فإذا أردتم أن نتحدث عن حقوق الإنسان فلتكن حقوق الجميع، وليس البعض فقط، وإلا فلتصمتوا للأبد.
يريدونها ثورة دم يعم ونريدها ثورة خضراء تعيد إحياء ما بقي من عقلانية في العقول وكرامة في الوجوه نحو فجر جديد لا ولاء فيه لألوان الرايات والعمامات، وإنما الولاء لله ورسوله ومن ثم الوطن وولي الأمر، بعيداً عن الفتن وإثارة الفوضى... وهم يريدونها دولة طائفة ونحن نريدها دولة قانون ودولة المواطنة المدنية، ولذلك يجب أن لا ننظر بنصف عين على جزء من الواقع بينما نغمض العين الأخرى عنه، ومن هذا المنطلق فإن واقع إيران وممارساتها بمجرد نظرة واحدة على خريطة وطننا العربي مترامي الأطراف نستطيع أن نرى أيدي إيران وأصابعها التي تحركها في كل قُطر في محاولة تطويق السعودية من الشمال عبر العراق ومن الجنوب بإثارة وتحريك الحوثيين في اليمن ومن الشرق عبر إثارة القلاقل في البحرين، وفي الداخل ببث وتحريك الفتنة في القطيف وما جاورها، بعد أن استولت تقريبا على القرار السوري، ودعوكم من كذبة مصداقية منظمات حقوق الإنسان التي تتحرك حسب الطلب والأهواء والخطط، وتتجاهل ما يجري في الأحواز واستيلاء إيران المتغطرس على الأراضي العربية، والقتل في الأحواز الذي يستنشقه المسلمون السنة كالهواء، ويعدم يوميًّا السنة في إيران ولم نسمع صوتا واحدا يدين تلك الأعمال البربرية، ولم نسمع إخوتنا الشيعة ينددون ويدينون تلك الجرائم ويتظاهرون باسم نصرة المظلوم، فماذا حل فجأة بأخوة الإسلام والمسلمون سواسية حتى أصبح دم المسلم الشيعي أغلى من دم المسلم الآخر الذي لا ينتمي للمذهب الشيعي، وأين ثورتهم ضد الظلم والطغيان أم أعمتهم الولاءات للمرجعيات عن إحقاق الحق ؟
فإذا أردتم أن نتحدث عن حقوق الإنسان فلتكن حقوق الجميع وليس البعض فقط وإلا فلتصمتوا للأبد، فها هي الحكومة الإيرانية تستدعي القائم بالأعمال السعودي في طهران للاحتجاج على إعدام نمر النمر، وتهاجم القنصلية السعودية في طهران تحت مرأى ومسمع الجهات الأمنية الإيرانية، والرسالة أن تنفيذ الأحكام القضائية في المدانين بالإرهاب هو ليس حق ثابت للمملكة طالماً أن المتهم شيعي المذهب، فكل شيعي في العالم هو مواطن إيراني وفقاً للعقلية الإيرانية الاستعمارية التوسعية، وتتصرف حرفيًّا وفق تلك العقيدة الثابتة، وتابعنا المتحدث باسم الخارجية، حسين جابر أنصاري، عندما صرح أن "السياسة اللا مسؤولة للحكومة السعودية ستدفع بسببها ثمنا باهظا"، ومن جهته، استنكر آية الله خاتمي، عضو مجلس خبراء القيادة الإيراني إعدام نمر باقر النمر، داعيا منظمة التعاون الإسلامي إلى اتخاذ موقف إزاء ذلك... وصرح خاتمي بأنه يتوقع من منظمة التعاون الإسلامي اتخاذ موقف واضح من عملية إعدام النمر، مشيرا إلى أنه سيطلب من الجهاز الدبلوماسي الإيراني اتخاذ موقف حازم بهذا الصدد، ورجح خاتمي خروج احتجاجات ومظاهرات تنديدا بإعدام النمر الذي وصفه بالجريمة، ويخرج علينا علاء الدين بروجردي، رئیس لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني، بقوله: "إن إعدام النمر عمل غير منطقي وغير إنساني"، وفي تصريحات تليفزيونية لقناة العالم يقول: "ستكون هناك عواقب كبيرة لهذه الكارثة، وعلى السعودية أن تتحمل المسؤولية"، وفي نفس السياق، استنكر المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان تنفيذ حكم الإعدام ووصفه بـ "الخطأ الفادح"، واعتبر نائب رئيس المجلس الشيخ عبد الأمير قبلان في بيان له أن "إعدام الشيخ النمر إعدام للعقل والاعتدال والحوار"، وفي غضون ذلك، شجب الائتلاف العراقي الحاكم في العراق تنفيذ السعودية حكم الإعدام ، وقال نائب في الائتلاف إن هذه الخطوة يراد منها إذكاء الفتنة الطائفية و"إشعال المنطقة"، وقال محمد الصيهود النائب في البرلمان العراقي عن ائتلاف دولة القانون الحاكم: إن "هذا الإجراء المتخذ من جانب الأسرة الحاكمة في السعودية يراد منه إشعال المنطقة من جديد وإذكاء نار الفتنة الطائفية وخلق أزمة جديدة، إضافة للأزمات التي تشهدها المنطقة" وبدورهم ندد الحوثيون في اليمن بمقتل نمر النمر، وجاء ذلك في نعي للجماعة على موقع المسيرة التابع لها.
نعي طائفي يعتبر من ينتمي للطائفة إنسان بمرتبة مختلفة، وتدخل صريح في شؤون دول الجوار، وتصريحات مختلفة من كبار المسؤولين في إيران التي تعتبر شؤون الأقليات الشيعية في الشرق الأوسط جزءا من سياستها الداخلية قبل الخارجية، وتهديد ووعيد للملكة العربية السعودية، فيما شوهد عشرات من المواطنين الشيعة في مسيرة في القطيف بالمنطقة الشرقية في السعودية أمس السبت، احتجاجا على إعدام المملكة رجل الدين الشيعي نمر النمر، وردد المحتجون "يسقط آل سعود"، بينما كانون يسيرون من قرية العوامية وهي مسقط رأس النمر إلى القطيف، كما يقول شاهد عيان: إن الشرطة البحرينية أطلقت الغاز المسيل للدموع على عشرات المحتجين على إعدام السعودية رجل الدين الشيعي نمر النمر، وكان المحتجون يحملون صورا للنمر، وواجهوا قوات الأمن في قرية أبو صيبع الشيعية غربي العاصمة المنامة، ودعا النشطاء إلى احتجاجات في البحرين.
ولكن من هو نمر باقر النمر؟ هو رجل دين/ معارض شيعي سعودي الجنسية من مواليد 1959 في مدينة العوامية التابعة لمحافظة القطيف، وقد أثارت خطاباته التي هاجم فيها الأسرة الحاكمة في السعودية والبحرين جدلا واسعا، واعتقل عدة مرات في 2006 و2008 و2009...
وفي 8 يوليو من سنة 2012 اعتقلت قوات الشرطة السعودية نمر النمر، بتهمة إثارة الفتنة في المنطقة الشرقية من البلاد، بعد إصابته بالرصاص خلال تبادل لإطلاق النار مع الشرطة، وقد درس النمر في مسقط رأسه العوامية، ثم هاجر بعد ذلك إلى إيران عام 1980 ومكث هناك ما يقارب من 10 سنوات قبل أن يتوجه إلى سوريا عام 2009 عندما هدد السلطات بانفصال القطيف والأحساء وتشكيل دولة شيعية مع البحرين، واعتقل النمر مجدداً وحكم عليه بالقتل تعزيرًا من المحكمة الجزائية بالمملكة العربية السعودية في 15 أكتوبر من سنة 2014، ونفذ حكم الإعدام بحقه في 2 يناير من عام 2016.
فمن حق الإنسان أن ينتقد وينصح ويقترح بشأن الأداء والمخرجات من خلال القنوات الرسمية، بعيداً عن الشخصنة والأجندات الطائفية والمذهبية الخاصة، وبما يخدم المصلحة العامة ولا يجلب الويلات والدمار وعدم الاستقرار لبلده، أو يحرض على العنف والتطرف، أو يكون جزءا من مخطط بلد آخر للنيل من بلده، وبما لا يخالف القوانين المعمول بها في دولته، وذلك في المجمل ما نتفق عليه جميعاً.
وأما عن إعدام نمر النمر فهو شأن سعودي داخلي، وهم أعلم بتفاصيله وحيثياته، والنظام القضائي السعودي الذي يطبق الشريعة الإسلامية قال كلمته في قضية نمر النمر، وأهل مكة أدرى بشعابها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة