيقية، ثم ظهرت ناتالي لتقدم الأغنية التي أعشقها Unforgettable أو لا يُنسى، لوالدها الأسطورة نات كينج كول، وهي الأغنية التي قدمتها في ألبوم يحمل نفس الاسم، جلس الجمهور في المسرح وأمام شاشات التليفزيون مسحورين وهم يستمعون إلي دويتو بين الأب وابنته بعد ربع قرن من وفاته، كان هناك دفء وحميمية من النوع الذي لم نعد نجده كثيرا في أعمال هذه الأيام، والمدهش أن التكنولوجيا كانت هي البطل في الوصول إلي هذه التوليفة الموسيقية الصوتية الرائعة، أذكر أنني سألت يوما الفنان الراحل سيد مكاوي عن تأثير دخول التكنولوجيا علي الفن، وكانت إجابته السريعة والمباشرة: مزيكا ما لهاش طعم... وقد وافقته الرأي علي ذلك لسنوات قبل أن تصدر هذه الأغنية، فها هي التكنولوجيا تستخدم بشكل عبقري يستولد معاني جديدة لأغنية قديمة، ليعاد تقديمها فقط بشكل جديد أو توزيع مختلف كما يحدث غالبا، ولكن بمزج صوتي الأب وابنته بصورة مبهرة، فالقضية ليست إذن في وجود التكنولوجيا من عدمه لأنها أصبحت واقعا، ولكن في طريقة استخدامها، وقد باع الألبوم أكثر من ١٤ مليون نسخة، وفاز بست جوائز جرامي ذلك العام، من بينهما أفضل ألبوم وأفضل أغنية... لكن ذلك ما كان يعنيني في شيء، فقد فازت بالفعل بالنسبة لي بمجرد إطلالتها في ذلك الحفل، وكان الألبوم بداية لإعادة تقديم تراث والدها الذي تميز في الجاز والبوب، بالإضافة لجهوده في حركة الحقوق المدنية كواحد من أوائل الفنانين السود الذين حققوا نجاحا كبيرا علي المستوي الوطني في أمريكا.
وكما ذكرت ناتالي، كان الألبوم محاولة لاستعادة العلاقة مع الوالد الراحل، أو طريقتها في أن تقول له شكرا، ولم تبك إلا بعد الانتهاء من تسجيل الأغنية الأخيرة، حيث كان عليها أن تقول له مرة أخري: وداعا... لكنها عادت مرة أخرى لإعادة إنتاج أغنيات مشابهة له مثل When I fall in love التي فازت أيضا بجائزة جرامي، ثم ألبوم آخر بعنوان Still Unforgettable ليفوز أيضا عام ٢٠٠٨.
هذا لا يعني أن قيمة ناتالي ارتبطت فقط بإعادة تقديم أغاني والدها، فقد فازت بجوائز كثيرة قبلها لأعمال تخصها وفي ألوان موسيقية مختلفة، لكنها كانت تشعر بسعادة أكبر مع أعمال والدها، كانت تقول: أشعر أنني أدين له بذلك.
لكن هناك بعدا إنسانيا آخر في ناتالي كول؛ فهي مثل الكثير من الفنانين والفنانات الذين يتهورون في بداية حياتهم الفنية باستخدام المخدرات والهيروين، وتسببت الحقن في إصابتها بالتهاب الكبد الوبائي سي، وهو المرض الذي تسببت مضاعفاته في وفاتها في نهاية الأمر، لكن ناتالي كول كانت قد امتنعت عن هذا الإدمان القاتل منذ فترة طويلة، ورغم أنها دفعت حياتها ثمنا له في نهاية الأمر، إلا أنها استخدمت شهرتها وتجربتها الشخصية لمكافحة الإدمان، وعندما فازت فنانة أخري مدمنة بجائزة جرامي (إيمي واينهاوس) عام ٢٠٠٨، لم تتردد ناتالي في انتقاد اللجنة المنظمة بوضوح في حفل الجائزة، وقالت بصراحة: "أنا مدمنة سابقة، ولا أتقبل ذلك باستخفاف... ففيروس سي استمر في جسدي علي مدي ٢٥ سنة، ويمكن أن يحدث لهذه المرأة الصغيرة أو أي مدمن آخر يلعب بالمخدرات أو الحقن".
وقد تسبب علاجها الكيماوي للمرض في إفشال الكلي لديها، وكانت تقوم بعملية الغسيل الكلوي ثلاث مرات أسبوعيا، حتي وهي في جولاتها الغنائية، فدخلت العديد من المستشفيات حول العالم، لذلك كانت تقول عن نفسها؛ إنها شهادة حية علي إمكانية أن يتعرض الإنسان لتحديات ومصاعب شديدة في حياته لكنه دائما يخرج منتصرا.
لقد خسرت ناتالي كول معركتها الشخصية في نهاية الأمر مع المرض كما يحدث مع الجميع، لكنها كما تقول خرجت منتصرة، انتصرت عندما واجهته بكبرياء، وانتصرت عندما استخدمت قصتها الإنسانية لتوعية الآخرين بالمشكلة والدعوة لمواجهة الإدمان.
كسبت ناتالي كول الناس في معركتها مع المرض كما كسبت وهي تجدد صلتها الإنسانية بوالدها الراحل من خلال الفن والموسيقي، وفي الحالتين كانت نموذجا نفتقده كثيرا هذه الأيام.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة