المملكة العربية السعودية وعديد من الدول العربية والإسلامية والمنظمات الدولية كانت على موعد مع حالة هستيرية جديدة للنظام الإيراني.
عندما يضيق الخناق فالصراخ يصبح حاجة وليس اختياراً، المملكة العربية السعودية وعديد من الدول العربية والإسلامية والمنظمات الدولية كانت على موعد مع حالة هستيرية جديدة للنظام الإيراني أدت لقطع العلاقات الدبلوماسية من جانب السعودية الدولة الأكبر في المنطقة مع إيران، وما يهمني هنا هو البعد الاقتصادي لهذه المقاطعة خصوصا مع انخفاض حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى مستويات متواضعة لا تتخطى نصف مليار دولار، أم أن العزلة الاقتصادية التي حاولت السعودية وضع إيران داخل دائرتها بدأت قبل هذا التوقيت؟
تمتلك إيران اقتصادا ضعيفا نتيجة العقوبات المفروضة عليها من المجتمع الدولي، وهو ما انعكس بشكل مباشر على دخل الفرد هناك، مع وصول نسب التضخم إلى 30 %، وهي نسبة عالية ضمن اقتصاد مترهل بالكاد يستطيع تلبيته احتياجاته الداخلية، وهو اقتصاد يبحث باستمرار عن موارد جديدة يستطيع من خلالها تعظيم إيرادته، فالعقوبات الدولية أسهمت في تأخر إيران تجاه الاستثمار في بنيتها التحتية أو حتى في استثماراته الرأسمالية، إلا أن شهية إيران المفرطة للتوسع بدأت في التزايد منذ ما يقارب العامين، عندما دعا روحاني العام 2014 أثناء زيارته للصين لأحياء طريق الحرير، وجعل إيران بوابة له إلى عوالم الشرق الأوسط، وهو ما ترافق في ذات العام مع حضور إيران لاجتماع دول حوض قزوين حيال تقاسم ثراوته، وهي الدولة التي تمتلك من خلال شواطئها أكبر عمق مطل على بحر قزوين، مما يعني تكلفة أعلى في حال ذهبت إيران لوضع استثمارات أكثر في مجال النفط والغاز عبر بحر قزوين، وهو مالم يشهد توسعاً لأسباب سياسية واقتصادية خلافاً لجارتها دول الحوض.
طريق الحرير الذي تأمل إيران مروره من خلال أراضيها لن يجد منفذا إلى الشرق الأوسط لتلك الدول، سوى عن طريق العراق وهو البلد العربي المحاذي لإيران والذي يمتلك حدودا برية معها أو من خلال الخليج العربي، ومع عدم استقرار العراق سياسيا والأحداث المستمرة في سوريا فإن تكلفة هذا الحلم تعد باهظة للاقتصاد الإيراني، خصوصا مع نظام مصرفي هش لا يتعامل وفق مبادئ التجارة العالمية ولا يعترف بالعملات الأجنبية، ويمتلك العديد من العوائق التي قد تسهم في طرد الاستثمارات الموجهة إليه، علاوة على ارتفاع تكاليف الشحن عبر هذه الطرق، موقع السعودية الجغرافي واستقرارها الاقتصادي والسياسي هو البوابة الأقل كلفة إن أرادت إيران أن تكون بوابة للسلع العالمية من وإلى العالم العربي، حتى وإن أرادت عُمان والإمارات ذلك، والأهم أي سوق عربية قادرة على استيعاب ذلك التدفق من السلع غير العربية السعودية؟
عودة لبحر قزوين، فالمراقب لأداء السعودية تجاه دول الحوض يلحظ بشكل مباشر تلك الاتفاقيات التي وقعتها السعودية مؤخرا، والتي سعت من خلالها إلى استقطاب استثمارات تلك الدول أو الدخول في شراكات متوسطة وبعيدة المدى تجعل من السعودية شريكا استراتيجيا نحو الاستثمارات الموجهة نحو الطاقة، وبما يدعم الاستقرار في تلك الدول ويجعل منها قوة موازية في حوض بحر قزوين، الذي تتلهف إيران لانتزاع ثرواته، بل والقفز أحيانا على اتفاقياتها الموقعة مع روسيا إبان عهد الاتحاد السوفيتي، وما الزيارات الأخيرة لرؤساء تلك الدول إلا دليل واضح على إقبال هذه الدول وفي مقدمتها روسيا نحو شراكة اقتصادية أكبر مع السعودية، تسهم في تحجيم طموح طهران في امتلاك ثروات جديدة قد تكون سبباً في التهاب المنطقة مجدداً، أخيرا لا أعتقد أن السعودية تذهب في طريق حرب اقتصادية تجاه إيران إلا أنها تريد إيصال رسالة واضحة بأن ثقلها الاقتصادي يمكن أن يمسها حتى وإن اختلف معها حلفاؤها في الموقف، ولنا في الإمارات مثال، ربما تلمس طهران آثاره قريبا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة