في ذكرى رحيله الرابعة .. إبراهيم أصلان .. الدقة والوضوح
اليوم تمر 4 أعوام على رحيل صاحب بحيرة المساء، كأن الرحيل كان بالأمس،وقد شهدنا بعد وفاته خروج آخر هداياه إلينا: رواية "صديق قديم جدًّا".
في روايته "مالك الحزين" يفتتح إبراهيم أصلان الكتاب باقتباس من بول فاليري "ياناثانيل أوصيك بالدقة لا الوضوح"، لم تكن مجرد تصدير بليغ، بل إنها المدخل لقراءة أصلان والبنية الأساسية لمشروعه السردي.
اليوم تمر 4 أعوام على رحيل صاحب بحيرة المساء، كأن الرحيل كان بالأمس، وقد شهدنا بعد وفاته خروج آخر هداياه إلينا رواية "صديق قديم جدًّا"، و"انطباعات صغيرة حول حادث كبير" التي صدرت في بدايات 2015. هدية أصلان إلى العالم أعادت صورته المألوفة بشاربه الكث المميز ونظراته الثاقبة التي تخترق الروح.
سرد أصلان هو لعبة التورط في صناعة الخيال، الإيجاز والاقتصاد في بناء النص بجمله القصيرة وندرة استخدام البلاغة، يجعل من الفراغات بين الجمل مساحة لإطلاق خيال القارئ في التفاصيل، في الاشتباك مع اللحظة السردية، لا غرابة إذن أن المخرج داود عبد السيد في فيلم "كيت كات" المأخوذ عن رواية "مالك الحزين" قد أعاد ترتيب المشهد الأصلاني ليناسب الصورة، في واحد من علامات السينما المصرية.
الدقة لا الوضوح، من خلال هذا المفتاح يمكن فهم أصلان جيدًا، فقد عمل في بداية حياته في البريد، ومن تقنية التلغراف وحساب الكلمات اكتسب رهافة السكين، الكلمة الزائدة محسوبة عليه، لتخرج كلماته دقيقة مقتصدة. العمل في البريد لم يكن فقط مؤثرًا أسلوبيًّا على سرد أصلان، لكنه كان موضوع واحدة من رواياته "وردية ليل".
جنوحه إلى السخرية، كان في تفاصيل بناء مشهديته، هو لا يتورط في إعلان مشاعره، بل يتحيد تمامًا، تاركًا لقارئه "استنتاج" المفارقة، وذلك باستبعاد الزوائد والثرثرة من المشهد، معه يروق المشهد ويصفو من الضجيج البلاغي والفوضى الكلامية إلى أكثر صوره نقاوة وقدرة على إثارة الخيال.
مع هذا الحرص على الإحكام والتقشف في اللغة، قلَّت أعماله، فلم يكن غزير الإنتاج مثل بقية جيله "جيل الستينات" لم يكن مثل جمال الغيطاني أو يوسف القعيد أو رفيق عمره خيري شلبي، متخذًا لنفسه مسارًا مغايرًا في فكرة التراكم، وعلى قلة أعماله فقد لاقت قبولًا نقديًّا وجماهيريًّا كبيرًا.
وإلى جانب القصة والرواية، كان كتاباه "خلوة الغلبان" و"شيء من هذا القبيل" متمردين على التصنيف، جمعا بين القص والبناء الصحفي والسيرة الذاتية، تجمعها حيوات من لحم ودم عايشها ورآها، وهو القائل عن نفسه: "إذا اخترعت شخصية واخترعت لها سيكولوجيا واخترعت لها مصيرًا، فقد اخترعت جثة".
ولد إبراهيم أصلان عام 1935 بمدينة طنطا، محافظة الغربية، ثم انتقلت أسرته إلى القاهرة وتحديدًا في حي إمبابة والكيت كات، وقد ظل لهذين المكانين الحضور الأكبر في كل أعماله.
توفي إبراهيم أصلان في 7 يناير 2012 بعد فترة مرض قصيرة بمستشفى قصر العيني في مدينة القاهرة.