لم يعد ممكنا أن نصف هذا الكيان الهلامى الضخم بأنه مجرد «لعب عيال»، ولم يعد ممكنا اتهام هذا الكيان بأنه تحت سيطرة تيار معين
ليلة الخميس الماضى أى رأس السنة الميلادية كنت ضيفا على قناة «سى. بى. سى» اكسترا برفقة الصديقين الكبيرين والكاتبين اللامعين عبدالله السناوى وضياء رشوان للحديث عن الشخصيات الخمس الأكثر تأثيرا فى مصر ومثلهم فى العالم.
الفكرة كانت للصديق محمد هانى المشرف العام ورئيس شبكة قنوات «سى. بى. سى» حيث عممها على كل المجالات بمعنى أن يتحدث مجموعة من الخبراء والمراقبين والمتابعين والمتخصصين عن الأكثر تأثيرا كل فى مجاله.
قبل الهواء بأيام جلسنا نحن الثلاثة، أنا والسناوى ورشوان، ومن بين الأكثر تأثيرا فى مصر لم يكن فقط أشخاص بل ظواهر، اتفقنا على أن «السوشيال ميديا» فى مقدمتها. وجاءت فى مرتبة ثانية بعد «الشهيد» وبعدها ظاهرة «تراجع وتصدع تيار الإسلام السياسى» ثم «البابا تواضروس وتزايد دور الكنيسة» وأخيرا «إبراهيم محلب».
اليوم أحاول تسليط الضوء على وسائل التواصل الاجتماعى أو السوشيال ميديا وكيف زاد تأثيرها بوضوح فى المشهد السياسى والاجتماعى المصرى خلال عام ٢٠١٥. هذا «المصطلح الفضفاض» صار يلعب دورا يشبه الضمير العام أو حزب المعارضة الفعلى فى المشهد العام فى مصر. السوشيال ميديا هى التى أقالت وزير العدل السابق الذى سخر من «أولاد الزبالين والفقراء الممنوعين من دخول النيابة»، وهى التى حركت الحكومة فى كارثة الأمطار بالإسكندرية والبحيرة، وهى التى أوقفت عمليا برنامج ريهام سعيد، وهى التى تصدت لخروج كثير من الإعلاميين على النص المهنى والأخلاقى.
الفيس بوك وتويتر واليوتيوب وغيرها من وسائل التواصل لم يعد فى إمكان أى مجتمع أو حكومة أو سلطة أو هيئة إغفال دورها.
لم يعد ممكنا أن نصف هذا الكيان الهلامى الضخم بأنه مجرد «لعب عيال»، ولم يعد ممكنا اتهام هذا الكيان الكبير بأنه تحت سيطرة تيار معين، حتى لو كان هذا التيار ناشطا فيه.
لم يعد ممكنا الاستماع إلى ما يقوله البعض بأنه يجب إغلاق هذه الوسائل لأنها «قليلة الأدب أو خارجة على النص».
وحتى نكون موضوعيين فإن «التواصل الاجتماعى» ليس تجمعا للملائكة الأخيار، به بعض السلبيات الكثيرة وفى اليوم الذى انصف «رجل الثلاجة» الذى غرقت غرفته فى أمطار الإسكندرية، كان يسخر من المقدم ضابط شرطة المرور المحترم فى اليوم نفسه فقط لأنه «تخين»، وداخل «السوشيال ميديا» أيضا العديد من الشائعات والنميمة، والانطباعات والأخبار غير المدققة التى قد تتسبب فى تشكيل رأى عام مشوش.
ورغم ذلك فتلك هى سنة الحياة، وربما فإن أفضل ما قادت إليه ثورة الاتصالات التكنولوجية خصوصا فى مجال الإعلام، انها انهت إلى الأبد امكانية احتكار أى شخص أو جهة أو سلطة للحقيقة.
تأثير السوشيال ميديا موجود فى معظم بلدان العالم، لكنه يزيد أكثر فى المناطق التى يتراجع فيها دور المجتمع المدنى والأحزاب السياسية والقوى الاجتماعية.
عندما يتراجع دور وحجم السياسة وينكمش دور الأحزاب، ينتعش دور السوشيال ميديا فى المجال السياسى وليس الاجتماعى فقط كما هو موجود عالميا.
من مصلحة الحكومة وأجهزة الدولة أن تقتنع بزيادة حجم السياسة العادية فى المجتمع، حتى يكون دور «السوشيال ميديا» طبيعيا ومنطقيا وليس متورما بفعل أن الوسائل العادية غائبة أو مغيبة.
الحل الطبيعى والبسيط أن نزيد من مساحة السياسة، وان تتحرك الحكومة بسرعة وتكون سياساتها واضحة وشفافة، ومنحازة أكثر إلى البسطاء ومتفهمة للتنوع فى هذا الوطن الكبير. وقتها سوف تعود «السوشيال ميديا» إلى حجمها الطبيعى.
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الشروق المصرية وبوابة العين الإلكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة